17 سبتمبر 2019
لا صوت يعلو فوق صوت المِلعَقَة
دَع المكارِم لا ترحل لبُغْيَتِها... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي.
هكذا كان هجاء الشاعر، والذي استهجنه المهجو بقوله: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن أكون الطاعم الكاسي.
ماذا لو شهد هؤلاء عصر العولمة الذي نعيشه، الذي تقوده الرأسمالية، وتبَنَت فلسفة تعريف الإنسان أنه "حيوان مُستَهلِك"، ويجب وضعه في دوامة استهلاكية تضمن امتلاء خزائن رعاة الرأسمالية.
دوامة من الدعاية للكساء تقودها صناعة مُحْكَمة تديرها دور الأزياء العالمية، وفق خطة تجديد مستمر يجعل الجديد قديماً بتغيير متجدد للمواصفات، والأَتْباع يلهثون وراء الموديل الجديد، ويتبعون قواعد الطول والقصر والضيق والسعة الجديدة ويستغنون عن القديم، وتستمر دوامة الاستهلاك والشراء، بل إن دور الأزياء الكبرى تعدِمُ مرتجعاتها من الملابس بعد تغيير الموضة، كي لا تقع تلك المنتجات الثمينة بأسعار رخيصة لطبقات لا تستحقها، فعالم الأزياء يصنع طبقات ودرجات للتقييم في عالم "الحيوان المستهلك".
ومن يسلم من سُعار الكساء يقع في سُعار الغذاء، ومن ليست عنده القدرة على شراء الكافيار والاستاكوزا، فأكياس الشيبسي وعبوات البيبسي كمكملات للهامبورغر وأشباهه من اللحوم المصنعة في متناول قطاع أكبر. ومع البيبسي والشيبسي يزداد الوزن ويعاني البشر من أمراض السمنة، ومع قواعد النحافة لعارضات الأزياء ومن يقلدونهن، تأتي المعاناة من هشاشة العظام.
وخلف هذا وذاك، تدور عجلة صناعة تروج بشكل جنوني متسارع إصلاح ما أفسده شَرَه الاستهلاك، من منتجات التخسيس والتسمين، وعيادات النحت والتصغير والتكبير، وتوازيها منتجات التجميل وإزالة آثار السهر والإرهاق من متابعة الدعاية في وسائل الإعلام.
دورة جهنمية يدور فيها "الحيوان المستهلك" كدورة الثور مربوط العينين في الساقية، والساقية ترفع الماء هناك بعيداً نحو من يديرون تلك الشبكة الجهنمية المهلكة للإنسان. ومن ينجو من قرقعة الملاعق في الصحون، لا ينجو من قعقعة السلاح وكركرة الأمعاء الخاوية، فالرأسمالية نفسها التي تدير معركة الاستهلاك الضارية هي صاحبة الامتياز في صناعة الجوع، فهي من تمتص خيرات الشعوب، وتعدِم فائضها من المزروعات للحفاظ على أسعاره في بورصة الغذاء، وتنهب الثروات الطبيعية وتضر بالبيئة، والاطلاع على إحصائيات منظمة الغذاء العالمية "فاو" عن ضحايا الجوع والتغير المناخي يُصاب بالفزع.
ونفس منظومة صناعة الاستهلاك وصناعة الجوع هي المتحكمة في استهلاك السلاح.
وترويج السلاح يلزمه حروب وتحرش بين الدول، وزرع منظمات إرهابية، ومن يحتكِر صناعة السلاح وتجارته هو من يحدد أين الحرب ومتى تبدأ ومتى تنتهي ومتى يتدخل لإعادة التوازن بين الأطراف المتحاربة ليطول زمن الحرب، ومع إسالة الدماء وخراب الديار، تدور هناك ماكينات المصانع، وشركات التجارة، ووسائل النقل، ويرقص "ترامب" فرحا وهو يبشر شعبه: (وظائف.. وظائف).
إنها الضريبة التي تدفعها الإنسانية من سيادة الرأسمالية الغربية وتحالفاتها مع من يدور في فلكها، فضحايا الاستهلاك والتخمة، بجوار ضحايا الجوع والحروب، كلهم بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد. هذا كله ولم نتحدث عن التجارة بالإنسان في سوق الجنس، وتجارة الأعضاء، وتأجير الأرحام، فالحديث ذو شجون وشرحه يطول، ونحن في عجلة للعودة إلى هجاء الشاعر في مقدمة المقال ونتساءل: وكيف تأتي المكارم في عالم هذا شأنه؟!
كفار قريش أقاموا حِلفاً للدفاع عن المظلومين وسموه "حلف الفضول". أنف كفار قريش من الاستمرار في حرب الجوع والحصار الذي فرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقبيلته وأنصاره ومزقوا الوثيقة.
فهل يرقى عالم اليوم (المتحضِر جداً) إلى بلوغ تلك المكارم؟
هكذا كان هجاء الشاعر، والذي استهجنه المهجو بقوله: أو ما تبلغ مروءتي إلا أن أكون الطاعم الكاسي.
ماذا لو شهد هؤلاء عصر العولمة الذي نعيشه، الذي تقوده الرأسمالية، وتبَنَت فلسفة تعريف الإنسان أنه "حيوان مُستَهلِك"، ويجب وضعه في دوامة استهلاكية تضمن امتلاء خزائن رعاة الرأسمالية.
دوامة من الدعاية للكساء تقودها صناعة مُحْكَمة تديرها دور الأزياء العالمية، وفق خطة تجديد مستمر يجعل الجديد قديماً بتغيير متجدد للمواصفات، والأَتْباع يلهثون وراء الموديل الجديد، ويتبعون قواعد الطول والقصر والضيق والسعة الجديدة ويستغنون عن القديم، وتستمر دوامة الاستهلاك والشراء، بل إن دور الأزياء الكبرى تعدِمُ مرتجعاتها من الملابس بعد تغيير الموضة، كي لا تقع تلك المنتجات الثمينة بأسعار رخيصة لطبقات لا تستحقها، فعالم الأزياء يصنع طبقات ودرجات للتقييم في عالم "الحيوان المستهلك".
ومن يسلم من سُعار الكساء يقع في سُعار الغذاء، ومن ليست عنده القدرة على شراء الكافيار والاستاكوزا، فأكياس الشيبسي وعبوات البيبسي كمكملات للهامبورغر وأشباهه من اللحوم المصنعة في متناول قطاع أكبر. ومع البيبسي والشيبسي يزداد الوزن ويعاني البشر من أمراض السمنة، ومع قواعد النحافة لعارضات الأزياء ومن يقلدونهن، تأتي المعاناة من هشاشة العظام.
وخلف هذا وذاك، تدور عجلة صناعة تروج بشكل جنوني متسارع إصلاح ما أفسده شَرَه الاستهلاك، من منتجات التخسيس والتسمين، وعيادات النحت والتصغير والتكبير، وتوازيها منتجات التجميل وإزالة آثار السهر والإرهاق من متابعة الدعاية في وسائل الإعلام.
دورة جهنمية يدور فيها "الحيوان المستهلك" كدورة الثور مربوط العينين في الساقية، والساقية ترفع الماء هناك بعيداً نحو من يديرون تلك الشبكة الجهنمية المهلكة للإنسان. ومن ينجو من قرقعة الملاعق في الصحون، لا ينجو من قعقعة السلاح وكركرة الأمعاء الخاوية، فالرأسمالية نفسها التي تدير معركة الاستهلاك الضارية هي صاحبة الامتياز في صناعة الجوع، فهي من تمتص خيرات الشعوب، وتعدِم فائضها من المزروعات للحفاظ على أسعاره في بورصة الغذاء، وتنهب الثروات الطبيعية وتضر بالبيئة، والاطلاع على إحصائيات منظمة الغذاء العالمية "فاو" عن ضحايا الجوع والتغير المناخي يُصاب بالفزع.
ونفس منظومة صناعة الاستهلاك وصناعة الجوع هي المتحكمة في استهلاك السلاح.
وترويج السلاح يلزمه حروب وتحرش بين الدول، وزرع منظمات إرهابية، ومن يحتكِر صناعة السلاح وتجارته هو من يحدد أين الحرب ومتى تبدأ ومتى تنتهي ومتى يتدخل لإعادة التوازن بين الأطراف المتحاربة ليطول زمن الحرب، ومع إسالة الدماء وخراب الديار، تدور هناك ماكينات المصانع، وشركات التجارة، ووسائل النقل، ويرقص "ترامب" فرحا وهو يبشر شعبه: (وظائف.. وظائف).
إنها الضريبة التي تدفعها الإنسانية من سيادة الرأسمالية الغربية وتحالفاتها مع من يدور في فلكها، فضحايا الاستهلاك والتخمة، بجوار ضحايا الجوع والحروب، كلهم بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد. هذا كله ولم نتحدث عن التجارة بالإنسان في سوق الجنس، وتجارة الأعضاء، وتأجير الأرحام، فالحديث ذو شجون وشرحه يطول، ونحن في عجلة للعودة إلى هجاء الشاعر في مقدمة المقال ونتساءل: وكيف تأتي المكارم في عالم هذا شأنه؟!
كفار قريش أقاموا حِلفاً للدفاع عن المظلومين وسموه "حلف الفضول". أنف كفار قريش من الاستمرار في حرب الجوع والحصار الذي فرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم، وقبيلته وأنصاره ومزقوا الوثيقة.
فهل يرقى عالم اليوم (المتحضِر جداً) إلى بلوغ تلك المكارم؟