اضطر المغرب إلى مضاعفة ما سيقترضه من الخارج في العام الحالي، تحت ضغط تأثيرات جائحة كورونا، حيث ينتظر أن يسعى إلى الحصول على 6 مليارات دولار، بعدما كان توقع اقتراض 3.1 مليار دولارات في بداية العام.
وعجلت الجائحة باللجوء إلى التمويل الخارجي، خاصة عبر استعمال خط الوقاية والسيولة العائد لصندوق النقد الدولي، لتغذية رصيد البنك المركزي من النقد الأجنبي.
وكان الصندوق أجاز للمغرب السحب من خط الوقاية والسيولة، وهو دين قابل للسداد على مدى خمسة أعوام مع فترة سماح لمدة ثلاثة أعوام، حيث اعتبرت وزارة لاقتصاد والمالية والبنك المركزي أن ذلك الخط لن يؤثر على الدين العام وسيعزز ثقة المستثمرين الأجانب وشركاء المملكة.
وأكد وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، أثناء تقديم مشروع قانون المالية التعديلي أمام مجلس النواب، على انخفاض إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 70 في المائة، والتراجع بنسبة 20 في المائة لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، ما سينعكس سلبا على رصيد النقد الأجنبي، الذي يراد له أن يغطي 6 أشهر من الواردات.
وأضاف بأن ذلك أفضى إلى السعي لتعبئة 4.5 مليارات دولار إلى حدود اليوم عبر الاقتراض بالعملة الصعبة، من بينها 3.2 مليارات دولار برسم خط الوقاية والسيولة الذي وفره صندوق النقد الأجنبي، ما يعني أن المملكة ستسعى، حسب مصدر مطلع، إلى الحصول على الباقي عبر قروض ثنائية أو من مؤسسات دولية أو باللجوء إلى السوق المالية.
وكانت السلطات المغربية توقعت اللجوء إلى الاستدانة من السوق الخارجية في العام الحالي، حيث ذهب محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، إلى أن ذلك يبقى مرهونا بما ستشير به المصارف الاستشارية المواكبة للمملكة، حيث سيتم تبعا لذلك تحديد قيمة الاستدانة والعملة التي ستتم بها ومدتها وشروطها.
ويتصور مصدر مطلع، فضل عدم ذكر اسمه، أن مسألة اللجوء للسوق المالية الدولية تبقى مستبعدة في العام الحالي، بالنظر للطلب الكبير على القروض من قبل عدد من الدول، مقارنة بما كان عليه الحال في العام الماضي، عندما اقترضت المملكة مليار يورو من السوق المالية بسعر فائدة في حدود 1.5 في المائة.
وسيؤدي التوجه نحو الاستدانة أكثر إلى رفع مديونية الخزانة الخارجية والداخلية من 65 في المائة إلى 75.3 في المائة في العام الحالي، بينما سيقفز الدين العام، الذي يأخذ بعين الاعتبار مديونية المؤسسات والشركات الحكومية، من 80.5 في المائة إلى 91.5 في المائة في العام الحالي، قبل أن يصل إلى 91.1 في المائة في العام المقبل.
وينتظر أن تساعد المديونية على سد العجز الموازني العادي والاستثنائي الناجم عن الجائحة، والذي سيقفز إلى 7.5 في المائة، في الوقت نفسه الذي ستساعد المملكة على تأمين رصيد النقد الأجنبي.
ويؤكد محمد الرهج أن المغرب، في سعيه للاستدانة، لا يمكنه أن يلتف على صندوق النقد الدولي، على اعتبار أنه يجب الحصول على ما يمكن أن نطلق عليه شهادة من المؤسسة المالية الدولية للحصول على قروض من الأسواق الدولية.
ويعتبر الرهج أن تلك الشهادة تتضمن تقييما لمدى امتثال البلد في سياسته المالية والاقتصادية للوصفات التي يوصي بها الصندوق، مثل تقليل عجز الموازنة والتحكم في التضخم، والتوجه نحو تحرير العملة.
ويشدد الرهج أن ذلك يتم عبر خفض الإنفاق العمومي المتمثل في عدم الزيادة في كتلة الأجور وتقليص عدد الوظائف الحكومية، في الوقت نفسه الذي يتم خفض مخصصات القطاعات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم.
غير أنه يرى أن الصندوق قد يعمد، في العام الحالي والعام المقبل، إلى القبول بنوع من الانزياح عن الأهداف التي يحددها بالنظر لإكراهات الظرف الحالي.
ويرتقب أن تخفف الظرفية الحالية على المدى القصير من ضغط إكراهات صندوق النقد الدولي المتعلقة بمحاصرة العجر كي يصل إلى 3 في المائة، علما أن محافظ البنك المركزي كان يحذر من توسيع العجز، ما يمكن أن يخضع المملكة لشروط صندوق النقد الدولي كما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي.
ويتصور الاقتصادي مهدي فقير، من جهته، أن صندوق النقد الدولي سيستحضر الظرفية الناجمة عن الأزمة الصحية في تعاطيه مع المغرب، غير أنه سيؤكد من جهة أخرى على ضرورة السعي للعودة لنهج سياسة موازنية توافق ما كان يوصيه به في السابق.
ويحتفظ مغاربة بذكرى غير طيبة عن علاقة المغرب مع الصندوق، حيث فرض على المملكة، في ظل برنامج التقويم الهيكلي في سياق تطهير ماليته بعدما وصلت المديونية إلى مستويات قياسية، التراجع عن تمويل العديد من القطاعات الاجتماعية والانخراط في مسلسل للخصخصة وتحرير السوق.
وابتعد المغرب في الأعوام الأخيرة عن توصيات الصندوق بالنظر لتوفره على رصيد نقد أجنبي مريح نسبيا وتحكّمه في المديونية الخارجية، فعندما كان الصندوق يوصي بتسريع مسلسل تعويم الدرهم، كانت الحكومة تشدد على أن ذلك القرار سيكون تدريجيا ومرهونا بالقرار الداخلي.
وتعرض الصندوق لانتقادات شديدة من المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، حيث اعتبر أن وصفاته لم تعد صالحة اليوم، مؤكدا أنه يمكن التوسع في العجز والتضخم بقرار سيادي، كما يمكن اللجوء للمديونية إذا كانت ستفضي إلى استثمارات في القطاعات الإنتاجية.