كعادتنا نحن اللبنانيين، خرجنا مُنتصرين مُجدداً. نحن أبطال الحرب وأبطال السلم، كما تقول إحدى الأغاني "الوطنية". خرجنا من عُنق الزجاجة السعودية، أو كدنا، بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي. حافظنا على "التزام لبنان بالإجماع العربي" بالحد الأدنى للمعنى، ولم نسمح لـ"الغريب" بالتدخل في شأن "داخلي لبناني". المقصود هو "حزب الله". وعدم التدخّل يعني "دعوة الدول العربية إلى ترك مسألة سلاح حزب الله المنفلش في سورية والعراق واليمن لنقاشه على صعيد محلي". لا بأس إن كنا قد فشلنا في ذلك سابقاً (اتفاق الدوحة 2008، الاستراتيجية الدفاعية 2010، إعلان بعبدا 2012، والتسوية الرئاسية 2016)، لكن المهم "احترام استقلال لبنان وكرامته".
وعلى قاعدة النسبية، لا بأس إن خرق حكّام لبنان استقلال البلد وكرامة مواطنيه من خلال انتهاك الدستور ومصادرة حق المواطنين في الانتخاب طوال عقد كامل، والفشل في إقرار موازنة طوال عقد آخر، ثم تهريب موازنة، مع ضرائب باهظة، من دون وجود خطة اقتصادية واضحة، وربط كل طرف سياسي لمصيره بدولة إقليمية، في ظل حماوة غير مسبوقة بين محورَي دول المنطقة. لا بأس بذلك، طالما أن قرار إهانة استقلال لبنان وكرامته كان قراراً داخلياً.
وسيبقى لبنان مُستقراً طالما التقت القوى الإقليمية والدولية عند هذه النقطة. وهو الأمر القائم حالياً، بحجّة، أو لنقل ببركة، إقامة نحو مليوني لاجئ سوري، وليس بفضل سياسة "قل للجميع ما يُحبون سماعه"، التي يتبعها المسؤولون اللبنانيون عند السعوديين وعند الإيرانيين وعند الأميركيين. شاءت الظروف السياسية أن يتحول اللاجئون - وفق الخطاب الرسمي العنصري اللبناني تجاههم - من "عامل ضغط اجتماعي واقتصادي وأمني وسياسي على لبنان" و"مشروع جديد للتوطين في لبنان" إلى "عامل استقرار". وبالمنطق نفسه قررت السعودية أن تُحوّل فريقها في لبنان من عنصر مواجهة لـ"مشروع حزب الله" إلى "السبب في فشل مواجهة مشروع حزب الله". هكذا حوّلت السعودية وبـ"شحطة قلم" لبنان من بلد صديق إلى بركان أزمات المنطقة. فهل من مُتطوع لرفع مرآة في وجه المملكة، أو على الأقل لوضع فنجاني قهوة أمام مسؤولين، أحدهما إيراني والثاني سعودي، لبحث ما يمكن بحثه قبل تدمير المنطقة؟