لن تحمل الجلسة السادسة لمجلس النواب اللبناني، ظهر يوم الإثنين، جديداً للبنانيين. سيتكرر مشهد غياب نواب "تكتل التغيير والإصلاح" (يترأسه النائب ميشال عون) ونواب كتلة "حزب الله" النيابية، ما يؤدي إلى عدم توافر النصاب القانوني (ثلثَي عدد النواب) الضروري لانتخاب الرئيس اللبناني. عندها، يؤجل رئيس المجلس، نبيه بري، الجلسة إلى موعد لاحق، بعد أسبوع أو أسبوعين. سيخرج بعض نواب فريق 14 آذار، ليتهموا النواب الغائبين بتعطيل العملية الدستورية، وضرب الموقع المسيحي الأرفع في لبنان وفي الشرق الأوسط. في المقابل، سيتهم الممتنعون عن المشاركة في الجلسات، الفريق المشارك، بتعطيل الانتخابات عبر التمسّك بترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وعدم القبول بميشال عون مرشحاً توافقياً. لا قيمة فعلية لكل هذه التصريحات. هي معدّة للاستهلاك المحلي عبر شاشات التلفزة. المطلوب منها شدّ العصب الشعبي بحدود مقبولة.
لا فائدة من المسرحيّة التي تتكرر اليوم للمرة السادسة على التوالي، إلا إلهاء الرأي العام اللبناني عن قضايا أساسيّة تشغل باله. قد تكون سلسلة الرتب والرواتب على رأس هذه القضايا، وخصوصاً أن عدم إقرارها يُهدد بشلّ القطاع العام، وعدم حصول الامتحانات الرسمية التي تؤهّل الطلاب للانتقال إلى المرحلة الثانوية والجامعية. ومن القضايا المطروحة على طاولة النقاش، ملف استخراج الغاز من الشواطئ اللبنانيّة والذي تنبعث منه روائح الفساد قبل البدء بتلزيم الشركات. أمّا سياسياً، فإن ملف الانتخابات النيابية عاد إلى النقاش السياسي. فالمجلس النيابي مدّد ولايته 17 شهراً لتنتهي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بدلاً من يونيو/حزيران 2013. هكذا، دخل ملف الانتخابات النيابية بقوة في النقاش السياسي، خصوصاً مع ارتفاع منسوب الحديث عن تمديد ولاية المجلس النيابي. فالسبب المعلن لتمديد ولاية المجلس النيابي للمرة الأولى بعد انتهاء الحرب الأهليّة، كان عدم التوافق على قانون جديد للانتخابات. لم يتغيّر شيء في هذه النقطة. لا يزال "قانون الستين" ساري المفعول (هو القانون الذي اعتمد في انتخابات عام 1960، وأعيد اعتماده مع إدخال بعض التعديلات تلبيةً لمطلب عون بعد سيطرة حزب الله وحلفائه على بيروت في مايو/أيار 2008، ما أدى إلى اتفاق الدوحة).
لن تختلف نتيجة الانتخابات وفقاً لقانون الستين عن تمديد ولاية المجلس النيابي. فنتيجة الانتخابات ستكون متقاربة، ولن تؤدي إلى تغييرات جوهرية، خصوصاً في ملف الانتخابات الرئاسية التي تحتاج إلى نصاب الثلثين من النواب. وإذا كانت معظم الكتل لا تُمانع في تمديد ولاية المجلس الحالي، فإن تكتل التغيير والإصلاح سيرفض التمديد علناً، "لأننا ضد مبدأ التمديد" كما يقول أمين سرّ التكتل، النائب إبراهيم كنعان لـ"العربي الجديد". لكن هذا لا يعني أن التكتل يرفض ضمناً التمديد، وخصوصاً أن الانتخابات تُجرى في فترة مفاوضات إقليمية ودوليّة، وبالتالي لا يُريد أحد خوض معركة قد تتغير كل أسبابها ومعطياتها بعد أشهر. ولهذا السبب، فإن القوى اللبنانية لا تستطيع التوافق على رئيس للجمهوريّة. ففي اللحظة التي ستنضج فيها التسوية، ونحن في خضم مفاوضات إيرانية ــ أميركية مباشرة، سيتم انتخاب الرئيس في لحظات. وربما ستتم مخالفة الدستور، كما حصل في انتخاب الرئيس ميشال سليمان في مايو/أيار 2008، فحينها، لم يتوافر عشرة نواب يُقدمون طعناً أمام المجلس الدستوري.
أمّا في نقاش بورصة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، فمن الواضح أن أسهم "ثلاثي التوافق" تتراجع يوماً بعد آخر. فأسماء هذا الثلاثي، أي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمرشح الرئاسي الدائم الوزير السابق جان عبيد، وقائد الجيش جان قهوجي، باتت عرضة للحرق السياسي. فسلامة، يواجه مرحلة حساسة، خصوصاً مع إمكانية إصدار الكونغرس الأميركي قوانين جديدة في محاولة للتضييق المالي على "حزب الله". وهو متهم بمساعدة الحزب والمصارف المقربة منه للتهرب من هذه العقوبات. أما جان عبيد، فإن فريق 8 آذار يتهمه بأنه أقرب إلى 14 آذار. وفي ما يخص قهوجي، فإن "حزب الله" غير مستعد لإشكال مع عون، إذ إن الأخير لن يقبل بقهوجي رئيساً. انطلاقاً من ذلك، يُطرح عدد من الأسماء الجديدة، أبرزها سفير لبنان في الفاتيكان، جورج خوري، الذي تربطه علاقة جيدة بمختلف القوى السياسيّة، وهو كان مديراً لاستخبارات الجيش، كما لم يصدر عنه موقف منحاز لأي من الأطراف في لبنان، أو المحاور في المنطقة.