أشرقت الشمس وكأنها تحيط خصر الكون بذراعيها لتعانقه، نظر هاري نحو الشروق شارداً وكأن الشمس لم تشرق في عينيه بعد والكون ما زال في قبضة الظلام، أخرجته كلمات ستوريا من شروده فنظر إليه طالباً منه أن يُعيد ما قاله مرة أخرى.
ستوريا: كُنت أقول "انهض وامسك بيدي فقد حان الوقت للذهاب إلى ألمانيا"، أمسك هاري بيد العجوز وهو يعلم وجهته جيداً، يعلم أن ألمانيا هي محطته المقبلة.
شعر هاري بدوار من السرعة التي تولى بها ستوريا زمام الأمور، ولم يستفق من دواره سوى على صوت جماهير بروسيا دورتموند تُهلل وتحتفل بهدف مهاجمها التشيكي يان كوللر في الغريم البافاري بايرن ميونيخ.
هاري: اااه هذا المهاجم طويل القامة، أتذكره جيداً كنت من معجبيه عندما بدأت مشاهدة كرة القدم، كنت أشاهد مباريات منتخب التشيك لأراه هو وبافل نيدفيد.
مر الشوط الأول من دون أحداث تُذكر، بدأ الشوط الثاني وتعادل البايرن ثم أضاف الثاني وانتصف الشوط وأنهى بروسيا تبديلاته الثلاثة، وما إن دخل ثالث تبديلات دورتموند إلى أرض الملعب إلا وأشهر الحكم البطاقة الحمراء في وجه ليمان حارس مرمي البروسيا، مرت ثوانٍ من الصمت والحيرة، الكل في الملعب يعلم أن دورتموند أنهى تبديلاته والحارس البديل لن يخطو بأقدامه أرض الملعب، وقبل أن تزداد حيرة الجميع ظهر المهاجم يان كوللر كظهور الأبطال الخارقين في أفلام هوليوود، تفاجأ الجميع بكوللر يرتدي قميص ليمان وقفازيه ليذهب هو إلى المرمى ويحميه من هجمات البافاري بايرن ميونيخ، مهاجم دورتموند أصبح حارس مرماها الآن.
خرج أوليفر كان من مرماه يعطي التعليمات لرفاقه كيف يسجلون في مرمى يحرسه مُهاجم، يشرح لهم أين وكيف يسددون لاستغلال نقطة ضعف الخصم، فعندما تعلم أن من يقف في مرمى خصم هو "مهاجم" عليك أن تحاول أن تخرج من الملعب بنتيجة تاريخية لك، وفاضحة لخصمك، حاول البافاري أن يزيد عدد الأهداف، أطلق لاعبوه التصويبات من كل حدب وصوب ولكن كولر كان دائماً لها، تصدى كولر لكرات البايرن الخطيرة، لعل أبرزها الإنقاذ الرائع من الألماني مايكل بالاك، وقف الجميع بمن فيهم هاري يصفقون لكوللر الذي أظهر براعة في مركزه الجديد، فبرغم أن دورتموند خسر تلك المباراة إلا أن شباك كوللر لم تلمسها كرة واحدة حتى، كوللر حافظ على نظافة شباكه للنهاية.
وقف هاري غير مُصدق لما يحدث أمامه الآن، وجه حديثه إلى ستوريا قائلاً: أتمنى لو أرى ما ستقوله الصحافة الألمانية عن هذا الحدث وقبل أن يُنهي كلماته كان ستوريا قد أخرج له مجلة "كيكر" الألمانية التي تختار الفريق المثالي للدوري الألماني بعد انتهاء كل جولة من البوندزليجا، المفاجأة لم تكن وجود كوللر في تشكيل الفريق المثالي، بل وجوده على رأس التشكيل كأفضل حارس مرمى لتلك الجولة.
فرد الظلام أجنحته على السماء فلم يعد للنور وجود، أمعن هاري النظر مرة أخرى ليتحقق مما يراه، القمر غير مُكتمل، لكنه على وشك الاكتمال.
نظر خلفه ليسأل ستوريا كم من الوقت مر عليهم وهم غارقون في رحلتهم، وكيف لم يكتمل القمر إلى الآن، لكن ستوريا لم يكن موجوداً، لم يكن هناك سوى صور لاعبيه المفضلين المُعلقه خلف فراشه، وساعة الحائط إلى جانبه تدق لتعلن أن يوماً جديداً قد بدأ.
نظر إلى الساعة وهو يجهل تماماً ما يحدث حوله، العقارب تُشير إلى الثانية عشر صباحاً، يعاود النظر أمامه مرة أخرى ليجد صورته تطل عليه من المرآة مُبتسمة، حملق هاري في شبحه المبتسم أمامه، في أقل من ثانية كان هاري قد فهم أن كُل ما مر به لم يكن سوى حلم، هو نفسه لا يعلم لماذا فعل ذلك، بتلقائية شديدة وجد نفسه يغمض عينه ويتمتم "أتمنى لو كُنت موجوداً في كل العصور الكروية تلك، أتمنى لو كنت عاصرت كل هؤلاء النجوم وعرفت حكاياتهم وسمعت قصصهم ورأيت بعيني ما كانوا يفعلونه بالكُرة أتمنى فقط!
(مصر)