أتيتُ إلى تركيا هارباً من جحيم حرب الإبادة التي يشنّها نظامُ الأسد علينا نحن السوريين المطالبين بالحرية. وقد اخترت الإقامة في مدينة الريحانية في إقليم هاتاي لكونها قريبة من الحدود السورية، فأبقى على تواصل مع البلد والثورة، وفي الوقت نفسه يمكنني أن أتمتع بحياتي قليلاً، باعتبار أنّي أصبحت سائحاً رغماً عني.
ولكن يبدو أن بند السياحة لم يكن مناسباً، وربما كان عليّ أن أختار مدينة أنطاكية، أو إسطنبول، أو مرسين، أو أنقرة، ذلك أنني، بعد إقامتي في الريحانية ما يزيد عن أربعة أشهر، ومن خلال دقة الملاحظة التي أزعمُ أنني أتمتعُ بها، توصلتُ إلى اكتشاف غريب للغاية، وهو أنّ نساء هذه المدينة، المتزوجات منهن والصبايا العازبات، جميعهن، من دون استثناء، عاقلات، شريفات، محتشمات! فلم يصادف أن نظرَت إلي امرأةٌ ممن التقيتهن في الشارع، أو في المقهى، أو في السوبر ماركت، نظرة ذات مغزى...
وقد تعمدت، في بعض الأحيان، أن أُطيل النظر إلى إحدى النساء، وأرمق أخرى بنظرة ذات مغزى، وأُبحرَ في أعماق عيني ثالثة، ولكن... سرعان ما تخرج واحدتهن من الموقف من دون أن يحمر وجهُها، أو أن تكترث لنظراتي. وكنت أخاف، في بعض الحالات، من أن يتطور رد فعل المرأة إلى حالة هجومية، أو أن تستدعي بعض الرجال الذين يلوذون بها، فيتقدمون لتأديبي، ووقتها يسوء وضعي وتتبهدل سمعتي الثورية وغير الثورية.
ذكرت شيئاً عن هذا الانطباع ذات مرة، أمام مجموعة من الأصدقاء، وإذا بأحد الشبان ترتسم على وجهه ابتسامة عذبة... ثم تنحنح وقال لي: والله العظيم يا أستاذ خطيب... نحن نحبك ونحترمك.
قلت: عفواً، ما علاقة الحب والاحترام بهذا الحديث؟
قال: هل تسمح لي بتوضيح؟
قلت: تفضل.
قال: إن نساء هذه المدينة طبيعيات جداً، وهنَّ، من هذه الناحية لا يختلفن عن غيرهن من نساء العالم...
قلت: المقصد؟
قال: المقصد واضح يا أستاذ خطيب... إذا أردن أن ينظرن إلى أحد، نظرات ذات مغزى، فإنهن ينظرن إلينا نحن الشبان، ولا يمكن أن ينظرنَ إليك!