أظهرت العملية التي يقوم بها النظام وروسيا في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، أن المدنيين يدفعون ثمناً باهظاً يكلفهم حياتهم وممتلكاتهم، في سبيل تنفيذ سيناريوهات نهاياتها إما محسومة ومتفق عليها سلفاً بين الدول المتحكمة بالمشهد السوري أو تأتي تجسيداً لخلافات بين تلك الدول، فيتم استخدام العناصر السورية كوسائل للضغط من قبل أحد الأطراف الدولية على الجانب الآخر، بدون أن يكون للعناصر المسلحة السورية أية مشاركة أو حتى علم بتفاصيل الاتفاقات والتفاهمات ولا حتى بطبيعة الخلافات بين الدول المتحكمة بقرارهم.
عملية جنوب إدلب بدأت بتصعيد عسكري على خلفية اجتماع أستانة الأخير بين ضامني مناطق خفض التصعيد، قادت خلاله روسيا وبدعم من إيران، عناصر النظام بحملة تدمير مركزة استهدفت منطقة خفض التصعيد الرابعة. استُخدمت سياسة الأرض المحروقة عبر آلاف الغارات الجوية التي دمرت مدن وبلدات المنطقة تدميراً شبه كامل كبلدة كفرنبودة، التي ألقى عليها طيران النظام 200 برميل متفجر خلال يومين، في حين صمت الضامن التركي وبدأ بحشد العناصر السوريين الممولين من قبله على حدود تل رفعت في ريف حلب الشمالي، الأمر الذي بدا وكأنه مقايضة بين الضامنين تسكت في إطارها تركيا عن تمكين النظام من جنوب إدلب وشمال حماة، في حين تغض روسيا الطرف عن سيطرة فصائل المعارضة المدعومة تركياً على مدينة تل رفعت، ضمن سيناريو بدا وكأنه متفق على كل تفاصيله وحتى حدود المناطق المسموح لقوات كل طرف بالوصول إليها. وبالتالي بدت المعارك البرية التي تخاض وكأنها أشبه بالديكور الذي لا بد منه من أجل الايحاء بأن تلك المناطق لم يتم تسليمها بشكل طوعي وإنما سقطت خلال مواجهات، فتحولت تلك المعارك المحسومة النتائج إلى لعبة قتل دون جدوى، يمولها الضامنون الدوليون، وينفذها العسكر من فصائل معارضة ونظام من السوريين ويدفع ثمنها المدنيون في المناطق التي تقرر أن تكون ساحات لها، إذ خلفت آخر معركة مئات القتلى وألاف الجرحى ومئات الاف المشردين وأدت إلى تدمير مدن وبلدات بشكل كامل.