27 سبتمبر 2024
ليبيا.. المبادرات تتجدد والاتفاق ينعدم
يرى المتتبع للشأن السياسي الليبي بكل وضوح كثرة التدخلات في الأزمة من الأطراف الخارجية التي تتدخل في شؤون البلاد السياسية، حيث تدفع دول إلى إرجاع حكم العسكر، وتدعم هذا الاتجاه بكل قوة، في حين أن دولا على النقيض من ذلك بدعمها الاستقرار نحو مسار الوفاق، والمتمثل عند كثيرين في اتفاق الصخيرات الموقع في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015، غير أن هذا الاتفاق لم يكن واقعاً على الأرض، على الرغم من مرور أكثر من عامين على توقيعه، لأن من وقَّع عليه وأوجده من الأطراف الليبية لم يستطيع أن ينفذ بنوده ولو جزئياً، حيث رأته أطراف كثيرةٌ فاعلة على الأرض من اليوم الأول غير فاعل، ولا يمكن أن يحل الأزمة التي تعصف بالبلاد، فما كان من الأطراف السياسية الداخلية بعدها إلا اللجوء إلى مبادراتٍ داخليةٍ محضة، في محاولة للتقريب بين الطرفين، غير أنها كلها باءت بالفشل، بفعل فاعل داخلي أو خارجي، لتتعدّد بعدها المبادرات بين الفينة والأخرى، داخلية وخارجية.
جديد هذه المبادرات مبادرة فرنسية تدعو إلى عقد مؤتمر دولي في خصوص الأزمة الليبية في باريس اليوم (29/5/2018)، من دون تحديد ملامح هذه المبادرة، أو بنودها، وما إذا كانت تأتي ضمن اتفاق الصخيرات المجمع عليه دولياً في حل الأزمة؟ أم أنها إطار جديد للحل، بعيداً عن الإجماع الدولي والبعثة الأممية في ليبيا، والمتمثل في اتفاق الصخيرات؟ أسئلة تتردد، ولا إجابة وافية عليها، إلا القول إنها مبادرة لحل الأزمة الليبية، بحضور شخصيات ليبية، وممثلين
عن الدول الكبرى ودول الجوار. وتقول مصادر إعلامية إن 16 دولة ستتمثل في المؤتمر، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وروسيا والصين وتركيا، والجزائر ومصر وتونس والنيجر والإمارات وقطر والمغرب، بحسب صحيفة العربي الجديد.
ومن هنا يتضح أن الدول الداعمة اتفاق الصخيرات ستحضر المؤتمر، فلا يقل أهمية عن سابقه. ولكن عند النظر والتمعن، يتبين أن الدول المدعوة قد لا يكون لها وجود حقيقي فيه بامتياز، حيث هناك دول أوروبية تذهب إلى القول إنها مبادرة خاصة من قصر الإليزيه، بالتعاون مع مصر والإمارات، وبدون أي تنسيق مع تلك الدول الأوروبية، والتي قد لا تدعم المؤتمر، سيما أنها ترفض أي مبادرة خارج الأمم المتحدة. ومن جهةٍ أخرى، هناك أيضاً من دول الجوار من يتخوف من المؤتمر، ويحذّر من محاولة (فرض) تسوية سياسية غير ممثلة لجميع الأطراف الداخلية، بل وتذهب إلى القول إن الليبيين وحدهم من يحدّد مسارات حل الأزمة الداخلية. في إشارة إلى أن من يدعم طرفا ويقويه لا يمكن أن يكون وسيطاً فاعلاً لحل الأزمة، قبل أن يقدم ضمانات فعلية على الأرض بكفّ تدخله ودعمه أحد طرفي النزاع.
وعند الرجوع إلى نصوص المبادرة الفرنسية، والتي نشرت "العربي الجديد" بعض بنودها، نرى أنها من اثني عشر بنداً:
أولاً: "توحيد مؤسسات الدولة السيادية، وإنهاء كل المؤسسات الموازية للإدارات الرئيسية"، وهذا ما دعت إليه جميع المبادرات الداخلية قبل الخارجية، بل حدد اتفاق الصخيرات صفة المؤسسات المختلف فيها، وفصَّل لكل ماهيته وعمله، وهذا ما لم يكن واقعا على الأرض. وبالتالي فإن تنفيد هذا البند ليس مبنيا على اتفاق، بقدر ما هو فعل على الأرض، لا يمكن أن يوجد إلا بحلٍّ للأزمة من جذورها.
ثانياً: "إعادة فتح دورة جديدة لتسجيل الناخبين في منظومة الانتخابات لفترة إضافية مدتها 60 يوماً". وهنا خلل كبير، لا يمكن أن يأخذ به ساسةُ يريدون مصلحة البلاد، لأمرين لا ثالث لهما: أن المفوضية العليا للانتخابات جهة مستقلة، لا يمكن أن تكون طرفا في الأزمة. وأنها لم تفتأ تذكر وتكرّر أنها على أتم الاستعداد لإجراء انتخابات في البلاد، وأن سجلها جاهز لذلك. وعلى النقيض من ذلك أيضا حيث لم تُشر إلى ضعفٍ في سجل الناخبين من ناحية التسجيل، خصوصا أنها حدّثته قبل مدة قصيرة. الأمر الثاني أن من يقرّر إعادة فتح تسجيل الناخبين هو المفوضية العليا للانتخابات والحاجة الفعلية لذلك. وبالتالي، هذا البند خطير يجب أن يتم التوقف عنده مليّاً قبل تمريره.
ثالثاً: "حثّ الأطراف على الاعتراف بالدستور الذي وضعته هيئة صياغة الدستور أساسا لأي كيان للدولة وسيادتها". وهذا لب مفتاح الأزمة الليبية، بغض النظر عن هذا الدستور الذي وضعته الهيئة، أو حتى بإجراء تعديلات فيه، غير أن هناك من الأطراف من يرفض هذا البند بكل قوة، ويذهب إلى عرقلته بكل ما أوتي من قوة. وبالتالي، لا تتغير النتيجة، إلا إذا كانت هناك حسابات أخرى لدى دولة المبادرة على الطرف الرافض لذلك، فذلك شأن آخر.
رابعاً: "الاتفاق على إجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2018، بناءً على جدول زمني تعلن عنه البعثة الأممية، وبإشرافٍ من المفوضية العليا للانتخابات وحكومة الوفاق الوطني". نادى بالانتخابات كثيرون في داخل البلاد، من أجل حل هذه الأزمة، ولكن الريب في هذه النقطة أن تعلن عنها الأمم المتحدة، وتضع جدولا زمنيا لها! وهذا لا يستساغ لدولة كاملة السيادة، فالأوْلى بهذه المهمة الأجسام التشريعية في البلاد، في إطار اتفاقٍ يوضع لهذا الشأن بين طرفي الأزمة داخل البلاد.
خلاصة القول إن المبادرة الفرنسية ولدت ميتة، ونجاحها في حلحلة الأزمة الليبية بعيد المنال، خصوصا أن أطرافا فاعلة على الأرض رفضت الدعوة المقدمة إليها لحضور المؤتمر جملةً وتفصيلاً، وهذا من مؤشرات النجاح أو الفشل لهذه المبادرة، وكفى.
جديد هذه المبادرات مبادرة فرنسية تدعو إلى عقد مؤتمر دولي في خصوص الأزمة الليبية في باريس اليوم (29/5/2018)، من دون تحديد ملامح هذه المبادرة، أو بنودها، وما إذا كانت تأتي ضمن اتفاق الصخيرات المجمع عليه دولياً في حل الأزمة؟ أم أنها إطار جديد للحل، بعيداً عن الإجماع الدولي والبعثة الأممية في ليبيا، والمتمثل في اتفاق الصخيرات؟ أسئلة تتردد، ولا إجابة وافية عليها، إلا القول إنها مبادرة لحل الأزمة الليبية، بحضور شخصيات ليبية، وممثلين
ومن هنا يتضح أن الدول الداعمة اتفاق الصخيرات ستحضر المؤتمر، فلا يقل أهمية عن سابقه. ولكن عند النظر والتمعن، يتبين أن الدول المدعوة قد لا يكون لها وجود حقيقي فيه بامتياز، حيث هناك دول أوروبية تذهب إلى القول إنها مبادرة خاصة من قصر الإليزيه، بالتعاون مع مصر والإمارات، وبدون أي تنسيق مع تلك الدول الأوروبية، والتي قد لا تدعم المؤتمر، سيما أنها ترفض أي مبادرة خارج الأمم المتحدة. ومن جهةٍ أخرى، هناك أيضاً من دول الجوار من يتخوف من المؤتمر، ويحذّر من محاولة (فرض) تسوية سياسية غير ممثلة لجميع الأطراف الداخلية، بل وتذهب إلى القول إن الليبيين وحدهم من يحدّد مسارات حل الأزمة الداخلية. في إشارة إلى أن من يدعم طرفا ويقويه لا يمكن أن يكون وسيطاً فاعلاً لحل الأزمة، قبل أن يقدم ضمانات فعلية على الأرض بكفّ تدخله ودعمه أحد طرفي النزاع.
وعند الرجوع إلى نصوص المبادرة الفرنسية، والتي نشرت "العربي الجديد" بعض بنودها، نرى أنها من اثني عشر بنداً:
أولاً: "توحيد مؤسسات الدولة السيادية، وإنهاء كل المؤسسات الموازية للإدارات الرئيسية"، وهذا ما دعت إليه جميع المبادرات الداخلية قبل الخارجية، بل حدد اتفاق الصخيرات صفة المؤسسات المختلف فيها، وفصَّل لكل ماهيته وعمله، وهذا ما لم يكن واقعا على الأرض. وبالتالي فإن تنفيد هذا البند ليس مبنيا على اتفاق، بقدر ما هو فعل على الأرض، لا يمكن أن يوجد إلا بحلٍّ للأزمة من جذورها.
ثانياً: "إعادة فتح دورة جديدة لتسجيل الناخبين في منظومة الانتخابات لفترة إضافية مدتها 60 يوماً". وهنا خلل كبير، لا يمكن أن يأخذ به ساسةُ يريدون مصلحة البلاد، لأمرين لا ثالث لهما: أن المفوضية العليا للانتخابات جهة مستقلة، لا يمكن أن تكون طرفا في الأزمة. وأنها لم تفتأ تذكر وتكرّر أنها على أتم الاستعداد لإجراء انتخابات في البلاد، وأن سجلها جاهز لذلك. وعلى النقيض من ذلك أيضا حيث لم تُشر إلى ضعفٍ في سجل الناخبين من ناحية التسجيل، خصوصا أنها حدّثته قبل مدة قصيرة. الأمر الثاني أن من يقرّر إعادة فتح تسجيل الناخبين هو المفوضية العليا للانتخابات والحاجة الفعلية لذلك. وبالتالي، هذا البند خطير يجب أن يتم التوقف عنده مليّاً قبل تمريره.
ثالثاً: "حثّ الأطراف على الاعتراف بالدستور الذي وضعته هيئة صياغة الدستور أساسا لأي كيان للدولة وسيادتها". وهذا لب مفتاح الأزمة الليبية، بغض النظر عن هذا الدستور الذي وضعته الهيئة، أو حتى بإجراء تعديلات فيه، غير أن هناك من الأطراف من يرفض هذا البند بكل قوة، ويذهب إلى عرقلته بكل ما أوتي من قوة. وبالتالي، لا تتغير النتيجة، إلا إذا كانت هناك حسابات أخرى لدى دولة المبادرة على الطرف الرافض لذلك، فذلك شأن آخر.
رابعاً: "الاتفاق على إجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2018، بناءً على جدول زمني تعلن عنه البعثة الأممية، وبإشرافٍ من المفوضية العليا للانتخابات وحكومة الوفاق الوطني". نادى بالانتخابات كثيرون في داخل البلاد، من أجل حل هذه الأزمة، ولكن الريب في هذه النقطة أن تعلن عنها الأمم المتحدة، وتضع جدولا زمنيا لها! وهذا لا يستساغ لدولة كاملة السيادة، فالأوْلى بهذه المهمة الأجسام التشريعية في البلاد، في إطار اتفاقٍ يوضع لهذا الشأن بين طرفي الأزمة داخل البلاد.
خلاصة القول إن المبادرة الفرنسية ولدت ميتة، ونجاحها في حلحلة الأزمة الليبية بعيد المنال، خصوصا أن أطرافا فاعلة على الأرض رفضت الدعوة المقدمة إليها لحضور المؤتمر جملةً وتفصيلاً، وهذا من مؤشرات النجاح أو الفشل لهذه المبادرة، وكفى.