تبرز في الفترة الراهنة في الجزائر مجموعة من القيادات الشابة التي استلمت زمام القيادة في أحزاب سياسية فاعلة، بعد رحيل جيل أول من المؤسسين والقيادات السياسية التي شكّلت المرجعيات الأولى لهذه الأحزاب والتيارات السياسية. وساهم انتقال القيادة إلى الكوادر الشابة، في تطوير نوعي لعمل هذه الأحزاب وبنيتها التنظيمية، وتغيير أدوات نضالها وتحالفاتها السياسية أيضاً.
عام 2012 صعد نجم الشاب محسن بلعباس على رأس قيادة حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض. فبعد ربع قرن من تأسيسه للحزب، أعلن سعيد سعدي تخليه عن رئاسة الحزب في المؤتمر العام الذي عُقد في ذلك العام، ليفسح المجال أمام بروز قيادة شابة جديدة، تتماشى مع طبيعة التطورات السياسية الحاصلة في الجزائر وفي المنطقة بشكل عام، والمتسمة بنهاية مرحلة وبداية أخرى، تراجعت فيها الأيديولوجيات، وتقاربت فيها التيارات السياسية.
كان واضحاً أن مؤتمر الحزب المنعقد في فبراير/شباط الحالي، سيمكّن القيادي الشاب محسن بلعباس من الفوز بولاية أخرى على رأس الحزب، بعد إنجازات سياسية مهمة حققها، إذ نجح في إعادة "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" إلى الواجهة، بعد سنوات من التراجع في الأداء السياسي للحزب، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة من زعامة المؤسس سعيد سعدي. وتمكّن بلعباس من إخراج الحزب من حالة حصار سياسية فرضتها عليه السلطة، وألحق "التجمع" بتنسيقية الانتقال الديمقراطي التي نشطت منذ عام 2013، وصمم للحزب طرقاً للتقارب مع قوى وأحزاب سياسية كان على خصومة شديدة معها، إذ بات الحزب مقرباً من التيار الإسلامي، كحزب إخوان الجزائر "حركة مجتمع السلم"، و"جبهة العدالة والتنمية" الإسلامي، وشخصيات معارضة كانت في السلطة في وقت سابق. وساهم بلعباس في تطوير الأداء الإعلامي للحزب أفضل من أي وقت سابق.
تزامن صعود قيادة شابة على رأس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مع صعود مماثل لقيادة شابة في أبرز حزب إسلامي في الجزائر، "حركة مجتمع السلم"، إذ صعد نجم القيادي الشاب عبدالرزاق مقري الذي نجح في المؤتمر العام للحزب في الإطاحة بالشيخ أبو جرة سلطاني، ثاني رئيس للحزب بعد المؤسس الراحل محفوظ نحناح. ونقل الحزب الذي يمثل تيار "الإخوان المسلمين" إلى صف المعارضة، بعد 18 سنة من تحالفه مع السلطة ومشاركته في الحكومة، وأعاد ترتيب الحزب على أساس هذا الخيار، ونقله إلى مرحلة من العنفوان السياسي في مواجهة السلطة، ودفع بكوادر شابة إلى الواجهة السياسية، وأنجز أكاديمية للتكوين السياسي للقيادات الشبابية، هي الأبرز في الجزائر، وأضاف زخماً إعلامياً للحزب، خصوصاً في ما يتعلق باستغلال فضاءات التواصل الاجتماعي.
اقــرأ أيضاً
في عام 2011 قرر حسين آيت أحمد الزعيم التاريخي لـ"جبهة القوى الاشتراكية"، أحد أقدم الأحزاب السياسية المعارضة الذي تأسس عام 1963، الانسحاب من رئاسة حزبه، وأعلن في رسالة شهيرة أنه "يحترم دورة الحياة"، فاسحاً المجال لجيل جديد من الكوادر الشابة التي تسلمت قيادة الحزب، فتداول على رئاسته جيل جديد من القيادات التي تربعت في الصف الأول للحزب ككريم طابو وجمال بالول وشافع بوعيش. أسهم هذا التحوّل في نجاح "جبهة القوى الاشتراكية" في كسر الطوق الذي فرضته عليه السلطة والظروف بتمركزه في منطقة القبائل ذات غالبية السكان الأمازيغ، وتمكن من توسيع مدى انتشاره إلى مناطق أخرى، كغرداية في الجنوب، ووهران، وتبسة شرقي الجزائر.
أما بلقاسم ساحلي فلم يكن وجهاً سياسياً معروفاً في الساحة السياسية في الجزائر قبل عام 2012، لكن تنحي المناضل البارز في ثورة التحرير الجزائرية رضا مالك عن رئاسة حزبه "التجمع الجمهوري"، أتاح الفرصة لبروز ساحلي، الذي أعاد تنظيم صفوف الحزب ودفع به إلى المنافسة السياسية مجدداً، بعد سنوات من الغياب انطفأ فيها صوت الحزب. وتمكن ساحلي من إلحاق الحزب بصف الموالاة التي تدعم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وحاز على ثقة بوتفليقة للمشاركة في الحكومة وشغل منصب وزير مكلف بالجالية الجزائرية في الخارج. وحاز الحزب على أربعة مقاعد في البرلمان، بعدما غاب الحزب عن البرلمان منذ انتخابات عام 1997.
وسمح انشطار حركة "الإصلاح الوطني" وانفلاتها من عباءة الشيخ عبدالله جاب الله، ببروز كوادر شابة، إذ يقود الحركة في الوقت الحالي القيادي الشاب فيلالي غويني. فيما أسست كوادر شابة أخرى أحزاباً سياسية موازية لأحزابها التي نشأت فيها، كعمار غول الذي انشق عن حزب "حركة مجتمع السلم"، وأسس حزب "تجمع أمل الجزائر"، وعمارة بن يونس الذي انشق عن "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وأسس حزب "الحركة الشعبية"، وجمال بن عبدالسلام الذي أسس حزب "الجزائر الجديدة". إضافة إلى هذه الكوادر الشابة، برزت أحزاب فتية في المشهد السياسي الجزائري، تقودها شخصيات شابة من الجيل الجديد، كحزب "الشباب" الذي يقوده حمانة بوشرمة، وحزب "التجديد الجزائري" الذي يقوده كمال بن سالم، ونعيمة صالحي التي أسست حزب "العدل والبيان".
وتبدّل المشهد السياسي في الجزائر، بعد رحيل أو تنحي جيل من السياسيين الذين عايشوا وأدوا أدواراً بارزة في المشهد الجزائري منذ انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، والتي أطاحت بنظام الحزب الواحد، وفتحت الطريق نحو تعددية سياسية تصدرها عبد الحميد مهري الذي كان يقود "جبهة التحرير الوطني"، والرئيس الراحل أحمد بن بلة الذي أسس حزب "الحركة الديمقراطية"، والراحل محفوظ نحناح الذي أسس "حركة مجتمع السلم"، وحسين آيت احمد الذي كان يقود "جبهة القوى الاشتراكية"، وسعيد سعدي الذي أسس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، ورضا مالك الذي أسس "التجمع الجمهوري". وبات جيل جديد من القيادات الشابة يقود أحزاباً فاعلة، سواء في صف السلطة، أو في صف المعارضة.
ساهم وصول جيل جديد من القيادات الشابة إلى قمة هرم الأحزاب السياسية، خصوصاً المعارضة منها، في تغيّر الأفكار والمواقف وأدوات النضال والتنظيم والتواصل، بعضها فرضتها الظروف والمعطيات الراهنة، وبعضها كان نتاج جهد سياسي من الكوادر الشابة التي ضخت دماء جديدة في هذه الكيانات السياسية. لكن ذلك لم يغيّر في المجمل من طبيعة المشهد السياسي وتوجهاته، ولم يتجاوز السقف الذي تحدده السلطة، ولم ينجح حتى الآن في تغيير قواعد اللعبة السياسية في الجزائر.
عام 2012 صعد نجم الشاب محسن بلعباس على رأس قيادة حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض. فبعد ربع قرن من تأسيسه للحزب، أعلن سعيد سعدي تخليه عن رئاسة الحزب في المؤتمر العام الذي عُقد في ذلك العام، ليفسح المجال أمام بروز قيادة شابة جديدة، تتماشى مع طبيعة التطورات السياسية الحاصلة في الجزائر وفي المنطقة بشكل عام، والمتسمة بنهاية مرحلة وبداية أخرى، تراجعت فيها الأيديولوجيات، وتقاربت فيها التيارات السياسية.
تزامن صعود قيادة شابة على رأس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مع صعود مماثل لقيادة شابة في أبرز حزب إسلامي في الجزائر، "حركة مجتمع السلم"، إذ صعد نجم القيادي الشاب عبدالرزاق مقري الذي نجح في المؤتمر العام للحزب في الإطاحة بالشيخ أبو جرة سلطاني، ثاني رئيس للحزب بعد المؤسس الراحل محفوظ نحناح. ونقل الحزب الذي يمثل تيار "الإخوان المسلمين" إلى صف المعارضة، بعد 18 سنة من تحالفه مع السلطة ومشاركته في الحكومة، وأعاد ترتيب الحزب على أساس هذا الخيار، ونقله إلى مرحلة من العنفوان السياسي في مواجهة السلطة، ودفع بكوادر شابة إلى الواجهة السياسية، وأنجز أكاديمية للتكوين السياسي للقيادات الشبابية، هي الأبرز في الجزائر، وأضاف زخماً إعلامياً للحزب، خصوصاً في ما يتعلق باستغلال فضاءات التواصل الاجتماعي.
في عام 2011 قرر حسين آيت أحمد الزعيم التاريخي لـ"جبهة القوى الاشتراكية"، أحد أقدم الأحزاب السياسية المعارضة الذي تأسس عام 1963، الانسحاب من رئاسة حزبه، وأعلن في رسالة شهيرة أنه "يحترم دورة الحياة"، فاسحاً المجال لجيل جديد من الكوادر الشابة التي تسلمت قيادة الحزب، فتداول على رئاسته جيل جديد من القيادات التي تربعت في الصف الأول للحزب ككريم طابو وجمال بالول وشافع بوعيش. أسهم هذا التحوّل في نجاح "جبهة القوى الاشتراكية" في كسر الطوق الذي فرضته عليه السلطة والظروف بتمركزه في منطقة القبائل ذات غالبية السكان الأمازيغ، وتمكن من توسيع مدى انتشاره إلى مناطق أخرى، كغرداية في الجنوب، ووهران، وتبسة شرقي الجزائر.
أما بلقاسم ساحلي فلم يكن وجهاً سياسياً معروفاً في الساحة السياسية في الجزائر قبل عام 2012، لكن تنحي المناضل البارز في ثورة التحرير الجزائرية رضا مالك عن رئاسة حزبه "التجمع الجمهوري"، أتاح الفرصة لبروز ساحلي، الذي أعاد تنظيم صفوف الحزب ودفع به إلى المنافسة السياسية مجدداً، بعد سنوات من الغياب انطفأ فيها صوت الحزب. وتمكن ساحلي من إلحاق الحزب بصف الموالاة التي تدعم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وحاز على ثقة بوتفليقة للمشاركة في الحكومة وشغل منصب وزير مكلف بالجالية الجزائرية في الخارج. وحاز الحزب على أربعة مقاعد في البرلمان، بعدما غاب الحزب عن البرلمان منذ انتخابات عام 1997.
وسمح انشطار حركة "الإصلاح الوطني" وانفلاتها من عباءة الشيخ عبدالله جاب الله، ببروز كوادر شابة، إذ يقود الحركة في الوقت الحالي القيادي الشاب فيلالي غويني. فيما أسست كوادر شابة أخرى أحزاباً سياسية موازية لأحزابها التي نشأت فيها، كعمار غول الذي انشق عن حزب "حركة مجتمع السلم"، وأسس حزب "تجمع أمل الجزائر"، وعمارة بن يونس الذي انشق عن "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وأسس حزب "الحركة الشعبية"، وجمال بن عبدالسلام الذي أسس حزب "الجزائر الجديدة". إضافة إلى هذه الكوادر الشابة، برزت أحزاب فتية في المشهد السياسي الجزائري، تقودها شخصيات شابة من الجيل الجديد، كحزب "الشباب" الذي يقوده حمانة بوشرمة، وحزب "التجديد الجزائري" الذي يقوده كمال بن سالم، ونعيمة صالحي التي أسست حزب "العدل والبيان".
ساهم وصول جيل جديد من القيادات الشابة إلى قمة هرم الأحزاب السياسية، خصوصاً المعارضة منها، في تغيّر الأفكار والمواقف وأدوات النضال والتنظيم والتواصل، بعضها فرضتها الظروف والمعطيات الراهنة، وبعضها كان نتاج جهد سياسي من الكوادر الشابة التي ضخت دماء جديدة في هذه الكيانات السياسية. لكن ذلك لم يغيّر في المجمل من طبيعة المشهد السياسي وتوجهاته، ولم يتجاوز السقف الذي تحدده السلطة، ولم ينجح حتى الآن في تغيير قواعد اللعبة السياسية في الجزائر.