قطع العلاقات مع قطر.. جريمة التوقيت

12 يونيو 2017
+ الخط -
لا يخفي على المتابع للمشهد المتسارع في منطقة الخليج نوعية التوتر المتصاعد في البيت الخليجي الذي بدأ بطريقة تمهيدية عبر تبادل التسريبات والاختراقات والتصعيد إعلاميا بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، وذلك من دون مبرّر منطقي لإشعال فتيل ذلك الحدث الذي تجاوز حد التسريبات والجدال الإعلامي إلى قطع العلاقات مع قطر دبلوماسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ وذلك يمهد الطريق إلى تفكيك البيت الخليجي، من دون إدراك الأشقاء تلك المسألة في مغامرة خطيرة وغير موفقة، وأشبه ما تكون بمغامرة لحصار قطر وتضييق الخناق عليها، وهي خطواتٌ محفوفة بالمخاطر وستنعكس سلباً على البيت الخليجي بدرجة كبيرة .
خطوات متسارعة غير منطقية إلى حد ما؛ ومحفوفة بالمخاطر، ومهما كانت دوافع تلك الخطوات التي لا يمكن استيعابها، أيّا كان حجم الخلاف والتباين ونوعيته، إلا أنّها تأتي في توقيت ووضع غير مناسبين، وذلك في وقت تواجه دول الخليج عدّة أخطار ومشكلات تطوّرت إلى حرب مترامية الجبهات ومتعدّدة الاتجاهات، سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ضد التدخل الإيراني ونفوذه في بعض دول الوطن العربي، والمتمثل، على سبيل المثال، بمليشيا الحوثي وعلي عبدالله صالح الانقلابية في اليمن، ومساندة ودعم الأشقاء الحكومة اليمنية تحت راية عاصفة التحالف العربي التي جاءت محطة إنقاذ لليمن واليمنيين والدولة الشرعية في مرحلة فاصلة وحرجة، إذ كاد أن يذهب البلد في مهب الريح الإيرانية. وعلى الرغم من تأخر تلك العاصفة الخليجية العربية كثيراً، إلا أنّه كان لها دوراً في ردع إيران وبتر قدمها، وإعادة رسم المشهد اليمني.
مهما كان نوع الخلاف وحدّته، في بعض المواقف بالنسبة للسعودية والإمارات تجاه قطر، إلا إنّ اتخاذ خطوات تصعيدية بالغة الخطوة بهذا الشكل في وضع حرج وحساس تعيشه المنطقة والخليج بشكل أساسي، من دون الامتثال والرجوع إلى البيت الخليجي وأدبيات الحوار والنقاش والتعاطي داخليا؛ إنما يصب بدرجةٍ أساسيةٍ في مصلحة إيران، وفتح شهيتها بمزيد من التدخل والنفوذ، ويوّسع من دائرة الشتات، ويصعّد من التوتر وإيجاد جبهات صراع متعدّدة معروفة بتبعاتها الخطيرة وتأثيرها السلبي على البيت والمجتمع الخليجي، ويضعهم في موقف محرج وفاضح، بينما يواجهون مخاطر وصراع في جبهات عدّة من المنطقة بطرق مختلفة ضد النفوذ الإيراني.
ثمّة تباين، ولو أنّه غير منطقي في مسألة التصعيد من الرياض وأبو ظبي تجاه قطر، وذلك يعطي نتيجة مغايرة عن القالب الذي تمّ رسمه بطريقة متناقضة، بطبيعة الدوافع الذي تأتي من طابع عدم وجود رؤية واضحة ومرسومة إزاء تلك الخطوات المتسارعة، وهي تأتي بنظرية أقرب إلى ما تكون بالانحسار والنفوذ والهيمنة بطبيعة التصعيد الذي بدأ ينعكس سلبا على مستوى الشعوب الخليجية ووضعهم الاجتماعي .
ليس الوضع اليوم مجرّد تسريبات واختراقات متبادلة، على الرغم من أنّها كانت غير منطقية ومقبولة، بل تجاوز خط الشد والجذب، وذهب نحو مفترق طرق، وطرح أوراق متناقضة على المكشوف، وتسخينها إعلاميا بشكل يعرّض الخليج وشعوبها والمنطقة والأمن القومي لخطر لم يكن هناك دافع له من الأساس، إلا إنّ غياب الأولويات، وعدم وضوح الرؤية والأبعاد لمشهدٍ ساخن كهذا يجعل الوضع يأخذ منعطفاً خطيراً إزاء هذه الحملة والخطوات المتبعة التي ستكون كارثية ومحفوفة بالمخاطر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، سواء على مستوى دول الخليج ومجتمعاتها، أو مستوى العلاقات الإقليمية والدولية والأمن القومي .
أخيراً، لا بد للمسؤولية وللعقل والمنطق أن يحضرا، ويكون لهما القول الفصل في تهدئة الوضع وتذويب جليد هذا النوع من التوتر الذي يبدو، إذا لم يتم تجاوزه، أنّه سيلتهمنا جميعا بلا استثناء.
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
راكان عبد الباسط الجُبيحي
راكان عبد الباسط الجُبيحي: مدوّن من اليمن.
راكان عبد الباسط الجُبيحي