لم تمهل جائحة كورونا حكومة تونس الكثير لإعادة ترتيب علاقاتها مع صندوق النقد الدولي، حيث تدفع تداعيات الفيروس نحو طرق أبواب الصندوق مجدداً، بعد أشهر قليلة من سحب آخر أقساط قرض الاتفاق الممدد الذي وقعته حكومة الحبيب الصيد عام 2016 مع الصندوق.
وتقترب تونس من اتفاق قرض جديد مع الصندوق، لم تكشف الحكومة بعد عن تفاصليه، غير أن وزير المالية نزار يعيش قال في تصريحات إعلامية أخيراً، إن جائحة "الكوفيد-19" خلّفت ثغرة في موازنة الدولة بنحو 8 مليارات دينار (2.8 مليار دولار تقريباً)، قد تدفع تونس مجدداً إلى الاقتراض من الخارج.
كذلك بدأ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بمشاورات مع دوائر القرار المالي لمساعدته على إسعاف الموازنة بتمويلات جديدة تساعد البلاد على تطبيق خطة الإنعاش الاقتصادي التي عرضتها الحكومة.
ورجّح الخبير المالي ووزير المالية السابق سليم بسباس، أن تدخل تونس قريباً في مفاوضات حول برنامج ثالث مع الصندوق من أجل تحقيق خطة الإنقاذ الاقتصادي.
وقال بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد الدولي الذي أغلق مع صعود حكومة الفخفاخ برنامج التعاون الثاني سيكون أكثر تشدداً في تعاونه القادم مع تونس، مشيراً إلى أن تمويلات صندوق النقد غالباً ما ترتبط بقرارات موجعة وغير شعبية.
وأضاف وزير المالية السابق أن الحكومة مطالبة بإقناع التونسيين والنقابات بمطالب الصندوق الجديدة، غير أنه اعتبر أن هذه المهمة صعبة بسبب الأوضاع الاجتماعية المحتقنة في البلاد، وغياب الانسجام السياسي بين الأطراف المشاركة في الحكم.
وفي فبراير/ شباط علّق صندوق النقد الدولي المفاوضات مع تونس بشأن ما بقي من أقساط القرض الذي وقعت عليه البلاد منذ مايو/ أيار 2016 بقيمة 2.8 مليار دولار.
وتزامنت آخر مهمة لخبراء الصندوق في تونس في سبتمبر/ أيلول بانشغال السلطات بالانتخابات التشريعية والرئاسية التي أفضت إلى انتخاب البرلمان الحالي برئاسة حركة النهضة ووصول قيس سعيد إلى منصب الرئاسة.
وكان يفترض وفق الروزنامة الأولية أن تسحب تونس ما بقي من برنامج التعاون 1.3 مليار دولار، غير أن تعثّر حكومة يوسف الشاهد في إتمام الإصلاحات، دفع صندوق النقد الدولي إلى إغلاق البرنامج الثاني دون إتمامه، مفسحاً المجال أمام حكومة الفخفاخ للدخول في مفاوضات حول برنامج تعاون جديد.
تقترب تونس من اتفاق قرض جديد مع الصندوق، لم تكشف الحكومة بعد عن تفاصليه
والأربعاء الماضي التقى رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، ممثلي أهم شركاء تونس الدوليين، هم المفوض الأوروبي لسياسة الجوار، أوليفي فارهيبلي، وسفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس بارغميني، وممثلون عن كبرى المؤسسات المالية الدولية، منها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
وقالت رئاسة الحكومة على صفحتها الرسمية إن رئيس الحكومة عرض على شركاء تونس الماليين أهم الإصلاحات الكبرى التي تعمل عليها بلاده خلال الفترة القادمة، والمتعلقة بتغيير منوال التنمية وإصلاح الجباية ودفع الاستثمار والعمل على الحد من نسبة المديوينة الخارجية.
وتابع الفخفاخ تطوّر العلاقات المالية والاقتصادية بين تونس وأهم شركائها الدوليين، وآفاق الشراكة والتعاون، في ظل التحدّيات الاقتصادية التي أفرزتها جائحة الكورونا.
وفي إبريل/ نيسان الماضي وافق صندوق النقد الدولي على منح تونس تمويلاً بقيمة 743 مليون دولار، في إطار برنامج التمويلات السريعة التي وضعها الصندوق على ذمة الدول الأعضاء لمجابهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا.
وقبلها حصلت الحكومة على موافقة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بسحب تمويلات بقيمة 279 مليون دولار في إطار خطة تمويل وضعها البنك، لمعاضدة جهود الحكومات على احتواء الأزمة الاقتصادية التي خلّفها الانتشار العالمي لفيروس كورونا.
وقال الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف إن الحكومة مجبرة على قبول كل شروط صندوق النقد الدولي مستقبلاً بسبب صعوبات المالية العمومية، مشيراً إلى أن مكاشفة وزير المالية لكل الأطراف بوضع الموازنة، تمهيد لوضع الأحزاب والمنظمات الاجتماعية أمام مسؤولياتها قبل الانطلاق في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي.
ورجّح الشريف أن تدخل تونس في المفاوضات حول تعبئة الموارد المالية مع مؤسسات مالية دولية أخرى، غير أن موافقة صندوق النقد الدولي على تجديد التعاون مع تونس يبقى مهماً جداً للحكومة للحصول على ثقة الأسواق المالية بحسب تصريحه لـ"العربي الجديد".
وأكد الشريف أن تونس تقدم على واقع اقتصادي واجتماعي جديد فرضته جائحة "الكوفيد"، مشدداً على ضرورة حماية الطبقات الضعيفة من تداعيات البرامج المالية القادمة لتجنب انفجار الوضع في البلاد.
وأكد وزير المالية نزار يعيش، الأربعاء، في حوار خاص على الصفحة الرسمية للوزارة على فيسبوك، وجود ثغرة في ميزانية الدولة بـ8 مليارات دينار، مضيفاً أن التداعيات المالية لجائحة كورونا في تونس تقدَّر بنحو 5 مليارات دينار.
وأشار إلى أن وضعية الإنفاق العمومي صعبة جداً، خاصة مع ارتفاع التداين مع المؤسسات العمومية والخاصة، مؤكداً أن هذا الوضع يتطلب الكثير من الجرأة والبحث عن حلول عاجلة لتعبئة الموارد المالية والشروع في إنقاذ الاقتصاد.
وكانت تونس قبل الجائحة الصحية وفق قانون المالية (الموازنة) الذي أقرّه البرلمان نهاية العام الماضي تحتاج إلى نحو 4 مليارات دولار من القروض الداخلية والخارجية لسد عجز الموازنة.
وتشير الأرقام الواردة في قانون الموازنة إلى أن تونس ستسدد ديوناً بقيمة 11.6 مليار دينار، موزعة بين 7.9 مليارات دينار ديناً أصلياً (2.8 مليار دولار)، و3.7 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، فوائد على الديون.