09 نوفمبر 2024
كابوس الأكراد في سورية
كان النظام السوري ينتظر وقته منذ 17 مارس/آذار الماضي، تاريخ إعلان "الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا ـ شمال سورية"، لتصفية حساباتٍ قديمةٍ مع أكراد سورية، في أحدث إفرازات تلك العلاقة المتشابكة التي تراوحت بين التحالف معاً ضد "داعش" والمواجهات المباشرة في القامشلي والحسكة وحي الشيخ مقصود الحلبي وغيرها من المناطق.
هو قدر عبثي، أن يجد أكراد سورية أنفسهم، مثل أكراد الجوار في تركيا والعراق وإيران، في قالب محدّد وموجّه، من دون الاكتراث لمطالبهم وأحلامهم. المطلوب من الأكراد في تلك الدول أن يكونوا "جنوداً أشدّاء" لصالح حكوماتها المركزية، من دون المطالبة بكردستان التاريخية. ويُمكن لهذه الدول الإيحاء بدعمها الأكراد، طالما أحجم هؤلاء عن التفكير بدولةٍ مستقلة. عين العرب (كوباني) نموذجاً. اجتمع العالم كله، تقريباً، لدعم القوات الكردية التي قاتلت "داعش"، حتى تحرير المدينة السورية الحدودية مع تركيا. لكن هذا العالم يرفض، ولو بصمتٍ، تشكيل دولة كردية، كاسرة الحدود السورية والتركية والعراقية والإيرانية.
إزاء هذا الرفض، سعى الأكراد إلى الإسراع في تشكيل فيدرالية في سورية، على أن تكون مدخلاً للتواصل بين الأقاليم الكردية في مختلف دول الجوار، في سياق وضع أسس لتشكيل الدولة الكردية الموعودة. ومع أنها جوبهت بردّ سياسيٍّ عنيفٍ تركياً، ومن النظام في دمشق، ولم تلقَ دعماً غربياً، إلا أن أنقرة لم تتمكّن من فعل شيء خارج حدودها، واكتفت بمواجهة "العمال" الكردستاني، خشيةً من تواصل عابر للحدود مع أكراد سورية، بما يشابه الحالة التي شكّلها "داعش" الذي أزال، الحدود السورية ـ العراقية، في صيف 2014. كما أن النظام السوري كان في حاجةٍ للقوات الكردية في شمال حلب، خصوصاً في منبج وسدّ تشرين، وفي مدينة حلب أيضاً.
الآن، مالت الكفة لمصلحة التفاهم الروسي ـ الأميركي، واستطراداً الروسي ـ التركي ـ الإيراني، الذي لن يسمح لا لـ"داعش" ولا لـ"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، في تحقيق السيطرة على حلب. وبموجب ذلك، سيقوم الأميركيون والروس باللازم عسكرياً. أي أنه لو انسحبت جميع المليشيات، وحتى قوات النظام، من ساحات المعارك، فإن الأميركي والروسي سيتكفلان بتوجيه الضربات العسكرية، بصورةٍ مشابهةٍ لما فعل الروس بالذات، صيف العام الماضي، في إطار إنقاذهم قوات النظام من السقوط.
تجلّت النيات، أخيراً، في معركة منبج التي، وإن كانت "قوات سورية الديمقراطية" رأس حربة في مواجهاتها، إلا أن الاتفاق تمّ على أن يدير أهالي منبج المدينة، من دون وجود عسكري مسلّح للأكراد فيها. وهو ما اعتُبر ضوءاً أخضر لقوات النظام التي استغلّت "ظرفاً تاريخياً" بين الروس والأتراك، وشنّت هجومها الجوي على الحسكة. في حسابات النظام: نضرب الأكراد فيرتاح الأتراك، وبرعاية روسية ـ أميركية مشتركة، نبدأ العمل على صيغةٍ سياسية، لا تستثنينا من الحلّ، إن لم نكن الحلّ كلّه.
على أن المشكلة لا تقتصر فقط على الحسكة، وربما القامشلي لاحقاً، بل الوضع متعلق أيضاً بالرقة التي أعلن كل من "قوات سورية الديمقراطية" والنظام السوري وحلفاؤه، أنهما سيسعيان إليها، لطرد "داعش" منها. وإذا كان القتال في الحسكة محدّداً بين النظام السوري وقوات الدفاع الوطني التابعة له، من جهة، والقوات الكردية من جهة أخرى، فإن أي معركةٍ خارج الحسكة، وحتى القامشلي، ستشهد مشاركة أطراف عدة، بما فيها حلفاء النظام السوري. وفي السياسة الواقعية، غالباً ما تكون حرب العصابات الاستنزافية مطلوبةً، لإبعاد طرف ذي طموحات كبيرة، عن تلك الطموحات، والتفكير بأمورٍ أقل تبسيطاً، لكن أكثر واقعية كـ"تثبيت اتفاق هدنة" أو "تسليم الأسلحة الثقيلة" أو ما شابه.
بعيداً عن الحسكة بنحو 209 كيلومترات، تقع الموصل العراقية التي سيراقبها العالم، ويهلل لانتصار مرتقب للبشمركة الكردية، في وقتٍ تنتهي فيه أحلام الأكراد السياسية في سورية.
هو قدر عبثي، أن يجد أكراد سورية أنفسهم، مثل أكراد الجوار في تركيا والعراق وإيران، في قالب محدّد وموجّه، من دون الاكتراث لمطالبهم وأحلامهم. المطلوب من الأكراد في تلك الدول أن يكونوا "جنوداً أشدّاء" لصالح حكوماتها المركزية، من دون المطالبة بكردستان التاريخية. ويُمكن لهذه الدول الإيحاء بدعمها الأكراد، طالما أحجم هؤلاء عن التفكير بدولةٍ مستقلة. عين العرب (كوباني) نموذجاً. اجتمع العالم كله، تقريباً، لدعم القوات الكردية التي قاتلت "داعش"، حتى تحرير المدينة السورية الحدودية مع تركيا. لكن هذا العالم يرفض، ولو بصمتٍ، تشكيل دولة كردية، كاسرة الحدود السورية والتركية والعراقية والإيرانية.
إزاء هذا الرفض، سعى الأكراد إلى الإسراع في تشكيل فيدرالية في سورية، على أن تكون مدخلاً للتواصل بين الأقاليم الكردية في مختلف دول الجوار، في سياق وضع أسس لتشكيل الدولة الكردية الموعودة. ومع أنها جوبهت بردّ سياسيٍّ عنيفٍ تركياً، ومن النظام في دمشق، ولم تلقَ دعماً غربياً، إلا أن أنقرة لم تتمكّن من فعل شيء خارج حدودها، واكتفت بمواجهة "العمال" الكردستاني، خشيةً من تواصل عابر للحدود مع أكراد سورية، بما يشابه الحالة التي شكّلها "داعش" الذي أزال، الحدود السورية ـ العراقية، في صيف 2014. كما أن النظام السوري كان في حاجةٍ للقوات الكردية في شمال حلب، خصوصاً في منبج وسدّ تشرين، وفي مدينة حلب أيضاً.
الآن، مالت الكفة لمصلحة التفاهم الروسي ـ الأميركي، واستطراداً الروسي ـ التركي ـ الإيراني، الذي لن يسمح لا لـ"داعش" ولا لـ"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، في تحقيق السيطرة على حلب. وبموجب ذلك، سيقوم الأميركيون والروس باللازم عسكرياً. أي أنه لو انسحبت جميع المليشيات، وحتى قوات النظام، من ساحات المعارك، فإن الأميركي والروسي سيتكفلان بتوجيه الضربات العسكرية، بصورةٍ مشابهةٍ لما فعل الروس بالذات، صيف العام الماضي، في إطار إنقاذهم قوات النظام من السقوط.
تجلّت النيات، أخيراً، في معركة منبج التي، وإن كانت "قوات سورية الديمقراطية" رأس حربة في مواجهاتها، إلا أن الاتفاق تمّ على أن يدير أهالي منبج المدينة، من دون وجود عسكري مسلّح للأكراد فيها. وهو ما اعتُبر ضوءاً أخضر لقوات النظام التي استغلّت "ظرفاً تاريخياً" بين الروس والأتراك، وشنّت هجومها الجوي على الحسكة. في حسابات النظام: نضرب الأكراد فيرتاح الأتراك، وبرعاية روسية ـ أميركية مشتركة، نبدأ العمل على صيغةٍ سياسية، لا تستثنينا من الحلّ، إن لم نكن الحلّ كلّه.
على أن المشكلة لا تقتصر فقط على الحسكة، وربما القامشلي لاحقاً، بل الوضع متعلق أيضاً بالرقة التي أعلن كل من "قوات سورية الديمقراطية" والنظام السوري وحلفاؤه، أنهما سيسعيان إليها، لطرد "داعش" منها. وإذا كان القتال في الحسكة محدّداً بين النظام السوري وقوات الدفاع الوطني التابعة له، من جهة، والقوات الكردية من جهة أخرى، فإن أي معركةٍ خارج الحسكة، وحتى القامشلي، ستشهد مشاركة أطراف عدة، بما فيها حلفاء النظام السوري. وفي السياسة الواقعية، غالباً ما تكون حرب العصابات الاستنزافية مطلوبةً، لإبعاد طرف ذي طموحات كبيرة، عن تلك الطموحات، والتفكير بأمورٍ أقل تبسيطاً، لكن أكثر واقعية كـ"تثبيت اتفاق هدنة" أو "تسليم الأسلحة الثقيلة" أو ما شابه.
بعيداً عن الحسكة بنحو 209 كيلومترات، تقع الموصل العراقية التي سيراقبها العالم، ويهلل لانتصار مرتقب للبشمركة الكردية، في وقتٍ تنتهي فيه أحلام الأكراد السياسية في سورية.