01 نوفمبر 2024
كابوس ترامب
ها قد وقعت المفاجأة، وتحوّل المحذور إلى حقيقة، وأصبح المستبعد واقعاً، فدونالد ترامب هو الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأميركية اليوم. كثيرون في أميركا وحول العالم رأوا في سيناريو مفترض لفوز ترامب كابوساً رهيباً، ولذلك منّوا أنفسهم بأن هذا الكابوس لن يتحقّق، وراهنوا على استطلاعات الرأي التي كان غالبها يؤكد فوزاً معتبراً لهيلاري كلينتون على "المهرّج" ترامب الذي لا يمكن أبداً أن يصبح رئيساً للقوة الأعظم على وجه البسيطة. ولكن صدمة اليوم أفاقت الجميع من أوهام أحلام اليقظة، وهم قريباً، سيتعاملون، راغبين أم كارهين، معه.
الآن، وبعيداً عن أسباب فوز ترامب غير المتوقع، وهزيمة كلينتون المفاجئة، كما كانت استطلاعات الرأي تُصِرُّ علينا، فإن السؤال الذي يشغل بال الجميع، أميركياً وعالمياً، يتمحور حول ما الذي ستكون عليه أميركا ترامب؟ إنه السؤال الصعب الذي لا يملك أحد إجابةً حاسمةً له، والسبب أنه لا يوجد للرجل تاريخ سياسي طويل وواضح، يمكن البناء عليه، أو الاستشراف على أساسه.
إذا استرسلنا فيما يعتبره بعضهم "سيناريو الكابوس" الذي تحوّل إلى حقيقة، فإن أميركا تحت ترامب ستكون بلداً منقسماً، ليس بين جمهوريين وديمقراطيين فحسب، بل وكذلك بين الجمهوريين أنفسهم، وتحديداً بين المؤسسة الجمهورية التقليدية والتيار الشعبوي الذي حمل ترامب مرشحاً عن الحزب ثم رئيساً. أيضا، ستكون أميركا ترامب جمهورية خوفٍ بالنسبة للأقليات العرقية والدينية، وكذلك للمرأة، فترامب لم يوفر أحداً من إساءاته وبذاءاته، وهو لم يتردّد في إعطاء صوت ومنبر للعنصريين البيض الغاضبين. دع عنك أن ثمّة من يخشى أن يحاول ترامب أن يحكم كديكتاتور، وأن يسعى إلى توظيف أجهزة الدولة التنفيذية للانتقام من خصومه السياسيين، وهو كان خلال الحملات الانتخابية هدّد بمحاكمة منافسته، هيلاري كلينتون، وسجنها إن وصل إلى الرئاسة، في سابقةٍ في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يضع بعض حلفاء أميركا أيديهم على قلوبهم فَرَقاً من أميركا
ترامب. فإذا كان جورج بوش الابن ورّطهم في حروب غير ضرورية، كما في العراق، وباراك أوباما استفزّهم بتردّده وحذره المفرط، فإنهم يخشون أن ترامب قد يعيد صياغة أسس التحالف معهم ومداه. فترامب المرشح هدّد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو فرض "إتاوات" على الحلفاء في مقابل الحماية الأميركية. كما أنه غازل مراراً روسيا وزعيمها، فلاديمير بوتين، ملمحاً إلى إمكانية تجاوز هواجس بعض حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين من التوسع الروسي العدواني في فضائهم، والقبول بالرؤية الروسية في سورية. وهو لم يتردّد في إبداء إعجابه بالزعماء الديكتاتوريين، مثل بوتين وعبد الفتاح السيسي وبشار الأسد، على أساس أنهم نقيض الفوضى والفراغ والجماعات الإرهابية، كما يرى.
باختصار، فإنه، واستنادا إلى مقاربة أنصار "سيناريو الكابوس" في رئاسة ترامب، فإن أميركا والعالم سيعجّان بالفوضى والمعارك السياسية، وربما العسكرية، وسنشهد تبدلاً في خرائط التحالفات، أو تعديلاً عليها. ولا يلقي هؤلاء الكلام على عواهنه، بل يؤسسونه على تصريحات ترامب المتواترة في أثناء ترشحه للانتخابات، عاماً ونصف العام تقريبا.
في المقابل، ثمّة من يجادل، من أنصار ترامب، أن ترامب الرئيس سيكون غير ترامب المرشح، فهو كان مضطرا إلى الخطاب الشعبوي في الحملة الانتخابية، لتعبئة أنصاره ضد المؤسسة الحزبية الجمهورية التقليدية. أما وأنه قد أصبح رئيسا اليوم، فإنه يدرك، كما يقولون، أن مسؤولية الحكم تختلف عن دور المرشح المتمرّد، ويسوقون، مثالاً على ذلك، خطابه بعد إعلان فوزه في الانتخابات، والذي كان هادئاً وتصالحياً، دعا فيه إلى تضميد الجراحات بين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين، وطمأن فيه الأقليات الدينية والعرقية. وعلى المستوى الخارجي، تضمن خطابه بادرة حسن نية لـ"المجتمع الدولي"، بأنه، وإن كان سيضع مصالح أميركا أولاً، إلا أنه سيتعامل بعدالةٍ مع الجميع، وبأنه سيسعى إلى "أرضية مشتركة، لا للعداء، وللشراكة، لا للصراع".
المشكلة هنا أن من يحاولون طمأنة الجميع نحو أميركا ترامب لا يجدون دلائل كثيرة لتعضيد
مزاعمهم تلك، فما أبانت عنه طبيعة ترامب وعفويته، من دون شاشةٍ يقرأ منها نصاً مكتوباً، خلال ترشحه، مغاير تماما لما يقولونه. فمن رأيناه كان شخصاً نزقاً، لئيماً، مفتقداً للحساسية نحو خصومه السياسيين، ونحو الأقليات الدينية والعرقية والنساء وذوي الإعاقة الجسدية، فضلا عن إشاراتٍ كثيرة صدرت عنه أنه لا يؤمن بالمؤسسات الديمقراطية، ولا بصناديق الاقتراع، وبأنه يفضل نماذج الطغيان في الحكم. ذلك هو دونالد ترامب الذي عرفناه في الحملة الانتخابية، ولا يوجد سبب واحد مقنع للاعتقاد بغير ذلك، اللهم إلا المراهنة على مفاجأة أخرى كمفاجأة فوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو أمر وارد، وإن كان مستبعداً. ولكن المستبعد في عالم ترامب، كما تعلمنا من تجربة ترشحه، لا يعني أنه مستحيل.
على أي حال، يبقى الخوف قائماً من أن رئاسة ترامب ستكون على شكل كوارث داخلية وخارجية كثيرة. هذا هو ما لدينا من معطياتٍ إلى اليوم، يمكن القياس عليها، وحتى يثبت ترامب، كما يزعم أنصاره، أننا مخطئون، ستبقى أيدينا على قلوبنا. تبقى كلمة أخيرة هنا، وهي متعلقة بقضايانا نحن العرب والمسلمين، فالرهان على سياساتٍ أكثر عدلاً وإنصافاً تحت ترامب هو من باب الأوهام التي لا ينبغي أن نراهن على مفاجآت فيها.
الآن، وبعيداً عن أسباب فوز ترامب غير المتوقع، وهزيمة كلينتون المفاجئة، كما كانت استطلاعات الرأي تُصِرُّ علينا، فإن السؤال الذي يشغل بال الجميع، أميركياً وعالمياً، يتمحور حول ما الذي ستكون عليه أميركا ترامب؟ إنه السؤال الصعب الذي لا يملك أحد إجابةً حاسمةً له، والسبب أنه لا يوجد للرجل تاريخ سياسي طويل وواضح، يمكن البناء عليه، أو الاستشراف على أساسه.
إذا استرسلنا فيما يعتبره بعضهم "سيناريو الكابوس" الذي تحوّل إلى حقيقة، فإن أميركا تحت ترامب ستكون بلداً منقسماً، ليس بين جمهوريين وديمقراطيين فحسب، بل وكذلك بين الجمهوريين أنفسهم، وتحديداً بين المؤسسة الجمهورية التقليدية والتيار الشعبوي الذي حمل ترامب مرشحاً عن الحزب ثم رئيساً. أيضا، ستكون أميركا ترامب جمهورية خوفٍ بالنسبة للأقليات العرقية والدينية، وكذلك للمرأة، فترامب لم يوفر أحداً من إساءاته وبذاءاته، وهو لم يتردّد في إعطاء صوت ومنبر للعنصريين البيض الغاضبين. دع عنك أن ثمّة من يخشى أن يحاول ترامب أن يحكم كديكتاتور، وأن يسعى إلى توظيف أجهزة الدولة التنفيذية للانتقام من خصومه السياسيين، وهو كان خلال الحملات الانتخابية هدّد بمحاكمة منافسته، هيلاري كلينتون، وسجنها إن وصل إلى الرئاسة، في سابقةٍ في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يضع بعض حلفاء أميركا أيديهم على قلوبهم فَرَقاً من أميركا
باختصار، فإنه، واستنادا إلى مقاربة أنصار "سيناريو الكابوس" في رئاسة ترامب، فإن أميركا والعالم سيعجّان بالفوضى والمعارك السياسية، وربما العسكرية، وسنشهد تبدلاً في خرائط التحالفات، أو تعديلاً عليها. ولا يلقي هؤلاء الكلام على عواهنه، بل يؤسسونه على تصريحات ترامب المتواترة في أثناء ترشحه للانتخابات، عاماً ونصف العام تقريبا.
في المقابل، ثمّة من يجادل، من أنصار ترامب، أن ترامب الرئيس سيكون غير ترامب المرشح، فهو كان مضطرا إلى الخطاب الشعبوي في الحملة الانتخابية، لتعبئة أنصاره ضد المؤسسة الحزبية الجمهورية التقليدية. أما وأنه قد أصبح رئيسا اليوم، فإنه يدرك، كما يقولون، أن مسؤولية الحكم تختلف عن دور المرشح المتمرّد، ويسوقون، مثالاً على ذلك، خطابه بعد إعلان فوزه في الانتخابات، والذي كان هادئاً وتصالحياً، دعا فيه إلى تضميد الجراحات بين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين، وطمأن فيه الأقليات الدينية والعرقية. وعلى المستوى الخارجي، تضمن خطابه بادرة حسن نية لـ"المجتمع الدولي"، بأنه، وإن كان سيضع مصالح أميركا أولاً، إلا أنه سيتعامل بعدالةٍ مع الجميع، وبأنه سيسعى إلى "أرضية مشتركة، لا للعداء، وللشراكة، لا للصراع".
المشكلة هنا أن من يحاولون طمأنة الجميع نحو أميركا ترامب لا يجدون دلائل كثيرة لتعضيد
على أي حال، يبقى الخوف قائماً من أن رئاسة ترامب ستكون على شكل كوارث داخلية وخارجية كثيرة. هذا هو ما لدينا من معطياتٍ إلى اليوم، يمكن القياس عليها، وحتى يثبت ترامب، كما يزعم أنصاره، أننا مخطئون، ستبقى أيدينا على قلوبنا. تبقى كلمة أخيرة هنا، وهي متعلقة بقضايانا نحن العرب والمسلمين، فالرهان على سياساتٍ أكثر عدلاً وإنصافاً تحت ترامب هو من باب الأوهام التي لا ينبغي أن نراهن على مفاجآت فيها.