شكك قضاة مصريون في النتائج النهائية لاستفتاء تعديل الدستور، التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات أمس الثلاثاء، وشملت موافقة 23.41 مليون مواطن بنسبة 88.83% من الأصوات الصحيحة البالغة 26.36 مليون صوت، مقابل رفض 2.94 مليون ناخب بنسبة 11.17%، بأصوات باطلة قدّرت بنحو 831 ألفاً و172 صوتاً، بنسبة 3.06% من مجموع 27.19 مليون مصري شاركوا في الاستفتاء.
ومن واقع حديث 10 مصادر قضائية أشرفت على الاستفتاء لـ"العربي الجديد"، تنتمي إلى مجلس الدولة، والنيابة العامة، والقضاء العادي، بلجان فرعية وعامة في محافظات القاهرة، والجيزة، والدقهلية، والشرقية، والمنيا، ودمياط، وأسيوط، والوادي الجديد، فإن النتيجة المعلنة من قبل الهيئة الوطنية "شكّلت مفاجأة حقيقية لجموع القضاة"، فضلاً عن أنها كانت "مدعاة للسخرية"، على حد تعبير أحد القضاة.
وحسب قاضٍ أدار لجنة فرعية بمنطقة حضرية في محافظة الشرقية، كانت تضم 6 آلاف ناخب في الكشف الخاص بها، فإن الصندوق كان فيه أقل من 50 صوتاً بعد أيام الاقتراع الثلاثة، غير أنه فوجئ خلال إعلان نتيجة اللجنة العامة على مستوى المحافظة بأن نسبة الحضور في لجنته تخطت 60%.
وتوقع قاضٍ آخر أشرف على إحدى لجان محافظة الدقهلية، وبلغت المشاركة القصوى في مجمعه الانتخابي 35%، أن الهيئة الوطنية أضافت ما لا يقل عن 5 ملايين صوت لنتيجة "نعم" فقط.
وقال القاضي الذي ينتمي إلى مجلس الدولة "إن النتائج النهائية التي أعلنت عنها الهيئة الوطنية للانتخابات شهدت تلاعباً واضحاً، سواء في أعداد المشاركين، أو المصوتين لصالح التعديلات، قياساً بنتائج الفرز في اللجان الفرعية والعامة بالمحافظات، والتي تظهر أن متوسط نسبة المشاركة لا يتجاوز 35% في أفضل الأحوال، في حين أعلنت الهيئة أنها 44.33%".
وأضاف القاضي لـ"العربي الجديد" أن هناك 5 ملايين صوت على الأقل أضافتها الهيئة الوطنية للانتخابات لصالح "نعم"، بما رفع من أعداد ونسبة المشاركين عموماً من ناحية، والمصوتين بالموافقة على التعديلات من ناحية أخرى، مقارنة بالنتائج التي اعتمدها القضاة في محاضر الفرز باللجان الفرعية، مبيناً أن التلاعب لم يطاول نسبة المصوتين بـ"لا" على التعديلات، وكذلك نسبة الأصوات الباطلة، على حد قوله.
واعتبر القاضي، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن النتيجة العادلة للاستفتاء، وفقاً لمحاضر الفرز المعتمدة من لجان الاستفتاء في الداخل، هو مشاركة أقل من 22 مليون ناخب في الاستفتاء، بتأييد نحو 18 مليون ناخب في المتوسط، بنسبة تراوح 85% من الأصوات الصحيحة تقريباً، مقابل 15% للأصوات الرافضة لتعديلات الدستور، حسبما قال.
إلا أن قاضياً ثالثاً أشرف على لجنة بمحافظة الجيزة، اعتبر أن رقم 5 ملايين صوت مضاف "ضعيف جداً"، مشيراً إلى أن المسألة لا تتعلّق بإضافة الأصوات وحسب.
وأوضح القاضي أن "معظم القضاة لم يرتكبوا تزويراً، وأن عدداً محدوداً منهم قبل بتسليم لجنته إلى جهاز الأمن الوطني لتكون مرتعاً للناخبين الوافدين من محافظات أخرى"، مستدركاً أن "بعض القضاة صوّت بنفسه للمواطنين، لكن بشكل عام يمكن ترجيح أن هذه الأعداد المضافة تمت إضافتها رقمياً فقط إلى النتيجة النهائية، وليس لها أوراق اقتراع حقيقية".
في السياق ذاته، قال قاضٍ رابع "إن الأصوات التي أضافتها الهيئة الوطنية قد تصل إلى ملايين عدة من الأصوات المزيفة"، موضحاً أن "نتائج تصويت المصريين في الخارج، والتي لم تُعلنها الهيئة بصورة منفردة لن تحدث هذا الفارق الكبير بين أرقام التصويت في الداخل، وفقاً لمحاضر الفرز، والنتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية، خصوصاً أن أصوات المصريين في الخارج لن تتعدى 150 ألف صوت في الإجمال".
مليارا جنيه
إلى ذلك، كشف مصدر قضائي بارز في الهيئة الوطنية للانتخابات، أن تكلفة الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال الأيام الثلاثة كسرت حاجز الملياري جنيه، مضيفاً، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الأكبر من المصروفات ذهب إلى المكافآت الممنوحة لكافة القائمين على عملية الاستفتاء من قضاة وموظفين في جهاز الدولة، وقوات التأمين من القوات المسلحة والشرطة.
وأشار المصدر إلى أن تكلفة الاستفتاء شملت مصروفات أخرى، متمثلة في طباعة أوراق الاقتراع الخاصة بالاستفتاء في الداخل والخارج، وشراء الحبر الفسفوري، وكذلك تكلفة الإعلانات والدعاية المخصصة لحث الناخبين على المشاركة في التصويت، ووسائل الانتقال والمواصلات للقائمين على الاستفتاء، والتجهيزات المختلفة داخل المقار الانتخابية، وتجهيز السفارات والقنصليات المصرية في الخارج.
رشى انتخابية
في سياق متصل، قال مصدر مطلع في حزب "مستقبل وطن" المدعوم من الأجهزة الأمنية، إن الحزب وزع قرابة 10 ملايين "كرتونة" سلع غذائية على الناخبين، بغرض حملهم على المشاركة في الاستفتاء، لافتاً إلى أن تكلفة الكرتونة تبلغ 45 جنيهاً في المتوسط، أي أن التكلفة الإجمالية تصل إلى 450 مليون جنيه، تحمّلتها أجهزة في الدولة، ورجال أعمال، ونواب في البرلمان، وأصحاب متاجر كبرى، في مختلف المحافظات، وفق قوله.
وحسب مراقبين في منظمات مجتمع مدني محلية، فإن النتائج الرسمية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات لا تعكس ما رصدته المنظمات من ضعف في إقبال الناخبين على التصويت خلال أيام الاستفتاء الثلاثة، وما تلاها من منع وسائل الإعلام من متابعة أعمال الفرز في اللجان الفرعية، وأثناء عملية تجميع أرقام المصوتين في اللجان العامة بالمحافظات.
وتورطت الأجهزة الأمنية في اتباع طرق "فجة" لجمع المصريين من الشوارع، وعلى طرق السفر، ودفعهم إلى التصويت قسراً في لجان "الوافدين"، إلى جانب استخدام وسائل ترهيب متعددة لإجبار الموظفين والعاملين في الجهات الحكومية والخاصة على التصويت، وحشد الناخبين إلى اللجان الانتخابية، مقابل الحصول على مبلغ مالي أو "كرتونة" تحتوي على بعض السلع الغذائية.