05 نوفمبر 2024
لماذا لا يقاطع العراقيون الانتخابات؟
يبدو أن فكرة مقاطعة الانتخابات لم تعد حكرا على العرب السنة في العراق، كما جرت العادة، فبعد 14 عاما من الاحتلال الأميركي، وبعد ثلاثة انتخابات برلمانية، وبعد أن وصل العراق إلى ما وصل إليه اليوم من فساد وبطالة وتبديد للثروات، فإن مقاطعة الانتخابات البرلمانية ومعاقبة النخبة الحاكمة باتت مطلبا شيعيا أيضا، ولعل أبرز ذلك في دعوة الداعية جواد الخالصي، والذي وصف من يذهب إلى الانتخابات في مايو/ أيار المقبل ليجرّب المجرب بأنه أحمق.
صحيح أن الخالصي عرف بمواقفه المناهضة للاحتلال الأميركي، والدعوة إلى التمسك بالوطنية ورفض الطائفية، إلا أنه لم يسبق أن وجه العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات بالطريقة التي نادى بها أخيرا، والتي وصفت بأنها دعوة جريئة، يمكن أن تقود إلى دعوات مماثلة من أطراف عراقية أخرى.
وقد استقر في مدارك أغلب العراقيين اليوم أن الانتخابات لا تجدي نفعا، وأن أي انتخاباتٍ جديدة إنما هي عملية لاستكمال مسيرة الفاسدين والقتلة والمأجورين، ممن تمكّنوا من رقاب العباد بعد أن حكموا البلاد، ولعل مشاهدة سريعة لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى القنوات العراقية غير الرسمية، تجعلك تتيقن من ذلك. وكان العراقيون قد شاركوا في ثلاثة انتخابات برلمانية، ظنا منهم أن التغيير يمكن أن يأتي عبر صناديق الاقتراع، كما أفهمتهم الولايات المتحدة ذلك، غير أنهم، في كل مرة، يُصابون بانتكاسةٍ أكبر وأبشع من التي سبقتها. وليس الكلام هنا عن لون عراقي معين، أو فئة دون أخرى، أو طائفة دون سواها، وإنما هو عن العراقيين بكل ألوانهم وعرقياتهم وطوائفهم.
الكل متفق على أن الانتخابات المقرّرة في مايو/ أيار المقبل لن تأتي بجديد، فالوجوه نفسها التي تربعت على عرش السلطة والفساد منذ العام 2003 هي نفسها التي ستعود إلى الواجهة مع تغييرات لن تغير في الواقع شيئا. ومن هنا يطرح السؤال الأهم: لماذا لا يفكر العراقيون بمقاطعة الانتخابات؟ تبدو الفكرة غير مشجعة بالنسبة لبعض من يبحثون عن التغيير، وما زالوا يعتقدون أن هذا التغيير يجب أن يأتي عبر صناديق الاقتراع. وفي تناقض عجيب، يؤكد هؤلاء أنفسهم أن الانتخابات لا تجلب أي تغيير للعراق، لأنها تعيد إنتاج الوجوه نفسها.
إن خروج شخصية شيعية كبيرة، مثل الشيخ جواد الخالصي، ليدعو العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات تحمل بين طياتها كثيرا من بوادر رفض شعبي كبير، خصوصا وأن الوجوه السياسية، حتى التي حظيت بشعبية كبيرة، مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، اتضح أنها غير قادرة على الخروج من جلباب الطائفية والحزبية، وبدت متخطبةً في تحالفاتها الانتخابية، وغير قادرة على الحسم.
مقاطعة الانتخابات فعل سياسي لا يختلف عن المشاركة فيها. ومن هنا، ستكون الدعوة إليها ذات فعل سياسي مؤثر، وقادر على أن يقلب الطاولة على رؤوس الساسة وأحزابهم ومن يدعمهم، فلا أحد يمكن أن يجبر مواطنا على الذهاب إلى الانتخابات. أما من يتحدث عن إمكانية تزوير الأصوات، فأعتقد أن النتيجة بالمشاركة أو عدمها ستكون واحدة، لكن المقاطعة الشعبية الكبيرة في ظل التغطية الإعلامية الكبيرة التي سترافق الانتخابات ستكون واضحة، وستكون فاضحة لكل القوى والأحزاب السياسية في العراق الذي يعاني اليوم من أزماتٍ كبيرة، فمع الانتهاء من حقبة "داعش" التي استنزفت المال والرجال ثلاث سنوات، فإن آفة الفساد المستشري لا يبدو أنها قابلة للحل، فمع دخول العراق العام 2018 يكون مجمل ما خصص من ميزانيات منذ العام 2003 قد تجاوز ألف مليار دولار، لا يبدو أنها وجدت طريقها إلى حياة المواطن العراقي العادي، في وقت تضخمت أرصدة ساسة ومسؤولين وحتى أحزاب، بل حتى دول تعين العصابة الحاكمة في بغداد على البقاء.
وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام، فإن نسبة البطالة في العراق تجاوزت 40%، في حين أن المبالغ التي يفترض أن تخصص لإعادة إعمار المناطق المحرّرة من "داعش" لا تجد طريقها إلى هذه المدن بفعل الفساد المستشري، وهو ما دفع دولا كثيرة إلى الإحجام عن المساهمة في الإعمار أو اشتراط أن تكون هناك جهة أخرى غير الحكومة تتولى إعادة الإعمار.
العراقيون اليوم يحتاجون فعلا جمعيا يستعيدون فيه زمام المبادرة، ويقفون بالند من تلك الأحزاب، وساستها الذين عاثوا في البلاد فسادا، فقد طفح الكيل، ولم يعد هناك من عراقي يثق حتى برجال الدين، وفي مقدمتهم المرجعية الشيعية في النجف، الداعم الأول للعملية السياسية من خلال فتاواها، والتي باتت، هي الأخرى، غير مقدسة عند المواطن الذي لم يقدسه أحد، وهذا أول بوادر التغيير.
صحيح أن الخالصي عرف بمواقفه المناهضة للاحتلال الأميركي، والدعوة إلى التمسك بالوطنية ورفض الطائفية، إلا أنه لم يسبق أن وجه العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات بالطريقة التي نادى بها أخيرا، والتي وصفت بأنها دعوة جريئة، يمكن أن تقود إلى دعوات مماثلة من أطراف عراقية أخرى.
وقد استقر في مدارك أغلب العراقيين اليوم أن الانتخابات لا تجدي نفعا، وأن أي انتخاباتٍ جديدة إنما هي عملية لاستكمال مسيرة الفاسدين والقتلة والمأجورين، ممن تمكّنوا من رقاب العباد بعد أن حكموا البلاد، ولعل مشاهدة سريعة لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى القنوات العراقية غير الرسمية، تجعلك تتيقن من ذلك. وكان العراقيون قد شاركوا في ثلاثة انتخابات برلمانية، ظنا منهم أن التغيير يمكن أن يأتي عبر صناديق الاقتراع، كما أفهمتهم الولايات المتحدة ذلك، غير أنهم، في كل مرة، يُصابون بانتكاسةٍ أكبر وأبشع من التي سبقتها. وليس الكلام هنا عن لون عراقي معين، أو فئة دون أخرى، أو طائفة دون سواها، وإنما هو عن العراقيين بكل ألوانهم وعرقياتهم وطوائفهم.
الكل متفق على أن الانتخابات المقرّرة في مايو/ أيار المقبل لن تأتي بجديد، فالوجوه نفسها التي تربعت على عرش السلطة والفساد منذ العام 2003 هي نفسها التي ستعود إلى الواجهة مع تغييرات لن تغير في الواقع شيئا. ومن هنا يطرح السؤال الأهم: لماذا لا يفكر العراقيون بمقاطعة الانتخابات؟ تبدو الفكرة غير مشجعة بالنسبة لبعض من يبحثون عن التغيير، وما زالوا يعتقدون أن هذا التغيير يجب أن يأتي عبر صناديق الاقتراع. وفي تناقض عجيب، يؤكد هؤلاء أنفسهم أن الانتخابات لا تجلب أي تغيير للعراق، لأنها تعيد إنتاج الوجوه نفسها.
إن خروج شخصية شيعية كبيرة، مثل الشيخ جواد الخالصي، ليدعو العراقيين إلى مقاطعة الانتخابات تحمل بين طياتها كثيرا من بوادر رفض شعبي كبير، خصوصا وأن الوجوه السياسية، حتى التي حظيت بشعبية كبيرة، مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي، اتضح أنها غير قادرة على الخروج من جلباب الطائفية والحزبية، وبدت متخطبةً في تحالفاتها الانتخابية، وغير قادرة على الحسم.
مقاطعة الانتخابات فعل سياسي لا يختلف عن المشاركة فيها. ومن هنا، ستكون الدعوة إليها ذات فعل سياسي مؤثر، وقادر على أن يقلب الطاولة على رؤوس الساسة وأحزابهم ومن يدعمهم، فلا أحد يمكن أن يجبر مواطنا على الذهاب إلى الانتخابات. أما من يتحدث عن إمكانية تزوير الأصوات، فأعتقد أن النتيجة بالمشاركة أو عدمها ستكون واحدة، لكن المقاطعة الشعبية الكبيرة في ظل التغطية الإعلامية الكبيرة التي سترافق الانتخابات ستكون واضحة، وستكون فاضحة لكل القوى والأحزاب السياسية في العراق الذي يعاني اليوم من أزماتٍ كبيرة، فمع الانتهاء من حقبة "داعش" التي استنزفت المال والرجال ثلاث سنوات، فإن آفة الفساد المستشري لا يبدو أنها قابلة للحل، فمع دخول العراق العام 2018 يكون مجمل ما خصص من ميزانيات منذ العام 2003 قد تجاوز ألف مليار دولار، لا يبدو أنها وجدت طريقها إلى حياة المواطن العراقي العادي، في وقت تضخمت أرصدة ساسة ومسؤولين وحتى أحزاب، بل حتى دول تعين العصابة الحاكمة في بغداد على البقاء.
وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام، فإن نسبة البطالة في العراق تجاوزت 40%، في حين أن المبالغ التي يفترض أن تخصص لإعادة إعمار المناطق المحرّرة من "داعش" لا تجد طريقها إلى هذه المدن بفعل الفساد المستشري، وهو ما دفع دولا كثيرة إلى الإحجام عن المساهمة في الإعمار أو اشتراط أن تكون هناك جهة أخرى غير الحكومة تتولى إعادة الإعمار.
العراقيون اليوم يحتاجون فعلا جمعيا يستعيدون فيه زمام المبادرة، ويقفون بالند من تلك الأحزاب، وساستها الذين عاثوا في البلاد فسادا، فقد طفح الكيل، ولم يعد هناك من عراقي يثق حتى برجال الدين، وفي مقدمتهم المرجعية الشيعية في النجف، الداعم الأول للعملية السياسية من خلال فتاواها، والتي باتت، هي الأخرى، غير مقدسة عند المواطن الذي لم يقدسه أحد، وهذا أول بوادر التغيير.