أخذ البيان الصادر عن مكتب المرجع الديني في العراق علي السيستاني، اليوم الأحد، الحيز الأكبر من المشهد العراقي الشعبي والسياسي، سيما أنه يأتي بعد أشهر عديدة من آخر بيان للمرجع الديني يتعلق بالأزمة السياسية والتظاهرات الشعبية.
وقد كشف البيان عن دخوله المباشر على خط مطالب المتظاهرين الرئيسة، خاصة ملف اغتيال الناشطين، وقمع التظاهرات، وفتح ملفات الفساد، إضافة إلى دعم الحكومة العراقية "الراهنة" لحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، وفتح ملفات الفساد التي تتورط فيها جهات حزبية وسياسية وجماعات مسلحة في البلاد.
واستقبل السيستاني، قبل ظهر اليوم الأحد في منزله بالنجف، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت. وذكر في بيان عقب انتهاء المباحثات التي وثقت بالصور ومقطع فيديو مصور بدون صوت، أن "الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في العام القادم تحظى بأهمية بالغة، ويجب أن توفر لها الشروط الضرورية التي تضفي على نتائجها درجة عالية من المصداقية، ليتشجع المواطنون على المشاركة فيها بصورة واسعة".
وأضاف أنه "لا بد من أن تجرى وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة لبعض الكتل والأطراف السياسية، كما لا بد من أن تراعى النزاهة والشفافية في مختلف مراحل إجرائها، ويتم الإشراف والرقابة عليها بصورة جادة بالتنسيق مع الدائرة المختصة بذلك في بعثة الأمم المتحدة".
ولفت إلى أن "مزيداً من التأخير في إجراء الانتخابات أو إجراءها من دون توفير الشروط اللازمة لإنجاحها، بحيث لا تكون نتائجها مقنعة لمعظم المواطنين، سيؤدي إلى تعميق مشاكل البلد والوصول ـ لا سمح الله ـ إلى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه، وستندم عليه جميع الأطراف المعنية الممسكة بزمام السلطة في الوقت الحاضر".
وأشار إلى أن "الحكومة الراهنة مدعوة إلى الاستمرار والمضي بحزم وقوة في الخطوات التي اتخذتها في سبيل تطبيق العدالة الاجتماعية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتحسين أداء القوات الأمنية بحيث تتسم بدرجة عالية من الانضباط والمهنية، وفرض هيبة الدولة وسحب السلاح غير المرخص فيه، وعدم السماح بتقسيم مناطق من البلد إلى مقاطعات تتحكم بها مجاميع معينة بقوة السلاح تحت عناوين مختلفة بعيداً عن تطبيق القوانين النافذة".
ودعا الحكومة إلى "اتخاذ خطوات جادة واستثنائية لمكافحة الفساد وفتح الملفات الكبرى بهذا الشأن حسب الإجراءات القانونية، بعيداً عن أي انتقائية، لينال كل فاسد جزاءه العادل وتسترجع منه حقوق الشعب مهما كان موقعه وأياً كان داعموه".
وبشأن التظاهرات العراقية، أكد أن الحكومة "مطالبة بالعمل بكل جدية للكشف عن كل من مارسوا أعمالاً إجرامية من قتل أو جرح أو غير ذلك بحق المتظاهرين أو القوات الأمنية أو المواطنين الأبرياء، أو قاموا بالاعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة، منذ بدء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في العام الماضي، ولا سيما الجهات التي قامت بأعمال الخطف أو تقف وراء عمليات الاغتيال الأخيرة".
ويعد بيان السيستاني من أكثر مواقفه وضوحا في الفترة الأخيرة، ويحمل دعما واضحا لخطوات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وكذلك الناشطين المدنيين في التظاهرات وفقاً لمراقبين وناشطين.
البيان قطع الطريق على القوى السياسية والعسكرية للتمرد على مطالب المحتجين
في السياق، قال الناشط والمتظاهر من البصرة ليث حسين، إن "السيستاني وجه خطابه بشكلٍ واضح إلى رئيس الوزراء الحالي، وهذا الخطاب لم يتوفر خلال السنوات الماضية للحكومات التي سبقت الكاظمي، وهو ما يدل على أمل مرجعية النجف جزئياً بالحكومة الحالية والتي وصفتها بـ"الراهنة"، في الكشف عن قتلة المتظاهرين وهو المطلب الذي لم تتحدث عنه المرجعية في الأوقات والبيانات السابقة".
وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "مرجعية النجف أشارت اليوم بصيغة واضحة إلى دعم خطوات حكومة الكاظمي ودعته إلى الاستمرار والمضي فيما يتعلق بالمحاربة الفساد في المنافذ الحدودية والتأسيس لنظام يكفل العدالة الاجتماعية"، مبيناً أن "المتظاهرين لا يريدون من الكاظمي غير تحقيق مطالبهم، وتوفير الأجواء للانتخابات المبكرة المقبلة".
من جهته، اعتبر عضو البرلمان العراقي، باسم خشان، أن "السيستاني حمل مطالب المتظاهرين وأعاد طرحها من جديد، وكل ما ذَكر في البيان يمثل المطالب الشعبية التي يتظاهر لأجلها الشباب في ميادين وساحات الاحتجاج".وأوضح في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "بعض القوى السياسية والحزبية انزعجت فعلاً من البيان، ولكنها ستسعى إلى تفسير البيان وفق طرق جديدة، ترى أنها تخدم مصلحتها وتحديداً في فقرة توقيت إجراء الانتخابات المبكرة".
أما رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري، فقد أشار إلى أن "بيان السيستاني كان محفزاً لحكومة الكاظمي من أجل استكمال دورها في الظروف الراهنة، واستكمال دورها في تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة وحصر السلاح المنفلت، ومكافحة الفساد"، كما دعا الكاظمي إلى "الابتعاد عن إعطاء أي فرصة لأحزاب السلطة أو الخضوع لها، ناهيك عن مطلب كشف قتلة المحتجين، الذي يبدو أنه تصدر المطالب".
وأكمل في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ملف كشف قتلة المتظاهرين تعرض للتسويف من قبل حكومة عادل عبد المهدي، ويبدو أن السيستاني يرى أن من الضروري عرض عبد المهدي وفريقه الأمني كاملاً للتحقيق. كما أن هذا البيان قطع الطريق على القوى السياسية والعسكرية للتمرد على مطالب المحتجين، أو إصدار مواقف مغايرة للرغبة العراقية التي تريد التغيير".