الموت
بلا لغةٍ،
وبلكنةٍ أحياناً أخرى،
وبعد أن ارتدى ثيابه
نادانا الموت.
متواريةً ومبللةً ونعسانةً
كانت أيدينا
وهي تهربُ من هجوم الرِّيح.
لم يكن بوسعنا
أن نشاهدَ الحماماتِ فوق السطح.
كان الفصلُ صيفاً،
حصدنا القمح
ثمَّ أخذناهُ إلى الطاحونة..
صنعنا الخبز
وقدَّمنا إلى الموت
قطعةً من الرغيف المحروق.
اتركوني
اتركوني في الصَّيف
عندما يخرجُ الشتاء بحراشفه من البئر
ويصلُ إلى الأرض.
ذابلةً ويقظانة كانت الأرضُ
عندما كنتُ أنامُ عليها.
داخل زهرة فلورا متألقة تواريتُ،
لم يكن البشر أوفياء كفايةً
كي ينادوني إلى جوار الزهرة
ويقدّموا لي
كأس ماءٍ بارد.
في اليقظة
السفينة كانت وسط التراب،
أزهار الكرز نامت في دمي..
هل كنتِ تعلمين بأنّ الحُبَّ والأزهار
يمكن أن يجتمعا في الشتاء؟
الحبُّ المُحتمَلُ
كان يطرِّز ثيابنا بالنجوم.
صوتي
لم يعُد معنا..
حولنا كانت ترتفعُ تلالٌ من رماد
خرج منها شعبٌ يعرفُ البحر
ولكنّه يجهلُ الحبَّ..
لماذا اعتبرتِ بهاءَ أجنحة الفراشاتِ
تأويلاً لحقيقة الهواء والنهار؟
ما زلتُ أتذكرُ الغيومَ في الصَّيف.
اقرأ أيضاً: تدفّق اللغة إلى عمق الصورة
إنَّني أرى
إنَّني أرى
وأسمع
فكيفَ إذاً يختفي العالم
من تحت قدميَّ؟
معي عنقودُ عنبٍ
وسلَّة ضباب..
العنبُ يختفي
وسلَّة الضباب تسطعُ كالشَّمس
وأنا أعودُ شابّاً..
وجهي
وجهي يتغضَّنُ في هذه الشَّمس المسائية،
في زمنٍ ما
كنتُ أشبعُ من كسرة خبز
وأمضي بابتسامةٍ إلى البيت،
كنتُ أهوى الحافلاتِ المكتظة بالمسافرين،
لم أكن أنتظر من أحدٍ
أن يقدِّم لي كرسيّاً تحت الشمس.
كنتُ أنتظرُ أن تسقط وردةٌ حمراء من النَّافذة إلى بيتي،
كنتُ أداوي جراحَ يديَّ بغناء الليالي..
بصبرٍ كنتُ أنتظرُ أن يشيِّدَ نورُ القمر بيتي في الرِّيح.
في ذلك الوقت
لم أكن أخافُ صوتَ الكلماتِ المكتوم،
كنتُ أبدِّدُ أوراقَ النَّارنج في أرجاء العُمر.
في الفصول الأربعة
لم يكن لديَّ سوى حذاءٍ واحدٍ
ولم أكن قد شاهدتُ المدنَ السَّاحلية بعد..
حينما كنتُ أصمت
كان المطر يهطل،
والأغصانُ المتدليَّة من نافذتي
لم أكن أراها إلاّ عند هبوب الرِّيح.
في خوفٍ
كنتُ أحبُّ الغابة الصغيرة،
أين كنتُ أمضي؟
لا أحد يعرف..
شيئاً فشيئاً
نسيتُ الابتسامة.
وسطَ اضطرابِ الأغصان في الرِّيح
وقفتُ وحكمتُ فيما بينها.
مظلَّتي ضيَّعتها في المطر..
مددتُ يديَّ نحو الأشجار
وبعطفٍ قلتُ لغصنٍ:
أيتها الشَّجرة،
وقلتُ لشجرةٍ:
ايتها الغابة..
وذات نهارٍ آسرٍ
ضعتُ في هذه الغابة..
ملابسي منشورةٌ على حبل الغسيل،
المرآة تتغضَّنُ في الكوَّة
وأنا أصغي بهدوءٍ
إلى صوتِ الرِّيح..
الخريفُ وراء النافذة
قبل أن نغرق جميعاً في أزهار الأقحوان في الخريف،
جذِّف بقوَّةٍ.
الألمُ يجيءُ ويمضي
ولكنَّ الخريف واقفٌ بثباتٍ وراء النافذة،
جذٍّف بقوَّةٍ.
قبل أن ينتهي العمر
لنمضِ إلى البيت، فالجوُّ باردٌ.
لقد تركتُ مصباح الممرِّ مُناراً،
جاء أشخاصٌ في وقتٍ متأخِّرٍ وأطفأوا المصباح،
آملُ أن يكونوا لصوصاً.
الآن إذ يخيِّمُ الليل
أفكِّرُ بك،
ليتكِ لم تودِّعيني وترحلي،
بقيتُ أتذكَّر وداعك لسنواتٍ طويلة.
الخريف واقفٌ يراقبني بثباتٍ
من وراء النافذة
مستغرباً من عدم رحيلي عن العالم
حتّى الآن!
لي قلبٌ متعبٌ
وعليَّ أن أنساكِ شيئاً فشيئاً
بهذا القلب المتعب.
اقرأ أيضاً: ثلاث قصص
هذا الحصان
هذا الحصانُ الأصيل، يصهلُ خلف النّافذة حتّى الصَّباح. مَن منّا نحن ساكني هذا البيت ينبغي عليه أن يأخذه إلى المروج ويرعاه؟
ألسنا نحن من كنّا طوال العام نحمّل الحطب والأقمشة السوداء والملوّنة وألواح الخشب والعوسج والجوز على ظهره، ونأخذه عبر دروبٍ وعرةٍ إلى العاصمة؟ فلمَ نحن الآن غرباء معه؟
دونما رأفةٍ أو شفقةٍ نراقبه من خلف زجاج النّوافذ المغطّاة بالبخار وهو واقفٌ وسط الثّلوج والبرد.
هذا الحصان الأصيل الواقف في البرد لا يسمعُ أحاديثنا التي تجري في هذه الغرفة.
الجوّ باردٌ
والحطبُ لن يدوم حتّى الصّباح،
ينبغي أن نقصد المدينة
لشراء المؤونة والخبز.
هذه الليلة سيتساقط الثّلج حتى الفجر،
هذه الليلة الباردة
هي ليلةٌ من العمر،
يجب أن نقشّر البرتقالات
ونضعها،
بوسعنا أن نتحدّث حتى الصباح
عن البرد وطول الليل.
أحاديثنا لا نهاية لها داخل هذه الغرفة في هذا الشتاء اللانهائي،
ذلك الحصان الأصيل المرتعد من البرد يتجمّد قرب النّافذة، ونحنُ بأحاديثنا التي لا تنتهي نراقبه كيف يتوارى في البرد والثّلج.
نبدأ أحاديثنا من جديد، وهذه المرّة يدور بنا الحديثُ حول مزايا الحصان الأصيل في الصّحراء والبرد.أكبرُ عجوزٍ من بين الضّيوف شرع بحكاية عن أيّام طفولته، عن قطعان أحصنةٍ ضاعت في البرد والضّباب.
أمضي إلى غرفةٍ أخرى لأنام.
الترجمة عن الفارسية: ماهر جمّو
(مترجم سوري)
بلا لغةٍ،
وبلكنةٍ أحياناً أخرى،
وبعد أن ارتدى ثيابه
نادانا الموت.
متواريةً ومبللةً ونعسانةً
كانت أيدينا
وهي تهربُ من هجوم الرِّيح.
لم يكن بوسعنا
أن نشاهدَ الحماماتِ فوق السطح.
كان الفصلُ صيفاً،
حصدنا القمح
ثمَّ أخذناهُ إلى الطاحونة..
صنعنا الخبز
وقدَّمنا إلى الموت
قطعةً من الرغيف المحروق.
اتركوني
اتركوني في الصَّيف
عندما يخرجُ الشتاء بحراشفه من البئر
ويصلُ إلى الأرض.
ذابلةً ويقظانة كانت الأرضُ
عندما كنتُ أنامُ عليها.
داخل زهرة فلورا متألقة تواريتُ،
لم يكن البشر أوفياء كفايةً
كي ينادوني إلى جوار الزهرة
ويقدّموا لي
كأس ماءٍ بارد.
في اليقظة
السفينة كانت وسط التراب،
أزهار الكرز نامت في دمي..
هل كنتِ تعلمين بأنّ الحُبَّ والأزهار
يمكن أن يجتمعا في الشتاء؟
الحبُّ المُحتمَلُ
كان يطرِّز ثيابنا بالنجوم.
صوتي
لم يعُد معنا..
حولنا كانت ترتفعُ تلالٌ من رماد
خرج منها شعبٌ يعرفُ البحر
ولكنّه يجهلُ الحبَّ..
لماذا اعتبرتِ بهاءَ أجنحة الفراشاتِ
تأويلاً لحقيقة الهواء والنهار؟
ما زلتُ أتذكرُ الغيومَ في الصَّيف.
اقرأ أيضاً: تدفّق اللغة إلى عمق الصورة
إنَّني أرى
إنَّني أرى
وأسمع
فكيفَ إذاً يختفي العالم
من تحت قدميَّ؟
معي عنقودُ عنبٍ
وسلَّة ضباب..
العنبُ يختفي
وسلَّة الضباب تسطعُ كالشَّمس
وأنا أعودُ شابّاً..
وجهي
وجهي يتغضَّنُ في هذه الشَّمس المسائية،
في زمنٍ ما
كنتُ أشبعُ من كسرة خبز
وأمضي بابتسامةٍ إلى البيت،
كنتُ أهوى الحافلاتِ المكتظة بالمسافرين،
لم أكن أنتظر من أحدٍ
أن يقدِّم لي كرسيّاً تحت الشمس.
كنتُ أنتظرُ أن تسقط وردةٌ حمراء من النَّافذة إلى بيتي،
كنتُ أداوي جراحَ يديَّ بغناء الليالي..
بصبرٍ كنتُ أنتظرُ أن يشيِّدَ نورُ القمر بيتي في الرِّيح.
في ذلك الوقت
لم أكن أخافُ صوتَ الكلماتِ المكتوم،
كنتُ أبدِّدُ أوراقَ النَّارنج في أرجاء العُمر.
في الفصول الأربعة
لم يكن لديَّ سوى حذاءٍ واحدٍ
ولم أكن قد شاهدتُ المدنَ السَّاحلية بعد..
حينما كنتُ أصمت
كان المطر يهطل،
والأغصانُ المتدليَّة من نافذتي
لم أكن أراها إلاّ عند هبوب الرِّيح.
في خوفٍ
كنتُ أحبُّ الغابة الصغيرة،
أين كنتُ أمضي؟
لا أحد يعرف..
شيئاً فشيئاً
نسيتُ الابتسامة.
وسطَ اضطرابِ الأغصان في الرِّيح
وقفتُ وحكمتُ فيما بينها.
مظلَّتي ضيَّعتها في المطر..
مددتُ يديَّ نحو الأشجار
وبعطفٍ قلتُ لغصنٍ:
أيتها الشَّجرة،
وقلتُ لشجرةٍ:
ايتها الغابة..
وذات نهارٍ آسرٍ
ضعتُ في هذه الغابة..
ملابسي منشورةٌ على حبل الغسيل،
المرآة تتغضَّنُ في الكوَّة
وأنا أصغي بهدوءٍ
إلى صوتِ الرِّيح..
الخريفُ وراء النافذة
قبل أن نغرق جميعاً في أزهار الأقحوان في الخريف،
جذِّف بقوَّةٍ.
الألمُ يجيءُ ويمضي
ولكنَّ الخريف واقفٌ بثباتٍ وراء النافذة،
جذٍّف بقوَّةٍ.
قبل أن ينتهي العمر
لنمضِ إلى البيت، فالجوُّ باردٌ.
لقد تركتُ مصباح الممرِّ مُناراً،
جاء أشخاصٌ في وقتٍ متأخِّرٍ وأطفأوا المصباح،
آملُ أن يكونوا لصوصاً.
الآن إذ يخيِّمُ الليل
أفكِّرُ بك،
ليتكِ لم تودِّعيني وترحلي،
بقيتُ أتذكَّر وداعك لسنواتٍ طويلة.
الخريف واقفٌ يراقبني بثباتٍ
من وراء النافذة
مستغرباً من عدم رحيلي عن العالم
حتّى الآن!
لي قلبٌ متعبٌ
وعليَّ أن أنساكِ شيئاً فشيئاً
بهذا القلب المتعب.
اقرأ أيضاً: ثلاث قصص
هذا الحصان
هذا الحصانُ الأصيل، يصهلُ خلف النّافذة حتّى الصَّباح. مَن منّا نحن ساكني هذا البيت ينبغي عليه أن يأخذه إلى المروج ويرعاه؟
ألسنا نحن من كنّا طوال العام نحمّل الحطب والأقمشة السوداء والملوّنة وألواح الخشب والعوسج والجوز على ظهره، ونأخذه عبر دروبٍ وعرةٍ إلى العاصمة؟ فلمَ نحن الآن غرباء معه؟
دونما رأفةٍ أو شفقةٍ نراقبه من خلف زجاج النّوافذ المغطّاة بالبخار وهو واقفٌ وسط الثّلوج والبرد.
هذا الحصان الأصيل الواقف في البرد لا يسمعُ أحاديثنا التي تجري في هذه الغرفة.
الجوّ باردٌ
والحطبُ لن يدوم حتّى الصّباح،
ينبغي أن نقصد المدينة
لشراء المؤونة والخبز.
هذه الليلة سيتساقط الثّلج حتى الفجر،
هذه الليلة الباردة
هي ليلةٌ من العمر،
يجب أن نقشّر البرتقالات
ونضعها،
بوسعنا أن نتحدّث حتى الصباح
عن البرد وطول الليل.
أحاديثنا لا نهاية لها داخل هذه الغرفة في هذا الشتاء اللانهائي،
ذلك الحصان الأصيل المرتعد من البرد يتجمّد قرب النّافذة، ونحنُ بأحاديثنا التي لا تنتهي نراقبه كيف يتوارى في البرد والثّلج.
نبدأ أحاديثنا من جديد، وهذه المرّة يدور بنا الحديثُ حول مزايا الحصان الأصيل في الصّحراء والبرد.أكبرُ عجوزٍ من بين الضّيوف شرع بحكاية عن أيّام طفولته، عن قطعان أحصنةٍ ضاعت في البرد والضّباب.
أمضي إلى غرفةٍ أخرى لأنام.
الترجمة عن الفارسية: ماهر جمّو
(مترجم سوري)