تشرح المحامية جوديت التيني، لـ"العربي الجديد"، أن قانون العفو العام تُصدره السلطة التشريعية، من أجل محو الصفة الجرمية عن فعلٍ يُشكل جريمةً يعاقب عليها القانون، ليصبح الفعل كأنه لم يجرّم من الأساس، وقد يشمل بعض الجرائم بشكل كليّ، أو يخفض عقوبة البعض الآخر إلى النصف أو الربع، عندها تبقى الجريمة قائمة، وينفذ القسم الباقي من العقوبة. وتلفت التيني إلى أن "المرجع الصالح لتطبيق قانون العفو العام هو النيابة العامة. كما يمكن لقانون العفو العام أن يشمل أشخاصاً محددين". أما قانون العفو الخاص، فهو "إجراءٌ يتخذه رئيس الجمهورية فقط بعد استطلاع رأي لجنة العفو، وهو يشمل فقط من صدر باسمه ومن صدر عليه حكم مبرم"، لافتة إلى أن "رأي لجنة العفو ليس ملزماً لرئيس الجمهورية، فله أن يختار الأسماء التي يريد أن يعفي عنها ويوقع عليها، والعفو الخاص بعكس العام، لا يؤثر على حكم الإدانة الذي يظل قائماً باستثناء العقوبة".
من جهته، يؤكد مصدر في لجنة العفو العام، لـ"العربي الجديد"، أن مشروع العفو الخاص الذي تعمل وزارة العدل على إعداده، لن يمرّ، معتبراً أنه "في حال تمّ إقراره بتوقيع رئيس الجمهورية عليه، فإنه سيشعل انتفاضة داخل السجون اللبنانية". ويلفت المصدر في هذا الخصوص، إلى "تصميم السجناء على المطالبة بإقرار قانون العفو العام، ولن يوافقوا على إقرار عفوٍ خاص، المقرّر الوحيد فيه هو رئيس الجمهورية، في ظلّ غموض المعايير التي ستتخذ لاعتبار هذا السجين مشمولاً باللائحة التي سترفع للرئيس بالنسبة إلى المُعفى عنهم، سواء لناحية فترة المحكومية أو عمر السجين أو وضعه الصحي وغيرها من المعايير".
بدوره، يقول المحامي محمد صبلوح، مقرّر لجنة السجون في نقابة المحامين في طرابلس، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات بتّت في إخلاء سبيل عشرات الموقوفين، وإعفاء المحكومين من تسديد الغرامات المالية، ودفع غرامات السجناء الذين أتمّوا محكوميتهم، وتسريع وتيرة التحقيق، استكمالاً للخطة القانونية التي وضعتها نقابتا المحامين في الشمال وبيروت. لكن هذه الإجراءات، بحسب رأيه، "جاءت متأخرة، لا سيما مع انتشار فيروس كورونا الذي تعجز الحكومة عن حماية المواطنين منه، فكيف بالسجناء الذين يتخطى عددهم السبعة آلاف، ويعانون من الاكتظاظ، وباتوا يعيشون مخاوف من تفشي الوباء، والذي قد يتسبب في إعدام جماعي". ويلفت صبلوح إلى أن "السجناء انتفضوا أكثر من مرّة خلال الأسابيع الماضية، للمطالبة بإقرار قانون العفو العام، ولن يتراجعوا، خصوصاً بعدما لاحظوا كيف أن دول العالم تتعاطى إنسانياً مع السجناء في ظلّ كورونا، وتسارع إلى اتخاذ التدابير والإجراءات التي تحميهم، على عكس ما يحصل معهم".
في المقابل، تصطدم الموافقة على السير بمشروع قانون العفو العام، بغية إقراره، بثلاثة "فيتوهات". ويضع الفيتو الأول "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية، والذي ضغط لسحب المشروع من خلال وزير العدل السابق المحسوب عليه سليم جريصاتي بعدما كان اقترب من الحل قبيل الانتخابات النيابية عام 2018. ويرفض باسيل بالدرجة الأولى العفو عن أي موقوف ومتورط في قتل عسكريين في الجيش اللبناني، وتجار المخدرات، في حين سعى مرّات عدّة لأن يشمل القانون حوالي خمسة آلاف شخص من العائلات اللبنانية التي فرّت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 2000 (تعاملت مع الاحتلال الإسرائيلي)، والذين وضعهم باسيل في خانة "المبعدين قسراً".
من جهته، يسعى "حزب الله" إلى أن يطاول مشروع القانون مروجي وتجار المخدرات، ومن بينهم نوح زعيتر (من أكبر تجار المخدرات في لبنان، والمطلوب بأكثر من 80 قضية جنائية وأمنية، والذي تربطه علاقة مميزة مع الحزب). وكان زعيتر، قد أطلّ بمؤتمر صحافي قبل أيام، طالب فيه بالبت في مشروع قانون العفو العام وإقراره. كما طلب عقد لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، مهدداً أيضاً بالتصعيد في حال عدم السير بالمشروع.
في المقابل، يضع "حزب الله" فيتو على الإسلاميين المتشددين في تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، وخصوصاً أحمد الأسير (المتهم بأحداث عبرا - جنوب لبنان، التي اندلعت عام 2013 بين الأسير وأنصاره، والجيش اللبناني). مع العلم أن عناصر من حزب الله شاركوا في المواجهات ضد الأسير يومها.
أما رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، مدعوماً من دار الفتوى، فيصرّ على أن يشمل مشروع القانون الموقوفين الإسلاميين (أوقفوا منذ سنوات بتهم عدّة من دون أن تصدر بحقهم أحكام قضائية بعد) تنفيذاً لوعودٍ كثيرة أطلقها لأهاليهم، ولا سيما قبل انتخابات عام 2018 النيابية، وهو ما يسعى إليه أيضاً الرئيس حسان دياب لكسب الشارع السُني الفاقد الثقة به حتى الساعة. ويريد دياب أن يحقق ما عجز عنه رئيس الحكومة السابق. كما يضع الحريري الفيتو الأكبر على خروج الوزير السابق ميشال سماحة (اعتقل عام 2012 بعدما اتهم بالتخطيط مع رئيس جهاز أمن النظام السوري اللواء علي مملوك ومدير مكتبه (الذي عرف باسم العقيد عدنان)، لنقل متفجرات من سورية بهدف تفجيرها وقتل شخصيات لبنانية. وأصدرت محكمة التمييز العسكرية حكماً عام 2016، قضى بسجن سماحة 13 عاماً مع الأشغال الشاقة وتجريده من حقوقه المدنية).
وتنفي مصادر مقربة من وزارة العدل لـ"العربي الجديد"، أن يشمل أي قانون عفو إطلاق سراح سماحة، لأنه سيصدر باستثناءات تشمل المدانين والمتهمين بمواد إرهابية ونقل متفجرات وقتل عسكريين وتجارة المخدرات وغيرها، كما لن تتخطى مدة المحكومية المتبقية للسجين الأشهر الستة بحدها الأقصى.
في هذا السياق، يستبعد المحامي صخر الهاشم، وهو وكيل الدفاع عن سماحة، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن يطاول العفو موكله في حال تمّ وضع الاستثناءات على مشروع القانون، كما يرى صعوبة في إقرار قانون عفو سواء أكان عاماً أم حتى خاصاً في الفترة الراهنة، لعدم التوصل بعد إلى صيغة ترضي جميع الأفرقاء السياسيين. وبالنسبة إليه، فإن الحل الأنسب برأيه تخفيض السنة السجنية إلى ستة أشهر، وبهذه الحالة يستفيد سماحة الذي تبقّت على انتهاء محكوميته سنتان.
وتتعزز مخاوف اللبنانيين من تمرير صفقات جديدة من خلال مشروع العفو الخاص، خصوصاً بعد فضيحة إطلاق سراح العميل اللبناني الأميركي عامر الفاخوري في 16 مارس/آذار الماضي، ومن ثم مغادرته لبنان عبر السفارة الأميركية في بيروت بعد ثلاثة أيام، على الرغم من قرار منع السفر الصادر بحقه. وتكمن الخشية من أن تستكمل هذه الصفقة بإخراج عملاء آخرين، بحجة إقرار العفو الخاص ممن شارفت محكوميتهم على الانتهاء.