تضع كرة القدم عشاقها دوماً في متعة مستمرة، رغم الأسباب العديدة التي تفرق بين الناس بشكل عام، لكن تأتي اللعبة لتجمعنا في ملعب واحد، ليس بالضرورة على نفس الخط لكن الاتجاهات ستلتقي في النهاية.
يشدو الأنصار في "الكورفا نورد"، أو كما تُعرف في مصر بـ"التالتة شمال"، حيث يشدو جمهور الزعيم الأفريقي، بالمقطوعة الأكثر شهرة على الإطلاق، "جمهوره ده حماه، عالحلوة والمرة معاه".. ويرد عليهم فرسان "التالتة يمين" بصوت موحد،"آه يا تيشرت العمر يا أبيض"، لتكون هناك مباراة في الملعب بين الأهلي والزمالك، وأخرى في المدرجات في موقعة السوبر.
العيد الكبير
هكذا جنون اللعبة في مصر، مباريات الديربي تعتبر بمثابة العيد الكبير لمشجعي اللعبة، حيث يتفنن كل جمهور في اختراع أشياء غريبة وعجيبة في آن، قبل وأثناء وبعد القمة، يذهب المشجعون الى الملاعب في مجموعات، يتحملون عناء ومشقة الدخول إلى الملعب في ظل "زحام كارثي وتفتيش مبالغ فيه"، لا أحد يشكو والجميع يبتسم، والسبب واحد لا يختلف عليه اثنان، حب النادي والانتماء الذي لا يقدر بثمن.
ويدرك كل من حضر مباريات الديربي والقمة الكروية المصرية بين الأهلي والزمالك، أنها تعد اللقاء الأشهر في تاريخ الكرة الأفريقية والعربية، ويُقال إن هناك أكثر من أربعين مليون "أهلاوي" في مصر، بينما يرد "الزملكاوية" بمقولتهم الخالدة "إذا كان جمهور الأهلي بالملايين في مصر، فنحن لنا عشاق في كل مكان بالعالم"، وما بين الجنون والفنون، يخرج البطل المصري مدعوماً بجماهير تضع مصلحة فريقها قبل أهوائها الشخصية.
بداية جديدة
يدخل الزمالك المباراة بروح جديدة وبجهاز فني مغاير، يعرف حسام حسن أن الفوز بأي مباراة له قيمة خاصة، ولكن الانتصار على الأهلي يعني له ولفريقه الكثير، فلم ينس "العميد" أبداً طريقة خروجه من القلعة الحمراء، وتحديه لمجلس الإدارة والجهاز المعاون، وشعوره أن النجم من حقه فعل أي شيء، طالما يعيش على حب الناس، لكن طُرد التوأم من جنة الجزيرة، ووجد الثنائي نفسهما خارج الأهلي، ليذهبا إلى الغريم والمنافس الزمالك، في محاولة لرد الصاع صاعين.
نجح حسام مع مدرسة الفن والهندسة في فترات، وفشل في أوقات أخرى، وحانت الفرصة له من جديد لتحدي الفريق الذي تخلى عنه من قبل، لذلك ستكون قمة السوبر مناسبة جديدة لتحدي آخر مشتعل بين المدير الفني الحالي للزمالك، والنادي الأهلي إدارة وفريقاً وجمهوراً، في مباراة من الممكن أن نطلق عليها، أنها خارج كل التوقعات.
يلعب المدير الفني السابق لمنتخب الأردن، بطريقة لعب تعتبر مزيج بين 4-4-2 و4-2-3-1، بوجود رباعي دفاعي صريح، بحيث قد يتواجد محمد عبد الشافي وعلي جبر ودويدار وعمر جابر، مع رباعي الوسط المكون من معروف يوسف وإبراهيم صلاح ومحمد كوفي وعيد عبد الملك، إضافة إلى أيمن حفني وعبد الله سيسيه في الأمام.
ويتمتع فريق الزمالك بوفرة كبيرة في اللاعبين، لذلك ستكون مهمة حسام حسن، سهلة عبر اللعب بأكثر من طريقة، بحيث يقوم بتوظيف لاعبيه حسب إمكانيات الخصم وظروف المجريات، لذلك من الممكن أن يعود حفني للوراء قليلاً ويصبح صانع ألعاب صريح، أو يتحول للجناح أمام عيد، ويصبح الوسط مكّون من ثلاثة لاعبين بالمنتصف، وتتحول الخطة إلى 4-3-3 صريحة.
شباب أهلاوي
ويعرف المدرب جاريدو كيف يتعامل مع اللاعبين الشبان في الأهلي، فهو يلعب كرة قدم هجومية، وينظر دوماً إلى الأمام ويريد الفوز، ونعتقد بأنها صفات تناسب المرحلة الجديدة في النادي الأهلي، حيث الأسماء الصغيرة وعدم وجود نجوم كبار، وحلم الجماهير بلعب كرة ممتعة، خصوصاً مع العروض السيئة لجميع الفرق المصرية خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي سيحاول فرض أفكاره الكروية على لاعبيه، لتكون البداية الحقيقية خلال مباراة السوبر أمام الزمالك.
يعشق خوان طريقة لعب 4-4-2، لكنه أيضاً يلعب بـ 4-2-3-1 و4-3-3، لأنه يقتنع بمقولة واحدة، ليس الهدف من الخطط تحريك الكرة بل تحريك الخصوم، وبالتالي سيحاول الرجل في البداية، غرس قيمة التمركز والتحرك بدون كرة داخل الفريق وتكوين قاعدة كروية حقيقية، يستفيد منها الجميع داخل النادي.
وأمام الزمالك، من الممكن أن يضع جاريدو ثلاثياً صريحاً في المنتصف، مع اللعب بثنائي صُنّاع اللعب خلف المهاجم الصريح، والتحول إلى خطة "شجرة عيد الميلاد" 4-3-2-1، بوجود رباعي دفاعي في الخلف، صبري رحيل ونجيب وسعد سمير وباسم عالي، مع عاشور وحسام غالي وتريزيجيه في المنتصف، ومن أمامهم وليد سليمان ومحمد فاروق ومهاجم وحيد في المقدمة، لا شك أنه سيكون الصاعد عمرو جمال.
وسيهاجم الزمالك وسيحاول قتل المباراة من البداية، وإذا نجح فريق جاريدو في المرور بالفترة الأولى دون خسائر، سيُتعب منافسه كثيراً، خصوصاً إذا سيطر على منطقة الوسط وزاد من استحواذه على الكرة، وفي كل الأحوال، لن يكون الأهلي الجديد خصماً سهلاً يستهان به.
هنا القاهرة
يتحدث الكاتب الإنجليزي جيمس مونتاجي، عن رحلته القديمة إلى القاهرة، ومعايشته أجواء الديربي عن قرب، وحضوره إحدى المباريات بين الأهلي والزمالك سنة 2008، حيث يؤكد جيمس أنه سمع كثيراً عن قوة الديربي المصري والضغط المحيط به والأجواء الغريبة التي تؤثر عليه، لدرجة تصنيفه كواحد من ضمن أقوى الديربيات في تاريخ كرة القدم، واحتلاله المركز الأول بين كل المباريات العربية والإفريقية، ووضعه تحت بند "قمم كروية يجب أن تحضرها في الملعب".
ويؤكد العاشق الإنجليزي، أن القاهرة مدينة تنقسم إلى نصفين، نصف أهلاوي وآخر زملكاوي، لكنه يعترف أن اللون الأحمر طاغٍ بعض الشيء داخل شوارع العاصمة، خصوصاً في الأحياء الشعبية والمناطق المزدحمة بالسكان، حيث أن الأهلي تاريخياً هو نادي الوطنية، والفريق الأقرب إلى الطبقة الكادحة وأبناء الشعب العادي، أما الزمالك فيُعرف وسط جماهيره بالنادي الملكي، نسبة إلى بداياته القديمة وتسميته باسم الملك "فاروق" وقربه من الطبقات الأعلى دخلاً، وارتباطه بالفنانين ونجوم المجتمع.
ويذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن القاهرة مدينة لا يتم سؤالك فيها عن نظرتك الاقتصادية أو ميولك الأخرى أثناء جلسات الأصدقاء، بل هناك سؤال واحد لا يتغير أبداً، أنت أهلاوي أم زملكاوي.
بلا جمهور
يختلف الحال الآن عما كان عليه في عام 2008، وستكون القمة المقبلة بدون جمهور، بسبب الأحداث الجارية في البلاد، لكنها لن تتخلى عن رونقها وتعصبها واشتعالها، لذلك علينا الانتظار حتى صافرة الحكم، ومحاولة أن نأمل بمباراة قوية فنياً، تعوضنا عن غياب روح اللعبة وعنصرها الأول، جماهير الساحرة المستديرة.