ظروف كثيرة قد تجبر الإنسان على مغادرة وطنه. لكنّ الغربة أو اللجوء لا يمحوان الوطن من الذاكرة. عيون الذين دفعتهم ظروفهم إلى اللجوء، واختبار معنى الترحال بكل مآسيه، تبدو هزيلة. العيون نفسها كان يملؤها الأمل في وطنها. إلا أن كثيرين اضطروا إلى مغادرة أوطانهم والبحث عن مكان آمن، بعدما جاء من سرق منهم أرضهم.
كاملة هشام عرابي إحدى النساء اللواتي فتحت عينيها في بلدة عرابة في فلسطين، جنوب غرب مدينة جنين. لكنها ما لبثت أن فقدت نور عينيها في لبنان من جرّاء اللجوء. عاشت قرابة سنتين في قريتها في فلسطين، التي تتمنّى أن تعود إليها مبصرة من جديد، لتتمتّع بنور الشمس، وتنعم بالحرية.
اقــرأ أيضاً
تقول كاملة التي تعيش اليوم في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان): "ولدت في فلسطين، وتحديداً في عرّابة في عام 1946. لا أذكر شيئاً إذ كنت صغيرة. لكنني أذكر كلام أمي، حين قصّت علينا خبر تهجيرنا من فلسطين. في ذلك الوقت، كنا نعيش في بلدنا كما يعيش الناس جميعهم في بلدانهم وبيوتهم. وخلال اعتداء العصابات الصهيونية على قرانا ومدننا خاف الناس. كان لدي خمسة أشقاء، مات أحمد في لبنان بعدما أُطلقت النار عليه. شقيقي الثاني محمد كان يعمل في مستشفى الهمشري القريب من بلدة المية ومية شرق مدينة صيدا (جنوب لبنان). في أحد الأيام، كان نائماً وأردنا أن نوقظه، إلا أنه كان قد توفي. أما شقيقي الثالث الذي كان يعمل في اللجنة الأمنية، فقد مات من جراء إصابته بمرضٍ. والرابع مات فجأة، وبقيت وحدي".
تتابع: "أخبرتني أمي أنه حين تركنا فلسطين هرباً من بطش الصهاينة، توجهنا إلى جنوب لبنان، وتحديداً إلى بلدة عدلون. منها انتقلنا إلى مخيم تل الزعتر في بيروت، لكننا لم نستطع العيش هناك. عدنا إلى بلدة عدلون، ومنها انتقلنا إلى مخيم عين الحلوة حيث أعيش اليوم وحيدة في حي المنشية. لم أتزوج ومات جميع أشقائي".
تضيف: "في فلسطين، كنا نملك منزلاً، وكانت أوضاعنا المادية جيدة. كذلك، كنا نملك أرضاً يعمل فيها والدي الذي كان مزارعاً. لكن الصهاينة، بعد خروجنا من فلسطين، وضعوا أيديهم على بيتنا وأرضنا".
كاملة التي تعيش وحيدة، والتي تجاوزت السبعين من عمرها، ليس لديها معيل يعاونها على مشقات هذه الحياة. هي امرأة مريضة وتحتاج إلى علاج دائم، إضافة إلى إجراء عمليّة جراحية لعينها وتبلغ كلفتها ألف دولار أميركي لكن ليس باستطاعتها تحمل تكاليفها، لأنّ أحداً لا يقدّم لها المساعدة. تقول كاملة: "كنت أستحصل على دواء شهري من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لكنها أوقفته، لأنني لم أقم بالفحوصات اللازمة بسبب أوضاعي المادية، ولم يتبق في علبة الدواء غير بضع حبات".
وتعود لتتكلّم على ما حل بها وعائلتها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. تقول: "كان لدينا أرض في منطقة درب السيم المحاذية لمخيم عين الحلوة، مساحتها 250 دونماً. كانت أمي قد باعت بعض مصاغها لتشتريها. وإبان القصف الإسرائيلي على مخيم عين الحلوة، كانت قد تركت بقية مصاغها في البيت. أردت الذهاب إلى البيت لأحضرها، لكن أخي منعني من الذهاب إلى المخيم خوفاً عليّ من أن أصاب بمكروه. وبالفعل، قصف بيتنا وخسرنا كل ما نملك من بيت وأثاث ومصاغ. كما خسرنا الأرض التي كنا قد اشتريناها سابقاً بسبب الحاجة المادية. بالتالي، خسرت كل شيء. الحمدالله الذي أنعم علي بالبيت الذي ما زلت أعيش فيه حتى اليوم".
وعن فلسطين التي أبصرت النور فيها، تقول: "لا أظنّ أنّني سأغلق عيني فيها، أو أوارى الثرى فيها. صار الأمل بالعودة ضئيلاً. بعد سبعين عاماً من اللجوء، لم يتغير شيء، بل إن الصهاينة يزدادون غطرسة يوماً بعد يوم، ويزيد إستيطانهم في أرضنا يوماً بعد يوم. لم يبق لنا سوى أن يأتي جيل جديد مؤمن بالتحرير. بالطبع لن يكون في زماني على ما أعتقد".
اقــرأ أيضاً
على الرغم من أنّها عاشت معظم حياتها بعيداً عن وطنها، إلا أنها ما زالت تشعر بالغربة في لبنان، والحنين إلى بلدتها وفلسطين. كما أنّ حياة اللجوء والمآسي الناجمة عنها لم تساعدها على التأقلم. لذلك، سيبقى حلم العودة في داخلها حتى آخر يوم في حياتها، وإن كانت مدركة لصعوبة تحقّق ذلك.
كاملة هشام عرابي إحدى النساء اللواتي فتحت عينيها في بلدة عرابة في فلسطين، جنوب غرب مدينة جنين. لكنها ما لبثت أن فقدت نور عينيها في لبنان من جرّاء اللجوء. عاشت قرابة سنتين في قريتها في فلسطين، التي تتمنّى أن تعود إليها مبصرة من جديد، لتتمتّع بنور الشمس، وتنعم بالحرية.
تقول كاملة التي تعيش اليوم في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان): "ولدت في فلسطين، وتحديداً في عرّابة في عام 1946. لا أذكر شيئاً إذ كنت صغيرة. لكنني أذكر كلام أمي، حين قصّت علينا خبر تهجيرنا من فلسطين. في ذلك الوقت، كنا نعيش في بلدنا كما يعيش الناس جميعهم في بلدانهم وبيوتهم. وخلال اعتداء العصابات الصهيونية على قرانا ومدننا خاف الناس. كان لدي خمسة أشقاء، مات أحمد في لبنان بعدما أُطلقت النار عليه. شقيقي الثاني محمد كان يعمل في مستشفى الهمشري القريب من بلدة المية ومية شرق مدينة صيدا (جنوب لبنان). في أحد الأيام، كان نائماً وأردنا أن نوقظه، إلا أنه كان قد توفي. أما شقيقي الثالث الذي كان يعمل في اللجنة الأمنية، فقد مات من جراء إصابته بمرضٍ. والرابع مات فجأة، وبقيت وحدي".
تتابع: "أخبرتني أمي أنه حين تركنا فلسطين هرباً من بطش الصهاينة، توجهنا إلى جنوب لبنان، وتحديداً إلى بلدة عدلون. منها انتقلنا إلى مخيم تل الزعتر في بيروت، لكننا لم نستطع العيش هناك. عدنا إلى بلدة عدلون، ومنها انتقلنا إلى مخيم عين الحلوة حيث أعيش اليوم وحيدة في حي المنشية. لم أتزوج ومات جميع أشقائي".
تضيف: "في فلسطين، كنا نملك منزلاً، وكانت أوضاعنا المادية جيدة. كذلك، كنا نملك أرضاً يعمل فيها والدي الذي كان مزارعاً. لكن الصهاينة، بعد خروجنا من فلسطين، وضعوا أيديهم على بيتنا وأرضنا".
كاملة التي تعيش وحيدة، والتي تجاوزت السبعين من عمرها، ليس لديها معيل يعاونها على مشقات هذه الحياة. هي امرأة مريضة وتحتاج إلى علاج دائم، إضافة إلى إجراء عمليّة جراحية لعينها وتبلغ كلفتها ألف دولار أميركي لكن ليس باستطاعتها تحمل تكاليفها، لأنّ أحداً لا يقدّم لها المساعدة. تقول كاملة: "كنت أستحصل على دواء شهري من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لكنها أوقفته، لأنني لم أقم بالفحوصات اللازمة بسبب أوضاعي المادية، ولم يتبق في علبة الدواء غير بضع حبات".
وتعود لتتكلّم على ما حل بها وعائلتها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. تقول: "كان لدينا أرض في منطقة درب السيم المحاذية لمخيم عين الحلوة، مساحتها 250 دونماً. كانت أمي قد باعت بعض مصاغها لتشتريها. وإبان القصف الإسرائيلي على مخيم عين الحلوة، كانت قد تركت بقية مصاغها في البيت. أردت الذهاب إلى البيت لأحضرها، لكن أخي منعني من الذهاب إلى المخيم خوفاً عليّ من أن أصاب بمكروه. وبالفعل، قصف بيتنا وخسرنا كل ما نملك من بيت وأثاث ومصاغ. كما خسرنا الأرض التي كنا قد اشتريناها سابقاً بسبب الحاجة المادية. بالتالي، خسرت كل شيء. الحمدالله الذي أنعم علي بالبيت الذي ما زلت أعيش فيه حتى اليوم".
وعن فلسطين التي أبصرت النور فيها، تقول: "لا أظنّ أنّني سأغلق عيني فيها، أو أوارى الثرى فيها. صار الأمل بالعودة ضئيلاً. بعد سبعين عاماً من اللجوء، لم يتغير شيء، بل إن الصهاينة يزدادون غطرسة يوماً بعد يوم، ويزيد إستيطانهم في أرضنا يوماً بعد يوم. لم يبق لنا سوى أن يأتي جيل جديد مؤمن بالتحرير. بالطبع لن يكون في زماني على ما أعتقد".
على الرغم من أنّها عاشت معظم حياتها بعيداً عن وطنها، إلا أنها ما زالت تشعر بالغربة في لبنان، والحنين إلى بلدتها وفلسطين. كما أنّ حياة اللجوء والمآسي الناجمة عنها لم تساعدها على التأقلم. لذلك، سيبقى حلم العودة في داخلها حتى آخر يوم في حياتها، وإن كانت مدركة لصعوبة تحقّق ذلك.