يتقهقر بعض الأشخاص عند إصابتهم بإعاقة ما، وقد يخافون من مجابهة الحياة، فينكفئوا على أنفسهم خوفاً من مواجهة المجتمع. لكنْ في المقابل هناك أشخاص يكسرون حاجز الخوف، على الرغم من أنهم يواجهون صعوبات جمة في ذلك، فينجحون، لأنهم متمسكون بالهدف الذي وضعوه لأنفسهم.
لؤي صبّوح واحد من أولئك الأشخاص الذين لم تثنهم الإعاقة. فقد ولد مصاباً بـكفّ بصري، بسبب مرض وراثي. لم تحدّ الإعاقة يوماً من طموحه رغم الظروف القاسية التي مرّ بها منذ طفولته حتى لحظة لجوئه إلى لبنان ليسكن في مدينة صيدا، بعد الحرب التي اندلعت في سورية.
ينحدر لؤي من مدينة معرة النعمان، في محافظة إدلب بسورية، ويبلغ من العمر 35 عاماً. منذ خمس سنوات ومع بدايات الحرب في سورية نزح إلى لبنان. لم يكن وضعه المادي مستقراً. كان يعمل مؤذّناً ويعيش مما يقدم له لقاء قيامه بأعمال الأذان. ولأنه يملك صوتاً جميلاً كان ينشد في السهرات المسائية في حلقات يدعى إليها، مقابل أجر.
ترك لؤي المدرسة منذ أن كان في الصف الرابع الأساسي. بعد ذلك صار يعاون والده في محل الحدادة الإفرنجية. يقول: "ولدت مصاباً بهذا المرض فلم يقعدني ولم يجعلني أتراجع عما أريده. كبرت وتزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال بصرهم جيد. اكتشفت موهبتي في الغناء باكراً، لكن كانت تنقصني الجرأة في أن أصعد إلى المسرح وأغني. مع ذلك، صمّمت على الغناء، وكنت أنشد في ليالي رمضان، وصرت أغني القصائد".
يتابع: "تعلّمت الموشحات والطرب الحلبي لدى أستاذ في حلب، اسمه محمد فارس. علمني حفظ الأوزان والإيقاع. صرت أجيد الغناء الطربي. كنت مضطراً إلى الذهاب إلى حلب، وكنت بحاجة إلى من يصطحبني، حتى في أوقات الشتاء والبرد الشديد. ولاحقاً غنّيت أمام أساتذة كبار في الموسيقى، وصرت أشارك بأمسيات طربية مقابل أجر أعيش منه".
بعد الحرب خسر لؤي أشياء كثيرة، وساءت أحواله المادية. في لبنان استأجر منزلاً، ويعمل اليوم في تقطيع الجبن في محلّ للكعك مقابل تأمين بدل الإيجار. وإذا علم أحدهم بغنائه يرسلون بطلبه للمشاركة في إحدى الحفلات.
يروي: "نزحنا إلى لبنان خوفاً من القصف، وتفرّقت عائلتنا. هناك من بقي في البلد، وهناك من نزح إلى تركيا. شتتنا الحرب كلا في جهة وبتنا بلا مستقبل". يتابع: أتمنى العودة إلى بلدي فور انتهاء الحرب وعودة كل شيء إلى طبيعته. صحيح أنني أتعذب في لبنان، لكن الحرب قاسية، وأولادي بحاجة إلى أن يعيشوا بأمان، وأن يتعلموا".
يحلم لؤي بأن يتعرّف الناس على صوته. ما زال متفائلاً بالحياة وبتحقيق أحلامه بالرغم من كل الصعوبات.