تريّث رئيس الوزراء اللبناني المكلَّف مصطفى أديب بقرار الاعتذار عن تشكيل الحكومة، بعد اللقاء الذي عقده مع الرئيس اللبناني ميشال عون، إفساحاً في المجال أمام استكمال جولة المشاورات.
وقال أديب، من قصر بعبدا، إنّه عرض مع الرئيس عون للصعوبات التي تواجه تشكيل الحكومة الجديدة، و"أعي تماماً أنّنا لا نملك ترف الوقت، ونعوّل على الجميع التعاون لتشكيل حكومة تنفذ ما اتفق عليه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب بعد لقائه الرئيس عون: عرضت مع الرئيس للصعوبات التي تواجه تكليف الحكومة، واتفقنا على التريث قليلا لاعطاء مزيد من الوقت للمشاورات ونأمل خيراً pic.twitter.com/J1VHjvWw1W
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) September 17, 2020
وبالتزامن مع لقاء عون وأديب، كانت وزارة الخزانة الأميركية تعلن عن فرض عقوباتٍ مرتبطة بلبنان على شركتين وأحد الأفراد لصلاتهم المزعومة بـ"حزب الله"، في لائحة هي الثانية خلال أيام قليلة، طاولت الأولى المعاون السياسي لرئيس البرلمان وزير المال السابق علي حسن خليل، علماً أنّ هذه الوزارة يتمسّك بها "الثنائي الشيعي"، أي حركة أمل التي يرأسها نبيه بري، و"حزب الله"، ويرفضان التخلي عنها ولو أدى ذلك إلى سقوط المبادرة الفرنسية وخسارة لبنان "فرصة الإنقاذ الأخيرة"، كما شملت وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، الذي ينتمي إلى "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، الذي يعدّ من أقرب المقربين إلى "حزب الله" والنظام السوري، ومرشح الرئاسة الأبرز في لبنان.
وشملت لائحة العقوبات الأميركية الجديدة شركتي "آرش" للاستشارات والدراسات الهندسية، و"معمار" للهندسة والإنماء، مقرّهما لبنان، لكونهما مملوكتين من "حزب الله" أو يسيطر عليهما أو يديرهما. كما قام مكتب الأصول الأجنبية بوضع سلطان خليفة أسعد، وهو مسؤول في المجلس التنفيذي لـ"حزب الله"، على لائحة العقوبات، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشركتين المذكورتين.
وقال وزير الخزانة ستيفن منوتشين إنه "من خلال استغلال حزب الله للاقتصاد اللبناني والتلاعب بالمسؤولين اللبنانيين الفاسدين، يتم منح الشركات المرتبطة بالمنظمة الإرهابية عقودًا حكومية"، مشدداً على أن "الولايات المتحدة ملتزمة باستهداف حزب الله وأنصاره، لأنهم يستغلون الموارد اللبنانية بشكل فاسد".
بدورها، قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إنّ القادة السياسيين في لبنان "يستغلون غياب الشفافية في الاقتصاد اللبناني من أجل إخفاء ثرائهم الشخصي، في حين يتظاهرون بأنهم يدافعون عن حقوق الشعب".
وأشارت إلى أنّ شركتي "آرش" و"معمار" هما شركتان من بين العديد من الشركات التابعة للمجلس التنفيذي لـ"حزب الله"، ويستخدمها الحزب من أجل إخفاء نشاطه الاقتصادي والتهرّب من العقوبات الأميركية، وقد تعاون مع الوزير السابق يوسف فنيانوس لضمان فوز الشركتين بعقود حكومية لبنانية بملايين الدولارات، وقد أرسلت الشركتان المذكورتان جزءاً من الأموال إلى المجلس التنفيذي للحزب.
ووضعت الولايات المتحدة الأميركية، في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، فنيانوس على لائحة العقوبات، نتيجة "استغلال منصبه الوزاري" لتقديم دعم مادي لـ"حزب الله"، إلى جانب وزير المال السابق النائب علي حسن خليل.
ولفتت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنّ شركة "آرش" كانت في السابق جزءاً من شركة "جهاد البناء"، وهي أيضاً شركة إنشاءات بارزة تابعة للحزب، مشمولة بالعقوبات، مشيرة إلى أن خليفة أسعد ينسق مباشرة مع هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله"، لتوجيه أنشطة الشركتين المذكورتين وشركات الحزب الأخرى.
وتؤكد الوزارة، بحسب بيان صادر عنها، أنّ "الشعب اللبناني الذي تظاهر ضد الفساد منذ ما يقارب العام ويطالب حكومته بمعالجة احتياجاته الأساسية بعد عقودٍ من الخلل السياسي، يستحق أفضل من ذلك، والولايات المتحدة ستواصل دعم اللبنانيين في دعواتهم لوضع حد للفساد وحكومة تستجيب أكثر لمطالبهم".
شملت لائحة العقوبات الأميركية الجديدة شركتي "آرش" للاستشارات والدراسات الهندسية، و"معمار" للهندسة والإنماء، مقرّهما لبنان، لكونهما مملوكتين من "حزب الله" أو يسيطر عليهما أو يديرهما. كما قام مكتب الأصول الأجنبية بوضع سلطان خليفة أسعد، وهو مسؤول في المجلس التنفيذي لـ"حزب الله"، على لائحة العقوبات، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشركتين المذكورتين
وحصلت اتصالات مكثفة مع أديب طالبة منه التمهّل أثناء توجهه إلى قصر بعبدا للقاء الرئيس عون بنية الاعتذار، خصوصاً في ظل تمديد باريس لمهلة الـ15 يوماً، وذلك بعد خروجه من اللقاء الذي جمعه مع وزير المال السابق والمعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل، الذي طاولته العقوبات الأميركية أخيراً، والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل، وخروج معلومات عن تمسّك "الثنائي الشيعي" بمطلبهما لناحية وزارة المال، وبالتزامن مع صدور موقف حاسم لـ"حزب الله" من خلال كتلته النيابية (الوفاء للمقاومة)، يرفض فيه رفضاً قاطعاً أن "يسمّي أحد عنّا الوزراء الذين يمثلوننا في الحكومة أو يضع أحد حظرا على المكوّن الذي يمثلنا في استلام أي حقيبة أو حقيبة وزارة المالية حصراً".
ونقلت مصادر رئيس الحكومة المكلف، اليوم الخميس، عنه قوله إنّ المهلة التي كلّف على أساسها نتيجة تفاهم شمل غالبية القوى السياسية في لبنان، ترتكز على تشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسية، وذلك في فترة قياسية، والبدء بتنفيذ الإصلاحات فوراً.
وعمّمت قوله إنّه على هذا الأساس لم يكن الهدف لا التفرّد بالرأي ولا استهداف أحد من المكوّنات السياسية، بل اختيار تشكيلة حكومية من اختصاصيين، وأي طرح آخر سيفترض تالياً مقاربة مختلفة للحكومة الجديدة، وهذا لا يتوافق مع المهمة التي كلف لأجلها.
وشددت المصادر على أن أديب "حريصٌ ومصممٌ على أن تبقى المهمة التي يقوم بها متوافقة مع روحية التفاهم الأساسي على حكومة اختصاصيين، وطلب لأجل ذلك من رئيس الجمهورية ميشال عون إرجاء الاجتماع إلى عصر اليوم، بهدف إجراء مزيد من الاتصالات قبل تحديد موقف نهائي". ومن المتوقع أن لا تطول فترة التريث التي تتزامن مع تمديد المهلة الفرنسية لأيام قليلة جداً.
وقال المحامي والناشط رفيق غريزي، لـ"العربي الجديد"، إنّ اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة "كان من شأنه أن يعيدنا إلى نقطة البداية، بحيث على رئيس الجمهورية أن يسمّي رئيس حكومة مكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يدعو إليها الرئيس عون من جديد، ويطلعه رسمياً على نتائجها، فيما تستمرّ حكومة الرئيس حسان دياب بتصريف الأعمال بالمعنى الضيق".
ويعتبر غريزي أنّ أديب لو قدّم تشكيلته واختار وزيراً للمالية من خارج إرادة الثنائي الشيعي "كنا سنصبح أمام 7 أيار جديد، في ظلّ تهديد واضح للسلم الأهلي خرجَ أخيراً في بيان كتلة الوفاء للمقاومة قبيل وصول رئيس الحكومة المكلف إلى قصر بعبدا".
ولفت غريزي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّه منذ العام 1926 تشكلت سبعة وثمانون حكومة في لبنان، وقد عرفت الحكومات اللبنانية معوقات وصعوبات قبل تشكيلها، ومرد ذلك يعود إلى التخبطات والصراعات السياسية التي رافقت عمليات تشكيل الحكومات، والسبب يعود إلى أن "النظام اللبناني الديمقراطي غير مستقيم فعلاً، إذ إنه وإن صح أنّ هذا النظام هو نظام ديمقراطي، إلا أنه بخلاف الديمقراطيات الحقيقية، التي تحكم فيها الأكثرية وتعارض الأقلية، فلبنان محكوم بعقد اجتماعي وبنظام اجتماعي خاص، بدءا من الميثاق الوطني، وصولاً إلى اتفاق الطائف، وأن هذا العرف الطائفي المجتمعي لم يكن بالسهل تجاوزه إلى الديمقراطية الحقيقية، خصوصاً عند كل محطة تشكيل حكومة".
ويتخوّف اللبنانيون من تبعات اعتذار أديب، إذا ما حصل، وسقوط المبادرة الفرنسية وخسارة لبنان "فرصته الأخيرة" للخروج من أزمته الاقتصادية الحادة التي تهدّده بـ"الزوال"، كما حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، وتضعه تحت مقصلة العقوبات ليس فقط الأميركية بل أيضاً الأوروبية والفرنسية تحديداً، والتي سبق أن لوّح باللجوء إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عند زيارته بيروت في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري، في حال عدم إيفاء القوى السياسية بتعهّداتها بتشكيل حكومة خلال 15 يوما، والبدء بإصلاحات في مهلة أقصاها 8 أسابيع.
وتم تشكيل 3 حكومات في عهد الرئيس ميشال عون، الأولى والثانية برئاسة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، والثالثة برئاسة حسان دياب، الذي قدم استقالته في العاشر من أغسطس/آب الماضي، قبل أن يصار إلى تكليف السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب بتسعين صوتاً نيابياً.