لعبة يابانية في الرغبة والغيرة والموت

12 ابريل 2015
( منشورات الجمل، 2015)
+ الخط -
ليست مذكرات، تلك التي قرر الزوج الخمسيني كتابتها في مطلع السنة الجديدة عن علاقته الجنسية بزوجته المحافظة التقليدية، لتتبعه الأخيرة -السيدة "إكوكو"- بالفعل ذاته. ليست مذكرات، وإنما رسائل يهربها أحدهما للآخر، بعد أن أغلق الصمت الطريق بينهما، بكثير من التواطؤ بدأ عندما أبقى الزوج مفتاح درج طاولة الكتابة الذي يبقي فيه مذكراته في متناول يد زوجته، آملا أن تعثر عليه، واستمر بقبول الزوجة الإشارة ودخولها لعبة الكتابة تلك، ثم امتد ليطاول بقية أفراد الأسرة الصغيرة، ويطاول قارئ الرواية أيضًا، إذ يقبل بنصف فرضية من هنا، وأخرى من هناك، ويمضي متصفحًا الرواية التي تتنقل ما بين مذكرات الزوج ومذكرات الزوجة في المنطقة غير الأكيدة، ما بين صدق الرواية والرغبة في تضليل قارئها أو إقناعه بأمر ما.

لم ير الزوج، كاتب المذكرات، زوجته عارية بالكامل قط، لأنها على امتداد عشرين عامًا من الزواج، لم تكن تسمح له برؤية أكثر من نصفها الأعلى، بل إنها ومع معرفتها بشغفه بقدميها، لم تكن تتركهما عاريتين قط، حتى في قيظ الصيف، ولم تكن تسمح له بتقبيلهما أثناء ممارسة الحب. إكوكو ترى أن زوجها غير قادر على إشباع رغبتها، وهو بدوره، يحمّلها بمحافظتها في ممارسة الحب وتقليديتها ذنب ذلك.

الزوج الذي لا يزال محتفظًا بحبه لزوجته، تدفعه رغبته بها، وبتحفيز دوافعه حيالها، إلى جعله يتغاضى عامدًا عن اهتمام يتزايد بينها وبين السيد وكيمورا خطيب ابنتهما توشيكو، جاعلا من ذلك الاهتمام محفزًا يثير غيرته، وشغفه بزوجته الأربعينيّة.

في المرة الأولى التي فقدت فيها إكوكو وعيها إثر الشراب، شرع زوجها في استكشاف خارطة جسدها بعينيه، ثم بممارسة ما يحلو له وما كانت تمنعه من فعله طول سنوات زواجهما العشرين، لم يكن الزوج أكيدًا من أن إكوكو نائمة بالفعل أو أنها تتظاهر بالنوم، فكتب في مذكراته: "أردتُ أن أكتشف إلى أي مدى ستدعني أفعل ذلك، لو أنها كانت تدّعي أنها مجرّد نائمة. لقد أردتُ أن أحرِجها حتى تستمر في التظاهر بالنوم إلى النهاية". لكن نصف اليقظة تلك لم يكن عبثاً، إذ حدث ما أجج اللحظة إلى غير رجعة، وما سيظل يحدث في كل مرة تفقد وعيها فيها ويحملها زوجها إلى الفراش، يقول الزوج في مذكراته عن تلك الليلة "ثم تسرّب اسم كيمورا من بين شفتيها. قالته بطريقة تشبه الدندنة الهاذية - بصوت واهن، واهن جدًا بالفعل- لكنها قالته بالتأكيد. لم أكن متأكدًا إن كانت تهذي حقاً، أم أنها كانت مجرد خدعة. هل كانت تحلم بأنها تمارس الجنس مع كيمورا، أم أنها تريد أن تقول لي كم أنها تشتاق إليه؟ لعلّها كانت تحذّرني بأن لا أهينها بهذه الطريقة مرة أخرى". أما إكوكو فقد كتبت عن تلك الليلة: "أدركتُ أنني حتى تلك اللحظة لم أعرف معنى المضاجعة الحقيقيّة".

إكوكو الماضية في المجازفة، بمجاراة رغبة زوجها، والاستجابة لرغبتها بكيمورا في آن، تعرف أن الثلاثة باتوا مربوطين إلى لعبة واحدة، تحولت من امرأة خجولة تقليدية إلى امرأة جريئة وعدوانية في الفراش، أكثر شبابا وعصرية حتى في ثيابها، فيما استحال زوجها إلى رجل متعب، يعاني مشكلات في النظر، ارتفاع حاد في ضغط الدم، وتنتابه نوبات دوار وإغماءات جراء إفراطه في استخدام المقويات، وممارسة الجنس، ثم فقدان مؤقت للذاكرة. هي ماضية في استعادة الشباب والحب، وهو مضى إلى جلطة أولى ثم جلطة ثانية ثم إلى الموت.
هل ذهب الزوج إلى الموت بنفسه أم أنه اقتيد إليه؟ لم يكن واضحًا، غير أن إكوكو كتبت في مذكراتها بعد موت زوجها: "لقد فعلت كل ما يمكنني أن أفعله لكي أثيره، لكي أجعله متهيجًا دائماً، لكي أرفع ضغط دمه أكثر وأكثر، حتى بعد إصابته بالجلطة الأولى، ظللت ألعب ألاعيبي الصغيرة لكي أثير غيرته".

الرواية التي اعتمدت المذكرات طريقها، أقحمتك بذلك في عمق الحكاية منذ البداية، فلا مقدّمات، ولا تعريف بالمحيط الاجتماعي والعائلي الذي أبقاه الكاتب ضيقًا، وأبقى عيني القارئ مصوبتين منذ البداية ناحية العمق. المذكرات أيضًا، كانت طريقًا للغة حكي بسيطة ومتخففة تشبه أصحابها، منحت النص طزاجة دائمة لا تشعر معها أن الرواية كتبت في خمسينيات القرن الماضي، كما ترك الحكي المتبادل ما بين مذكرات الزوج ومذكرات زوجته، مساحة للقارئ للاشتراك في اللعبة عبر إكمال الناقص ومقارنة الروايتين لاستخلاص معرفته وتفسيراته الخاصة، باعتباره شريكًا وليس متلصصًا إضافيًا وحسب!

الرواية التي لا تخلو من صراع جنسي وغيرة محمومة، وتنافس ومرض وموت، حافظت رغم هذا على سطح هادئ، واتسمت كما يتسم الأدب الياباني برقة في الأسلوب واللفظ، رغم تناولها لأكثر الأمور حساسية ودقّة.

(روائية وشاعرة بحرينية)
المساهمون