01 أكتوبر 2018
كل هذه الأزمات في العراق
يستمر العراق في إحصاء أزماته منذ 2003، ما إن تنتهي واحدة حتى تزاحمها أخرى. منذ سقوط بغداد (2003) بيد الأميركان والعراق يرزخ تحت نير منظومة طائفية، حولته من دولة محورية في معادلات التوازن في المنطقة إلى ساحة للمشاريع الدولية والإقليمية، وحديقة خلفية للنفوذ الإيراني السياسي والعسكري والديني، الذي ما فتئ يتعاظم حتى أصبح الثابت الوحيد في المشهد العراقي، وجعل من طهران مقرا لقيادة مراكز القوى في بغداد، بالتوازي والتقاطع أحياناً مع خيوط واشنطن، عرابة الوضع الجديد في عراق ما بعد صدام حسين. وهو وضع أثبتت السنوات أنه لا يتناسب ألبتة مع خصائص المشكلة العراقية، فأدى إلى مفاقمة الجروح، بدل معالجتها، فإن كان الحل قبل 2003 مقتصرا على إنهاء الاستبداد مع الحفاظ على الدولة، وعدم المساس بكيانها الاجتماعي، فإنه اليوم لم يعد مجديا الحديث عن ثنائية الاستبداد والديمقراطية، ومدخلات السياسة بغياب منطق الدولة، وتزعزع القاعدة الاجتماعية، وتهافت الهوية الوطنية وحتى القومية، وذلك لا يشكل مصدرا للأزمات الدورية فقط، وإنما يمهد البيئة الخصبة لنشوء بعض الخيارات، مثل التقسيم والتبعية الكاملة للظهير الإقليمي بديلاً عن الوطن الذي أصبح فندقا للإقامة الدائمة.
لا تكمن أزمة العراق في برلمانه، ولا في الصراعات الشكلية بين أركان المحاصصة الطائفية، ولا في الاحتجاجات الرامية إلى تحسين شروط النظام، مثلما نرى بين فينة وأخرى، لكنها أزمة هيكلية تتعقد أكثر فأكثر، بالمعالجات السطحية البعيدة عن الجوهر، أي عمق المعضلة المتمثلة في إدارة العلاقة بين المكونات العراقية عبر صيغة النظام الطائفي المسنود من الخارج، وقد بينت التجربة أن هذا النظام غير قابل للإصلاح، والتحول من شكل إلى آخر ضمن السقف نفسه لا يحقق شيئاً يذكر، اللهم تسليم المشعل من أزمة منتهية إلى أخرى لاحقة، فقد استبدل الدكتاتور الإقصائي نوري المالكي، صاحب نظرية الطائفة المركزية، بحيدر العبادي الذي يبدو أميل إلى المحاصصة على الطريقة اللبنانية، باقتسام السلطة والنفوذ بين المكونات والأطراف الاقليمية. ومع ذلك، لم ينته التأزم، ما دام أن مناهج النظام وأدواته لم تتغير، وقد تكون النتيجة، هذه المرة، أسوأ، لأن عوامل الفوضى متجمعة أكثر من أي وقت مضى، مع ضعف الدولة وأجهزتها الرسمية أمام سطوة المليشيات المسلحة، ومراكز الهيمنة التابعة مباشرة لإيران والاستعداد الذي يبديه تنظيم داعش للانفضاض على الوضع الأمني في أي لحظة، مستغلا حالة اليأس التي قد تشعر بها العشائر العراقية في غرب وشمال غرب العراق.
إذا تمخض عن التصعيد السياسي الأخير عودة الطائفية الإقصائية السافرة إلى زمام السلطة، عبر تشكيلة إيرانية القلب والقالب، حينها ستذهب جهود محاربة هذا التنظيم هباءً، لأن مبررات تمدده أو تمدد أي تنظيم شبيه به مستقبلا قائمة وموجودة. وفي هذه الحلقة المفرغة، كلما بقي العراق ضعيفا وهشا تحققت المصلحة الإيرانية في احتواء الخطر التاريخي الذي يمثله، وتحققت المصلحة الدولية بتوفير مختبر مفتوح للتجارب السياسية والاقتصادية، ومكب للنفايات السامة.
ومن المؤسف حقاً أن نرى العرب على مقاعد المتفرجين، والعراق في طريقة إلى الانتحار، خصوصا إذا علمنا أنهم سبب، مع أسباب أخرى، في المأساة التي حلت به، وكانت باكورة مقالاتي في "العربي الجديد" دعوة لدور عربي فاعل في العراق، من خلال دعم القوى المعارضة للنظام الطائفي من جميع المكونات، فالأمل الوحيد لإنقاذ العراق من مصيره الحزين هو تشكيل جبهة وطنية عابرة للطوائف، لتفكيك المنظومة الحالية ونزع الشرعية عنها، وأعلم جيدا أن الأمور ليست بتلك الوردية. ولكن، بوجود حراك عراقي حقيقي على الأرض يدفع بهذا الاتجاه، ووجود مدخلات للنفوذ العربي عبر هياكل المحاصصة الحالية في ظل السعي الدولي إلى الإبقاء على قدر أدنى من الاتزان، فمن الممكن أن يجد العراق طريقاً للتعافي من أزمته، بالمرور من مرحلة الطائفية العقيمة إلى مرحلة المشاركة الحقيقية واقتسام السلطة، وصولا إلى عودة الدولة الوطنية اللامركزية، فما على العرب إلا التقدم إلى أداء دورهم المطلوب، ولا مبرر للإحجام والتماطل، فإن زعموا أن سبب ترددهم في سورية التخاذل الأميركي، فما هي الذريعة في العراق، وأميركا متدخلة بسياسة متقدمة؟
لا تكمن أزمة العراق في برلمانه، ولا في الصراعات الشكلية بين أركان المحاصصة الطائفية، ولا في الاحتجاجات الرامية إلى تحسين شروط النظام، مثلما نرى بين فينة وأخرى، لكنها أزمة هيكلية تتعقد أكثر فأكثر، بالمعالجات السطحية البعيدة عن الجوهر، أي عمق المعضلة المتمثلة في إدارة العلاقة بين المكونات العراقية عبر صيغة النظام الطائفي المسنود من الخارج، وقد بينت التجربة أن هذا النظام غير قابل للإصلاح، والتحول من شكل إلى آخر ضمن السقف نفسه لا يحقق شيئاً يذكر، اللهم تسليم المشعل من أزمة منتهية إلى أخرى لاحقة، فقد استبدل الدكتاتور الإقصائي نوري المالكي، صاحب نظرية الطائفة المركزية، بحيدر العبادي الذي يبدو أميل إلى المحاصصة على الطريقة اللبنانية، باقتسام السلطة والنفوذ بين المكونات والأطراف الاقليمية. ومع ذلك، لم ينته التأزم، ما دام أن مناهج النظام وأدواته لم تتغير، وقد تكون النتيجة، هذه المرة، أسوأ، لأن عوامل الفوضى متجمعة أكثر من أي وقت مضى، مع ضعف الدولة وأجهزتها الرسمية أمام سطوة المليشيات المسلحة، ومراكز الهيمنة التابعة مباشرة لإيران والاستعداد الذي يبديه تنظيم داعش للانفضاض على الوضع الأمني في أي لحظة، مستغلا حالة اليأس التي قد تشعر بها العشائر العراقية في غرب وشمال غرب العراق.
إذا تمخض عن التصعيد السياسي الأخير عودة الطائفية الإقصائية السافرة إلى زمام السلطة، عبر تشكيلة إيرانية القلب والقالب، حينها ستذهب جهود محاربة هذا التنظيم هباءً، لأن مبررات تمدده أو تمدد أي تنظيم شبيه به مستقبلا قائمة وموجودة. وفي هذه الحلقة المفرغة، كلما بقي العراق ضعيفا وهشا تحققت المصلحة الإيرانية في احتواء الخطر التاريخي الذي يمثله، وتحققت المصلحة الدولية بتوفير مختبر مفتوح للتجارب السياسية والاقتصادية، ومكب للنفايات السامة.
ومن المؤسف حقاً أن نرى العرب على مقاعد المتفرجين، والعراق في طريقة إلى الانتحار، خصوصا إذا علمنا أنهم سبب، مع أسباب أخرى، في المأساة التي حلت به، وكانت باكورة مقالاتي في "العربي الجديد" دعوة لدور عربي فاعل في العراق، من خلال دعم القوى المعارضة للنظام الطائفي من جميع المكونات، فالأمل الوحيد لإنقاذ العراق من مصيره الحزين هو تشكيل جبهة وطنية عابرة للطوائف، لتفكيك المنظومة الحالية ونزع الشرعية عنها، وأعلم جيدا أن الأمور ليست بتلك الوردية. ولكن، بوجود حراك عراقي حقيقي على الأرض يدفع بهذا الاتجاه، ووجود مدخلات للنفوذ العربي عبر هياكل المحاصصة الحالية في ظل السعي الدولي إلى الإبقاء على قدر أدنى من الاتزان، فمن الممكن أن يجد العراق طريقاً للتعافي من أزمته، بالمرور من مرحلة الطائفية العقيمة إلى مرحلة المشاركة الحقيقية واقتسام السلطة، وصولا إلى عودة الدولة الوطنية اللامركزية، فما على العرب إلا التقدم إلى أداء دورهم المطلوب، ولا مبرر للإحجام والتماطل، فإن زعموا أن سبب ترددهم في سورية التخاذل الأميركي، فما هي الذريعة في العراق، وأميركا متدخلة بسياسة متقدمة؟
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017