"إنهم تجار بشر، لقد اكتشفت ذلك فعلاً عندما وصلنا إلى نقطة الإبحار المقررة على شواطئ مدينة أزمير التركية. كان الوقت حينها يقترب من منتصف الليل، وكان من المقرر أن يحملنا يخت سياحي إلى أقرب جزيرة يونانية حسب ما اتفقنا مع الوسيط. لكننا فوجئنا بأن الرحلة ستكون بواسطة قارب صغير، لا ترتفع حوافه عن سطح مياه البحر سوى سنتيمترات قليلة، يتسع لعشرة أشخاص، بينما كان عددنا أكثر من خمسة عشر شخصاً".
يتابع اللاجئ السوري أحمد حديثه لـ"العربي الجديد": "وسط الظلام استطعت أن أتعرف إلى وجه القبطان. رجل ضخم تبدو ملامحه وكأنه أحد رجالات المافيا التي كنت أسمع عنها. كان يتحدث الروسية، وإلى جانبه شخص آخر يترجم كلامه إلى العربية بصعوبة، أعتقد أنه تركي. بعد دقائق قليلة طلب إلينا الأخير أن نصعد إلى المركب دون ضجيج، خوفاً من أن تصل أصواتنا إلى مسامع خفر السواحل الأتراك المنتشرين بآلياتهم على طول الشاطئ، فينكشف أمر الرحلة". يضيف: "خاطبته هامساً: لم يكن هذا اتفاقنا، لقد دفعت للوسيط (شخص سوري اسمه الحركي الدبور)، أجور سفرنا باليخت لا بهذا الزورق المتهالك. التفت إليّ القبطان بعدما سمع ترجمة ما قلته، والامتعاض على وجهه، سرعان ما انعكس على سلوكه، تقدم نحوي وأمسك بكتفي وشده نحوه قائلاً ما ترجمته: ستركبون بهذا القارب، ولا يوجد غيره". يتابع أحمد: "أجبته: لن أركب. وفجأة أشهر مسدسه وصوّبه نحوي وهو يقول: ستركبون جميعاً".
لم يكن هناك من خيار آخر، يقول أحمد، "لكن بعد ساعة من الإبحار ومحاولات عديدة، فشل القبطان الروسي، نتيجة الانتشار الكثيف لدوريات خفر السواحل في اختراق المياه الإقليمية اليونانية، وشعرت بالغضب الذي يعتريه وهو يزمجر بكلمات لم أفهمها، غير أنني أحسست من حركة القارب أنه في طريق العودة إلى الشاطئ، وعرفت لاحقاً أن الرحلة تأجلت إلى مساء الغد. حينها تنفّست الصعداء".
هكذا بدأت القصة وهكذا انتهت. بقوارب كهذه دفنت أحلام الآلاف في قاع البحر. تجربة أحمد لا تختلف عن تجارب مأساوية مماثلة عاشها سوريون كثُر، أثناء انتقالهم من مدينتي ديدم ومرمريس التركيتين على الشواطئ الجنوبية لبحر إيجة، نحو أوروبا. إذ واجهوا خلالها متاعب ومخاطر جمة، صبروا عليها، مقابل حلمهم بحياة جديدة، تنسيهم هول الحرب الدائرة في بلادهم، وقسوة السنوات التي أمضوها كلاجئين في الأردن ولبنان، تحت وطأة ظروف اقتصادية وإنسانية مروّعة، حوّلت 9 من كل 10 منهم إلى فقراء، وفق آخر تقرير لمجموعة البنك الدولي.
ويؤكد محمد الذي يستعد أيضاً لمغادرة الأردن مع عائلته: "كان عملي هو مصدر دخل الأسرة الوحيد، تركته تحت ضغوط دوريات التفتيش التابعة لوزارة العمل، ومنذ أيام أبرمت اتفاقاً عبر الهاتف مع وسيط سوري في إسطنبول، يقضي بدفع 1000 دولار عن كل فرد من أفراد أسرتي المؤلفة من 5 أشخاص، على أن تكون وسيلة الإبحار هي – البلم – وهو قارب مطاطي يسير بمحرك آلي لكنه يفتقر لوسائل الأمان". يضيف لـ"العربي الجديد": "تبلغ كلفة عبور البحر فقط نحو 5000 دولار، عدا عن النفقات التي سنتكبدها حتى وصولنا إلى النرويج، وجهتنا الأساسية، حيث تراوح بين 2000 و2500 دولار تقريباً، بما فيها أجور الانتقال بالطائرة من عمان إلى إسطنبول".
وتختلف أكلاف الهروب بحراً، كما يقول محمد، بين مهرب وآخر، كما تختلف الأسعار بين وسيلة وأخرى، حيث تراوح كلفة الشخص الواحد بين 1000 ـ 3000 دولار، تُسلّم لطرف ثالث، ولا يستلمها المهرب إلا حين وصول الأشخاص إلى الأراضي اليونانية.
وقد ارتفع في الآونة الأخيرة عدد السوريين الذين غادروا الأردن إلى تركيا بهدف الهجرة، حسب مصادر غير رسمية، إلى 100 ألف لاجئ تقريباً، اضطرتهم الظروف إلى ترك البلاد بعد أن فقدوا أي أمل بتحسّن أوضاعهم المعيشية.
ويبلغ عدد اللاجئين الذين دخلوا اليونان عبر بحر إيجة، حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عام 2015، نحو 700 ألف لاجئ، أنفقوا على سفرهم ما يقارب المليار دولار، ذهب أغلبها إلى جيوب المهربين على الساحل الغربي لتركيا. وتعتبر جزيرتا ليسفوس وخيوس اليونانيتين القريبتين من البر التركي، البوابة الرئيسة لرحلة عبورهم، حيث تستقبل الأولى نحو 3000 لاجئ يومياً، بينما تستقبل الثانية نحو 700 لاجئ. وقد لقي نحو 3500 لاجئ، ربعهم من الأطفال، حتفهم غرقاً أثناء عبورهم البحر بالقوارب المطاطية، منهم 50 لاجئاً في الأسابيع الأخيرة.
اقرأ أيضاً: قوارب الموت.. المأساة تلاحق اللاجئين براً وبحراً
يتابع اللاجئ السوري أحمد حديثه لـ"العربي الجديد": "وسط الظلام استطعت أن أتعرف إلى وجه القبطان. رجل ضخم تبدو ملامحه وكأنه أحد رجالات المافيا التي كنت أسمع عنها. كان يتحدث الروسية، وإلى جانبه شخص آخر يترجم كلامه إلى العربية بصعوبة، أعتقد أنه تركي. بعد دقائق قليلة طلب إلينا الأخير أن نصعد إلى المركب دون ضجيج، خوفاً من أن تصل أصواتنا إلى مسامع خفر السواحل الأتراك المنتشرين بآلياتهم على طول الشاطئ، فينكشف أمر الرحلة". يضيف: "خاطبته هامساً: لم يكن هذا اتفاقنا، لقد دفعت للوسيط (شخص سوري اسمه الحركي الدبور)، أجور سفرنا باليخت لا بهذا الزورق المتهالك. التفت إليّ القبطان بعدما سمع ترجمة ما قلته، والامتعاض على وجهه، سرعان ما انعكس على سلوكه، تقدم نحوي وأمسك بكتفي وشده نحوه قائلاً ما ترجمته: ستركبون بهذا القارب، ولا يوجد غيره". يتابع أحمد: "أجبته: لن أركب. وفجأة أشهر مسدسه وصوّبه نحوي وهو يقول: ستركبون جميعاً".
لم يكن هناك من خيار آخر، يقول أحمد، "لكن بعد ساعة من الإبحار ومحاولات عديدة، فشل القبطان الروسي، نتيجة الانتشار الكثيف لدوريات خفر السواحل في اختراق المياه الإقليمية اليونانية، وشعرت بالغضب الذي يعتريه وهو يزمجر بكلمات لم أفهمها، غير أنني أحسست من حركة القارب أنه في طريق العودة إلى الشاطئ، وعرفت لاحقاً أن الرحلة تأجلت إلى مساء الغد. حينها تنفّست الصعداء".
هكذا بدأت القصة وهكذا انتهت. بقوارب كهذه دفنت أحلام الآلاف في قاع البحر. تجربة أحمد لا تختلف عن تجارب مأساوية مماثلة عاشها سوريون كثُر، أثناء انتقالهم من مدينتي ديدم ومرمريس التركيتين على الشواطئ الجنوبية لبحر إيجة، نحو أوروبا. إذ واجهوا خلالها متاعب ومخاطر جمة، صبروا عليها، مقابل حلمهم بحياة جديدة، تنسيهم هول الحرب الدائرة في بلادهم، وقسوة السنوات التي أمضوها كلاجئين في الأردن ولبنان، تحت وطأة ظروف اقتصادية وإنسانية مروّعة، حوّلت 9 من كل 10 منهم إلى فقراء، وفق آخر تقرير لمجموعة البنك الدولي.
ويؤكد محمد الذي يستعد أيضاً لمغادرة الأردن مع عائلته: "كان عملي هو مصدر دخل الأسرة الوحيد، تركته تحت ضغوط دوريات التفتيش التابعة لوزارة العمل، ومنذ أيام أبرمت اتفاقاً عبر الهاتف مع وسيط سوري في إسطنبول، يقضي بدفع 1000 دولار عن كل فرد من أفراد أسرتي المؤلفة من 5 أشخاص، على أن تكون وسيلة الإبحار هي – البلم – وهو قارب مطاطي يسير بمحرك آلي لكنه يفتقر لوسائل الأمان". يضيف لـ"العربي الجديد": "تبلغ كلفة عبور البحر فقط نحو 5000 دولار، عدا عن النفقات التي سنتكبدها حتى وصولنا إلى النرويج، وجهتنا الأساسية، حيث تراوح بين 2000 و2500 دولار تقريباً، بما فيها أجور الانتقال بالطائرة من عمان إلى إسطنبول".
وتختلف أكلاف الهروب بحراً، كما يقول محمد، بين مهرب وآخر، كما تختلف الأسعار بين وسيلة وأخرى، حيث تراوح كلفة الشخص الواحد بين 1000 ـ 3000 دولار، تُسلّم لطرف ثالث، ولا يستلمها المهرب إلا حين وصول الأشخاص إلى الأراضي اليونانية.
وقد ارتفع في الآونة الأخيرة عدد السوريين الذين غادروا الأردن إلى تركيا بهدف الهجرة، حسب مصادر غير رسمية، إلى 100 ألف لاجئ تقريباً، اضطرتهم الظروف إلى ترك البلاد بعد أن فقدوا أي أمل بتحسّن أوضاعهم المعيشية.
ويبلغ عدد اللاجئين الذين دخلوا اليونان عبر بحر إيجة، حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في عام 2015، نحو 700 ألف لاجئ، أنفقوا على سفرهم ما يقارب المليار دولار، ذهب أغلبها إلى جيوب المهربين على الساحل الغربي لتركيا. وتعتبر جزيرتا ليسفوس وخيوس اليونانيتين القريبتين من البر التركي، البوابة الرئيسة لرحلة عبورهم، حيث تستقبل الأولى نحو 3000 لاجئ يومياً، بينما تستقبل الثانية نحو 700 لاجئ. وقد لقي نحو 3500 لاجئ، ربعهم من الأطفال، حتفهم غرقاً أثناء عبورهم البحر بالقوارب المطاطية، منهم 50 لاجئاً في الأسابيع الأخيرة.
اقرأ أيضاً: قوارب الموت.. المأساة تلاحق اللاجئين براً وبحراً