قُتل القائد..

11 نوفمبر 2017
+ الخط -
كم كنا نود في الوقت الذي تحيي فیه حركة فتح ذكرى رحيل یاسر عرفات، أن تحتفل فلسطين بانتهاء عمل لجنة التحقیق في اغتیال عرفات، لجھة الكشف عن القتلة. وكم كنا نود في وقت الذي فتح فیه تلفزیون فتح في رام الله موجة مفتوحة لإحیاء ذكرى عرفات، أن تفتح موجة للبحث والحدیث عن قتلته.
جميعنا مع الكشف عن قتلة یاسر عرفات، الزعیم والرمز الفلسطیني عشرات السنوات، مھما اختلفنا معه أو علیه، ولا أعتقد أن أي فصیل أو مواطن فلسطیني مع أن یتحول قرار تشكیل لجنة التحقیق إلى بعض مقاطع جافة من خریف القرارات السابقة، كما أننا ضد أن ینضم ھذا القرار ونتائجه إلى التیه في صحراء وعود السراب بالالتزام بالكشف عن قتلة عرفات.
إلا أنه، ولشدید الأسف، في ذكرى یاسر عرفات، واصل زعران المناكفات وفتوات الفضائیات تغییب الأمل بوحدتنا خلف مئات الاشتراطات التي نثروھا في مختلف المنابر الإعلامیة في مشھد ھولیودي، قبل الإذعان لمتطلبات المصالحة.
لم يقصر عرفات في ملء جیوبنا بالوعود بالعدالة والشفافیة، وأخرى بالإنصاف ورغد العیش والسلام، ھذه الوعود التي أشاحت بوجھھا عن میدان الفعل، حتى أصبحنا لا نشبه أنفسنا أمام شعوب العالم، إلا أن شعبنا، وبعد رحیل یاسر عرفات، كان یملأه الأمل بأن یتجاوز بعد الانتخابات التشریعیة الأخیرة أوجاع الحكومات السابقة بفسادھا وفئویتھا ورائحتھا التي أزكمت الأنوف، كما كان یأمل أن نتفوق على ضیق أفقنا، وعلى الإرتھان لرغبات الأباطرة الذین سلخوا جلود أشرافنا وسرقوا لقمة الشرف من أفواه أبنائنا، لا أن تمر الأحلام بحیاة كریمة، مثل باقي فقراء الأرض، لا أغنیائھم كالأطياف.
في ذكرى رحيل یاسر عرفات، كان شعبنا الفلسطيني یأمل من القادة والرموز الذین ورثوه أن لا یسمحوا بتمدد البلطجة والسرقة والزعرنة والثأریة العشائریة كالورم السرطاني إلى شوارعنا المھدمة والمستباحة. ولا نزال نأمل أن تتوقف كل التصریحات والممارسات التي تساھم في تعقید الأمور، لجھة منح الأمل فرصة للحیاة مرة أخرى.
ولكن، على الرغم من ذلك، یخطئ من یعتقد أن أنھار المناشیر أو سیول الخطابات أو بریق الكامیرات أو طبع القبل على وجوه الشیاطین الأميركیة والإسرائیلیة، أو حتى الأوروبیة، ستروي عطش شعبنا أو تسد جوعه، بعدما ضاقت بھا عشرات المصطلحات التبریریة التي لا تنتھي، والتي حولت سماءنا إلى مظلة خانقة لسجن كبیر.
مصطلحات من قبیل استقلالیة القرار، وحدة الصف، الابتعاد عن المحاور، إبعاد الفاسدین، إقالة المرتشین، الحكومة الواحدة والسلاح الواحد، إلى آخره مما تكرّر في خطاباتھم شبه الارتجالیة، التي تتناثر مثل قصص شھرزاد، ولم تضع حدا للیل الفتنة الطویل التي فرضت على شعبنا أن یتعوّد على التعامل مع مصیبة الانقسام كما یتعامل مع اللیل والنھار.
ھذه الفتنة التي قسمت شعبنا في الضفة وغزة إلى شطرین، تماما كما اللیل والنھار، إلا أنّ شعبنا لم ینفصل عن نفسه ولا عن بعضه، حتى ولو انفصل اللیل عن النھار، فیما المحنة ما زالت تختلف عنفا وتزداد اتساعا، وتفرض معادلة جدیدة على الأرض في سبیل تحقیق أماني الأعداء في إسقاط خیار شعبنا بالتوافق، فإننا لا نزال نرى بعضهم یزداد مراوغة خارج الحدود في انتظار ھبة أو هدية، ما يجعلنا نتساءل: ھل ما زال على الحرب المفتوحة أن تأخذ أبعادھا كاملة، وأن تغیّر تضاریس مخططاتهم الملتھبة أرض المواجھة، قبل أن یغیّروا رأیھم لصالح المصالحة؟ وھل ما زال على مشاھد دمائنا وأشلائنا وعارنا أن تتقدم نشرات أخبار الفضائیات، في وقت تتراجع فیه قوافل المعونات والإمدادات ومساعي رفع الحصار عن غزة، فیما ترزح الضفة تحت نعال الاحتلال، قبل أن نتقدم لتنفيذ الاتفاق مع أنفسنا؟
الآن، وبعد أن طوت أرضنا فراش مطرز بمئات الحواجز والبنادق المأجورة التائھة، وبعدما عاد بعض جنودنا بعار لا فكاك منه، وبعد أن خمدت نار الفتنة تاركةً وشما غیر الوجوه، ھل على شعبنا أن يواصل جني الحنظل الذي حصدناه، قبل أن یركن بعضهم إلى التصالح والوحدة؟
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)