لا يزال رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب يتحدّث عن مؤامرات وعراقيل بوجه فريقه الوزاري، من دون أن يكشف الجهات والشخصيات بالأسماء والهويات، وسط استمرار أزمات البلاد الاقتصادية والسياسية.
والتأم مجلس الوزراء ، اليوم الثلاثاء، في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، وعلى جدول أعماله 17 بنداً. وقال رئيس الحكومة في مستهلّ الجلسة، إن "التحديات أمام البلد تكبر وتتراكم، والصعوبات والعراقيل تزيد، والاستثمار السياسي يتحول إلى مهنة تزوير الحقائق وطمس الوقائع. كل هذا نتحمله وأكثر، لكن للأسف ذهب البعض بعيداً جداً بهذا السلوك"، سائلاً: "عندما يحاول هؤلاء الناس عرقلة أي مساعدة للبنان، فماذا يفعلون؟".
النفايات تملأ شوارع العاصمة اللبنانية بيروت وضواحيها. السوق السوداء تتلاعب بسعر صرف الدولار وتحصّن إمبراطوريتها، في ظلّ عجز الدولة عن وضع حدّ لتدهور العملة الوطنية. المواد والسلع الغذائية لم تنخفض أسعارها، رغم لائحة وزير الاقتصاد الغذائية المدعومة من المصرف المركزي
وقال: "تعرفون أن الاتصالات مع أشقائنا في العراق والكويت وقطر، ومع أصدقائنا في العالم، تشهد تطوراً إيجابياً ومشجّعاً لمساعدة لبنان. نحفر الصخر حتى نستطيع تخفيف حجم أزمة البلد. بالمقابل، هناك أناس ما زالوا مصرين على زيادة معاناة اللبنانيين".
وأضاف دياب، في جملة تساؤلات: "معقول أن هناك مسؤولاً سياسياً عنده ضمير وطني ويحاول منع مساعدة لبنان بهذه الظروف؟ معقول أن هناك مسؤولاً حزبياً كل همه أن يعرقل أي مساعدة؟ هذا معيب وأقرب إلى الخيانة الوطنية. ما سمعناه من أشقائنا في الدول العربية عن الاتصالات التي حصلت معهم من بعض السياسيين اللبنانيين مخجلٌ".
وكرّر رئيس الوزراء اللبناني مسألة حيازته تقارير تفيد بوجود خطة لعرقلة الحكومة من داخل الإدارة، علماً أنه لم يكشف عنها حتى الساعة، مضيفاً: "تعرّضتُ لضغوط كثيرة حتى أغيّر "العدّة"، على قاعدة أننا لا نستطيع العمل بـ"عدّة" غيرنا. أنا مصرّ على أن هذه "عدّة" الدولة وليست "عدّة" قوى سياسية ولا "عدّة" أشخاص".
وكان تشديد من جانب الرئيس ميشال عون، في مستهلّ الجلسة، على ضرورة وضع التدابير المقررة في خطة الإنقاذ المالي والاقتصادي موضع التنفيذ، ولا سيما في ما يتعلق بالإصلاحات، وخفض الإنفاق لتخفيض العجز.
في موازاة الجلسة الوزارية في قصر بعبدا، شهد اليوم الثلاثاء حركة لقاءات بين مرجعيات دينية وسياسية، تأتي في ظلّ الحديث عن حوار وطني تعمل عليه بكركي (البطريركية المارونية) لجمع القوى السياسية ورؤساء الأحزاب في لبنان من أجل مناقشة الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان، وسبل الخروج منها.
وفي هذا السياق، يأتي أيضاً اللقاء بين البطريرك الماروني والرئيس عون، علماً أنّ رئيس الجمهورية حاول، بمساعدة رئيس مجلس النواب نبيه بري، جمع الأطراف كافةً على طاولة حوار في قصر بعبدا في 25 يونيو/حزيران الماضي، لكن المقاطعة طغت على المشهد الذي كان يفترض أن يكون جامعاً، واقتصر على وجوه قوى "الثامن من آذار"، مع تسجيل خروقات بسيطة.
في موازاة الجلسة الوزارية في قصر بعبدا، شهد اليوم الثلاثاء حركة لقاءات بين مرجعيات دينية وسياسية، تأتي في ظلّ الحديث عن حوار وطني تعمل عليه بكركي (البطريركية المارونية) لجمع القوى السياسية ورؤساء الأحزاب في لبنان من أجل مناقشة الأزمة الاقتصادية
وقال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الديمان (المقر الصيفي– شمال لبنان)، اليوم الثلاثاء: "لا يمكن أن نتغنى بأن لبنان هو أرض الحوارات والثقافات ونحن معزولون عن الدول العربية والغربية والولايات المتحدة الأميركية، ونحن مع الحياد البنّاء، وهذه الأرض لم تعرف إلا اللقاءات والثقافات مع الناس، ونريد العودة إلى طبيعتنا. نحن لسنا مرتبطين بأحد، بل مرتبطون بأنفسنا، ونحن جعلنا لبنان سويسرا الشرق معاً، ونريد إعادته معاً".
والتقى البطريرك في مقره الصيفي في الديمان (شمال لبنان)، اليوم الثلاثاء، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية (من أبرز حلفاء "حزب الله") الذي أكد إثر الاجتماع أنه جاهز لأي لقاء وطني ينقذ لبنان، ويحمل رؤية واضحة للخروج من الوضع الراهن.
وقال: "يجب أن يخرج البلد مما هو فيه، ويصل إلى مكان يصبح الشعب فيه راضياً، يجب أن تكون هناك مسؤولية وطنية في هذه الظروف للخروج من هذا الجو، جو المحاسبة والانتقام. وإلقاء اللوم على فلان أو علان لا يؤدي إلى نتيجة، يجب دفع الأمور إلى الأمام، وهذا ما يؤدي إلى تهدئة الوضع، وخصوصا الوضع الاقتصادي اللبناني، الذي يعتبر الأساس. المشكلة الاقتصادية مسؤولية جامعة وطنية على الجميع تحمّلها، وهي الأساس اليوم لإعادة الثقة ولاستقطاب الاستثمارات، وعلينا كلنا التعاون في هذا الموضوع".
من جهة ثانية، استقبل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في دار الفتوى اليوم، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي قال بعد اللقاء: "تشاورنا في النقاط الثلاث الرئيسية التي أطلقها البطريرك الراعي في مبادرته خلال عظتي الأحد 5 و12 يوليو/تموز الجاري، والتي نرى فيها مناسبة لإطلاق حوار وطني جامع يهدف إلى الحفاظ على لبنان وطناً ودولة ورسالة. ومن هذه النقاط، تحرير الشرعية اللبنانية من الحصار، تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، تنفيذ قرارات الشرعية الدولية". علماً أن السنيورة وباقي رؤساء الحكومات السابقين، كانوا من المقاطعين لحوار بعبدا الأخير.
وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كانت الأبواب لا تزال مغلقة بوجه لبنان لمساعدته من قبل الدول العربية والغربية، قال السنيورة: "أعتقد أن اللبنانيين جميعاً سمعوا من أصدقائهم في العالم ومن إخوانهم بأنهم يريدون مساعدة لبنان، ولكن الذي يجري أن لبنان من خلال حكومته، ومن خلال فخامة الرئيس، لا يبدو أنه يريد أن يساعد نفسه، المطلوب الآن هو أن نفهم هذه الأمور التي لا تتطلب شروطا يضعها الأشقاء أو شروطا يضعها العالم علينا، ما يريده اللبنانيون لأنفسهم أن يتوقفوا عن هذا التلكؤ، وهذا الاستعصاء الذي مضى عليه وقت طويل وما زال مستمرا إلى الآن، وليس هناك من إرادة صحيحة تريد أن تدفع لبنان باتجاه أن يساعد نفسه. نجد الكثيرين في العالم، وأيضا من أشقائنا العرب، الذين ما فتئوا يقولون إنهم يريدون مساعدة لبنان، ولكنهم يريدون أيضا أن يبدأ لبنان بمساعدة نفسه".