كان واضحاً منذ البداية أن مهلة الأيام العشرة التي وضعتها دول الحصار كي تستجيب قطر لشروط الاستعمار الجديد الـ13 سوف تنقضي من دون حصول أي اختراق في جدار الأزمة التي افتعلتها أبوظبي والرياض في الرابع والعشرين من مايو/أيار الماضي، بعد اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، وفبركة خطاب، ونسبه لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ثم تلت ذلك موجة ثانية في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، تمثلت بقرار أبوظبي والرياض والمنامة والقاهرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، وفرض حصار بري وجوي على قطر، وصل إلى حد وقف تصدير حليب الأطفال إليها في شهر رمضان المبارك.
ويأتي رد الدوحة اليوم على المطالب الـ13، في وقت تعيش منطقة الخليج حالة من التوتر والترقب، ويطرح الناس سؤالاً لا غير: وماذا بعد؟
يريد الناس أن يعرفوا إلى أين سوف تذهب منطقة الخليج اعتباراً من اليوم الاثنين، الثالث من يوليو/تموز، وما هي الخطة اللاحقة التي في جعبة أبوظبي والرياض بعد أن فشلت الموجتان، الأولى والثانية، من الحملة في دفع قطر للاستجابة لشروط الوصاية والتنازل عن السيادة؟ وهل تستمران في التصعيد بعد رد قطر على المطالب الـ13، الذي نقله اليوم وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد؟
وبعد مضي قرابة 40 يوماً على الحملة يمكن رصد ثلاث حقائق واضحة جداً:
الأولى: صار من المؤكد لدى أطراف عربية ودولية أن أبوظبي والرياض ليستا في وارد السير على طريق حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، الأمر الذي لخّصه تصريح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قبل أسبوع، عندما قال: "المطالب الـ13 غير قابلة للتفاوض"، وذلك في الوقت الذي كان يلعلع عالياً صوت وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، معلناً فشل الوساطة بحجة تسريب قائمة الشروط إلى وسائل الإعلام، وقد اتهم قطر بذلك، رغم أن مصادر وكالة "رويترز" قالت إنها حصلت عليها من مصادر في دول الحصار.
الحقيقة الثانية: الحقيقة الثانية التي ترسخت لدى الأطراف العربية والدولية هي أن جذر الأزمة يكمن في خلافات بينية، ولا صلة له بالاتهامات المتعلقة بالإرهاب، وهذا ما عبرت عنه الناطقة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، صراحة، في التاسع عشر من الشهر الماضي.
الحقيقة الثالثة: تتمثل في أن أحد أهداف الحملة هو توجيه ضربة كبيرة إلى الاقتصاد القطري، تتجاوز فرض الحصار إلى التضييق عليه دولياً، وهذا ما كشف عنه السفير الإماراتي في موسكو، عمر غباش، في حديث إلى صحيفة "الغارديان" في نهاية يونيو/حزيران.
أن يجهر الجبير صراحة بـ"لا تفاوض"، ويتبعه القرقاش بإعلان فشل الوساطة الكويتية، يعني أن دول الحصار تطرح خيارين فقط، إما استسلام قطر أو استمرار الحملة. وقبل أن نصل إلى نهاية المهلة، تبرّع المسؤولون الإماراتيون برسم معالم الطريق للمرحلة المقبلة، تتمثل بحصار اقتصادي وإجراءات من طرف مجلس التعاون الخليجي.
قبل ذلك، لا بد من توضيح مسألة هامة، وهي أن الحملة والإجراءات ضد قطر لم تتوقف خلال مهلة الأيام العشرة التي أعطاها جنرالات الحصار لقطر، وكانت دوائرها تتسع وتكبر في كل يوم على كافة المستويات، وعلى امتداد العالم، وقد باتت الأهداف واضحة.
الحرب الاقتصادية هي الخطوة اللاحقة، وقد بدأت تحضيراتها بعد تراجع الحملة الدبلوماسية التي لم تحقق هدفها في ربط قطر بالإرهاب، إذ لم تنطل هذه الاتهامات على أحد رغم الجعجعة العالية، والحملة الإعلامية الواسعة النطاق، ذلك أن ملفات الإرهاب معروفة على المستوى الدولي، وحصة السعودية والإمارات منها كبيرة وباهظة، سواء على صعيد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول، أو الضلوع في تبييض الأموال في الإمارات وفق نظام اقتصادي يعود إلى عقدين.
ومن بين التهديدات التي أطلقها قرقاش تجميد العضوية في مجلس التعاون، ولكن ذلك مجرد تهويل لا أكثر، ذلك أن النظام الداخلي للمجلس ينص على أن تجميد العضوية يتم بالإجماع، وهو أمر غير وارد في ظل معارضة كويتية عمانية لتوجه الرياض وأبوظبي، الذي قد يذهب في تصعيده إلى حد تجميد المجلس، وربما نسفه كلياً.
طفت، في الأيام الماضية، على سطح نقاش خبراء أبوظبي والرياض مقولة أن قطر باتت أكبر من حجمها. والمقصود من ذلك المساحة والسكان. هذا المنطق إذا مددناه على استقامته، فإننا نصل إلى استنتاجين. الأول، أن وزن الدول يقاس بالمساحة وعدد السكان، وليس بالمعايير المعروفة دولياً. الثاني، أن من حق الدول ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية العالية أن تتجاوز الحدود السيادية للبلدان الصغيرة، وأن يبتلع القوي الضعيف، وهذا منطق في منتهى الخطورة، وأضراره تدفع المنطقة ثمنها إلى اليوم، حينما طبقه الرئيس العراقي السابق صدام حسين على الكويت عام 1990.