09 نوفمبر 2024
لبنان.. لتلافي قبرشمون جديدة
كاد لبنان أن يعود إلى لعبة الدم يوم الأحد الماضي، بعد إشكالٍ مسلّح في منطقة قبرشمون، في قضاء عاليه (جنوبي بيروت). إشكال أودى بحياة شخصين وجرح آخرين. يعود السبب إلى زيارة رئيس تكتل "لبنان القوي"، وزير الخارجية، جبران باسيل، المنطقة، والتي سبقتها خطابات وُصفت بأنها "تنكأ الجراح". لم يكن الاشتباك بين المسيحيين والدروز، كما جرت العادة في فترات متباعدة بين عامي 1840 و1990، بل بين الدروز أنفسهم، وهو ما سمح، في مكانٍ ما، في تدارك الأمر وحصره على الفور. الاشتباك المسلّح في لبنان بين مذهبين أو طائفتين يعني حرباً أهلية، أما الاشتباك بين أبناء الطائفة نفسها فـ"فتنة سريعة". طبعاً، في كل الحالات، يسقط ضحايا لا يرون لاحقاً كيفية اتفاق قياداتهم التي دفعتهم إلى الاشتباك، وقد يكون الاتفاق عشاء جامعا برعاية طرف ثالث، أو خلوة لدى القيادة الدينية للطائفة المعنية. هذا لبنان، لم يتغيّر كثيراً في تركيبة نظامه، وإن تبدّل الأشخاص.
ما حصل في قبرشمون فتح الأبواب أمام جملة تساؤلات مثل: هل خرج اللبنانيون فعلا من حربهم الأهلية (1975 ـ 1990)؟ هل يصدّق الشباب المولود بعد الحرب أنها ليست لعبة، بل مساحة عنيفة تسمح بفقدان أعضاء جسمك في حال لم تُقتل؟ طبعاً، في حالة الجنون لا أحد سيقف لحظة ويفكّر. هذا ما اختبرناه في أكثر من 25 جولة عسكرية بين حيين متجاورين في مدينة طرابلس الشمالية، في السنوات الماضية. المؤثرات الصوتية، من خطابات زعماء الحرب وأمرائها، وأغاني المليشيات، كفيلة بتزخيم السيطرة على عقول الشباب التّواقين للحرب، لاعتقادهم أنها "حل نهائي" لكل المشكلات، من دون الإدراك أنها سبب في نشوء مشكلات أخرى. أسست حرب لبنان لممارسات سلطوية غير عادلة، برعاية سورية ـ سعودية ـ أميركية، بموجب اتفاق الطائف (1989) الموقّع لإنهاء الحرب. ورسّخت هذه الممارسات أدوار حاكم وحيد وأوحد، وهو "الفساد" الذي تشاركه جميع من حكموا. "الفساد" الذي رافق استقلال 1943 بات ديكتاتور مرحلة ما بعد 1990.
لنقف لحظة ونفكّر: ماذا بعد قبرشمون؟ لنستعن بمشهد من الجزء الأول من فيلم "العرّاب"، حين جمع زعيم إحدى العائلات ـ المافيات، رئيسي عائلتين متقاتلتين، وتمّ الاتفاق، في حينه، على تجاوز كل الأحداث، وتحديد مناطق النفوذ ونوعية الأعمال، لينتهي اللقاء باحتضان رئيسي العائلتين بعضهما بعضاً، وسط تصفيق كل من كانوا في القاعة. مشهد يحاكي الحقيقة اللبنانية. السلوك السلطوي اللبنانوي مافياوي. لا أحد يريد تصديق هذا الأمر، ولكنه واقعي وحقيقي. تستخدم السلطة كل اللغات الممكنة، من طائفية ومناطقية وسياسية وعنصرية، فقط لتكريس وجودها، ولديمومة دورة اقتصادها الخاص، القائم على العصبيات.
لكم أن تتخيلوا لو سقطت زعاماتهم جميعاً، وبات الاهتمام منصبّاً فقط على معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. كم قد يتغير الكثير. لن يبقى سلاحٌ بيد شخص واحد، ولا مبرّر لنشوب حربٍ من أجل توسع نفوذ زعيم أو مخاوف آخر. قلّة فقط يدركون أن ما يفعله مسؤولو هذه البلاد، وقدرتهم السريعة على إشعال حربٍ، مغطّى من المؤسسات الدينية التي تعتبر أن تمدّدها أو ديمومتها، مستمدّة بدورها من الخلافات التي لا تنتهي. واليوم الذي ينقل اللبنانيون أنفسهم، من حالة التبعية لأمير حرب أو سياسي نحو دولة علمانية حقيقية، سيرون فيه أن 99% من مشكلاتهم قد انتهت، وتبقى الـ1% المتمحورة حول كيفية محاسبة من سطا على أموالهم وسرق ممتلكاتهم وحوّل أموال الضرائب إلى حساباته المصرفية في لبنان والخارج.
يريد بعضُهم استمرار هذا المسار، لكونه يعتاش منه، صحافياً كان أو سياسياً أو رجل دين. وهو ما يضعنا أمام "قبرشمون" جديدة في كل لحظة مستقبلية، مع التهديد بعودة العنف الدموي، اللغة التي يعشقها أمراء الحرب وزعماؤها.
لنقف لحظة ونفكّر: ماذا بعد قبرشمون؟ لنستعن بمشهد من الجزء الأول من فيلم "العرّاب"، حين جمع زعيم إحدى العائلات ـ المافيات، رئيسي عائلتين متقاتلتين، وتمّ الاتفاق، في حينه، على تجاوز كل الأحداث، وتحديد مناطق النفوذ ونوعية الأعمال، لينتهي اللقاء باحتضان رئيسي العائلتين بعضهما بعضاً، وسط تصفيق كل من كانوا في القاعة. مشهد يحاكي الحقيقة اللبنانية. السلوك السلطوي اللبنانوي مافياوي. لا أحد يريد تصديق هذا الأمر، ولكنه واقعي وحقيقي. تستخدم السلطة كل اللغات الممكنة، من طائفية ومناطقية وسياسية وعنصرية، فقط لتكريس وجودها، ولديمومة دورة اقتصادها الخاص، القائم على العصبيات.
لكم أن تتخيلوا لو سقطت زعاماتهم جميعاً، وبات الاهتمام منصبّاً فقط على معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. كم قد يتغير الكثير. لن يبقى سلاحٌ بيد شخص واحد، ولا مبرّر لنشوب حربٍ من أجل توسع نفوذ زعيم أو مخاوف آخر. قلّة فقط يدركون أن ما يفعله مسؤولو هذه البلاد، وقدرتهم السريعة على إشعال حربٍ، مغطّى من المؤسسات الدينية التي تعتبر أن تمدّدها أو ديمومتها، مستمدّة بدورها من الخلافات التي لا تنتهي. واليوم الذي ينقل اللبنانيون أنفسهم، من حالة التبعية لأمير حرب أو سياسي نحو دولة علمانية حقيقية، سيرون فيه أن 99% من مشكلاتهم قد انتهت، وتبقى الـ1% المتمحورة حول كيفية محاسبة من سطا على أموالهم وسرق ممتلكاتهم وحوّل أموال الضرائب إلى حساباته المصرفية في لبنان والخارج.
يريد بعضُهم استمرار هذا المسار، لكونه يعتاش منه، صحافياً كان أو سياسياً أو رجل دين. وهو ما يضعنا أمام "قبرشمون" جديدة في كل لحظة مستقبلية، مع التهديد بعودة العنف الدموي، اللغة التي يعشقها أمراء الحرب وزعماؤها.