اختُرعت آلة التصوير الضوئي في فرنسا سنة 1839، وقد تأخّرت أقدم اللقطات الفوتوغرافية للمعالم المصرية حتى نهايات القرن التاسع عشر. قبل ذلك التاريخ، كان دور الرسّامين كبيراً في نقل معالم البلدان عبر رسوماتهم الدقيقة ولوحاتهم التفصيلية. وقد كان المستشرق والفنان لويجي ماير Luigi Mayer أحد أولئك الموهوبين الذين ذاع صيتهم قبل عصر الصورة الفوتوغرافية.
أنتج ماير (1755-1803) العديد من المراجع المصوّرة الضخمة عن الشرق الأدنى وخاصة فلسطين ومصر والنوبة، وتوجد نسخ من مؤلفاته في "مكتبة أوفرستون" Overstone Library. وهو من مواليد ألمانيا، لكنه عاش سنوات عدة في روما، حيث تتلمذ على يد جيوفاني باتيستا بيرانيزي (1720 – 1778)، أحد أبرز فناني عصره.
جرى توظيف ماير من قِبل السفير البريطاني لدى الدولة العثمانية روبرت أينسلي، وهو الذي كان على علاقة جيدة بالسلطان عبد الحميد الحريص من جهته على العلاقات مع بريطانيا في بداية عهده. هذه العلاقة الجيدة أتاحت للفنان فرصةً كبيرة للتنقل داخل الإمبراطورية والتعرّف عن قرب على دواخل شؤونها. وكان أينسلي من هواة جمع التحف والآثار العثمانية والبيزنطية والقطع النقدية القديمة من شمال أفريقيا وأوروبا الشرقية والشرق الأدنى، واللوحات المرسومة والتي كلّف ماير بالكثير منها.
نُسخت أعمال ماير وتم تجميعها في ثلاثة مجلدات تحت عناوين: "نظرات في مصر" (1801)، و"نظرات في فلسطين" (1802)، و"نظرات في الإمبراطورية العثمانية وخاصة في كارامانيا" (1803). وقد نشرت تلك المؤلفات في لندن بعد عودة أينسلي إلى بلاده وبرفقته لويجي ماير. في عام 1804، أتيحت المجلدات الثلاثة في كتاب واحد كبير، تحت عنوان "نظرات في مصر وفلسطين وأجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية".
كان "نظرات في مصر" هو الجزء الأول من الموسوعة المصوّرة، وربما كان الجزء الأجمل لاحتوائه على الصور الأكثر لفتاً للانتباه. احتوى الجزء على 102 من الصفحات النصّية التي تقدّم وصفاً للتاريخ والجغرافيا والهندسة المعمارية والملابس والآثار والناس في مصر، مع وصف تفصيلي للعادات وطريقة اللباس في ذلك العصر.
في إحدى اللوحات التي يتضمّنها الكتاب، تُظهر لوحة عموداً رفيعاً قائماً في سط برج مستدير، ويقع بين الجيزة والقاهرة، وتُظهر اللوحة رجلاً يجلس بجوار العمود ليقرأ قياس النيل، وآخرين في االطابق العلوي للبرج يتابعون الأمر عن كثب. ويوضح الشرح بجوار اللوحة في الكتاب أن المقياس في وسط بئر، ويستخدم لقياس ارتفاع المياه في النيل خلال الفيضانات الدورية. ومن هذا المقياس يتم تحديد مستوى الضرائب المفروضة على الناس من قبل السلطة، اعتماداً على حجم خصوبة الأرض تبعاً لذلك القياس.
كانت حملة نابوليون على مصر قد ألهبت خيال البريطانيين حول كنوز مصر، وأدّى الأمر لرواج كتاب ماير حتى أصبح الأكثر مبيعاً في دور النشر البريطانية، كما أعيد طبعه عدة مرات لتلبية الطلب المتزايد، وشملت الطبعة الأولى صورة لويجي ماير نفسه على الغلاف.
من الصور اللافتة في هذا المجلد، تلك التي تصوّر الأهرامات المصرية بالجيزة من الداخل والخارج، والمواقع المحيطة بها من العصور القديمة. يظهر استخدام متقن للضوء والظلّ في تصوير المصريين وهم يتسلقون ويستكشفون الآثار عبر الممرات والغرف الأثرية الموجودة تحت الأرض باستخدام المصابيح والمشاعل. وينقل التصوير الشعور بالغموض والتعجّب الذي تثيره الآثار ومستكشفوها في قلوب المشاهدين. ويصف النص المرافق للصورة بشكل مفصّل قياسات الأهرامات وغرفها والتوابيت، والحجج والتصوّرات المختلفة المحيطة بقياسات الهياكل وطريقة بناء الأهرامات.
لوحة أخرى تصوّر تمثال أبي الهول، وتصفه بأنه منحوتة خيالية من الصخور الصلبة له رأس امرأة وكفوف أسد وجسد كلب. ويشير ماير إلى كتابات المؤرخ الروماني بليني الذي كتب أنه في زمانه كان هناك ممر سري بين أبي الهول وأحد الأهرامات، حيث يمكن للكاهن أن يصعد لرأس التمثال ويجيب على أسئلة وطلبات المتجمعين أسفل التمثال.
كما توجد مجموعة من الصور الاجتماعية المختلفة للمصريين يرافقها وصفٌ مفصّل لأنواع الملابس النموذجية في ذلك العصر، على سبيل المثال لوحة تمثل "بيك" مصري مع خادمه، ويشرح ماير معنى كلمة "بيك" بأنها مصطلح تركي يعني الأمير أو الحاكم. ونعثر أيضاً على صورة لبيك تركي حاكماً للمقاطعة باللباس العثماني والعمامة والعباءة. حيث يرتدي البيك ثوباً من الحرير وقفطاناً من القطن وشالاً هندياً مزيّناً بمشابك من الذهب.
وتتوالى اللوحات المصحوبة بالشرح لراقصات ومغنيات مصريات ("عوالم" و"غوازي") في الهواء الطلق على شاطئ النيل مع شرح لملابسهن وحليهن، ثم لوحة لعائلة فلاح مصري وامرأته تغسل الملابس في النهر وبجوارها طفلاها، وعلى بعد من تلك المرأة تظهر نساء تحمل كل منهن جرة ماء للشرب. ولوحة أخرى لـ"مملوك" على صهوة جواده يحمل عصا ويدرب الفرس أمام قصر مراد بيك في العاصمة المصرية القاهرة آنذاك.