بين حوار الأطراف السياسية في ليبيا وتمدّد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تبقى الأزمة الليبية تراوح مكانها، خاصة أنّ المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، عجز حتى الآن عن طرح خارطة طريق من شأنها أن تقرّب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في البلد الأفريقي الملتهب، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول".
ورغم رفض بعض الأطراف المتنازعة في ليبيا، واشتراطات بعضها الآخر، بشأن مسوّدة الاتفاق السياسي الأخيرة التي طرحها ليون، إلا أن الأخير أعلن في نهاية جولة حوار في الجزائر الخميس الماضي أن "الوضع الأمني في ليبيا حساس في ظل توسع داعش"، مضيفاً "لقد وجهنا نداءً حول ضرورة توقيع اتفاق سياسي لتجاوز الأزمة".
وكان "المؤتمر الوطني العام" قد أعلن رفضه للمسوّدة الأخيرة، وخيّر مجلس النواب المنعقد في طبرق تعديل بعض النقاط، ما يجعل المسوّدة الجديدة المنتظرة محلّ تساؤل، حول ما إذا كانت تلبي رغبات أطراف النزاع في ليبيا.
ويبدو أن ليون نفسه يدرك ذلك، إذ قال في مؤتمر صحافي عقب اجتماع الجزائر "إن المفاوضات لم ولن تكون سهلة، لكنه تم إحراز تقدم كبير، خاصة بالتأكيد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية"، موضحاً أنه "ستكون هناك ورقة أخرى أو مسودة للاتفاق السياسي في الأيام القادمة بعد تعديل الورقة الحالية بناءً على ما تم تقديمه من مقترحات".
وطرحت المسودة الأخيرة، ثلاث نقاط، الأولى تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، ومجلس رئاسي من شخصيات مستقلة، والثانية: اعتبار مجلس النواب (في طبرق) الهيئة التشريعية ويمثل جميع الليبيين، والثالثة: تأسيس مجلس أعلى للدولة، ومؤسسة حكومية، وهيئة صياغة الدستور، ومجلس الأمن القومي، ومجلس البلديات.
ويبدو أنّ الأزمة في ليبيا لا يمكن حلّها انطلاقاً من تحديد الجهة الشرعية وإنما هي مسألة توافقات، بمعنى أن تدفع الأطراف المتنازعة نحو مجموعة من التوافقات يلتقي حولها الجميع، أما في حال تمسك أطراف النزاع حول الشرعية فإنّ مبادرة ليون ستشهد انتكاسة أخرى.
كما أن إصرار اللواء خليفة حفتر، قائد عملية "الكرامة" العسكرية المدعومة من مجلس النواب في طبرق، على رفضه الحوار بين الأطراف السياسية، قد يعيق أي حلّ توافقي، خاصة أنّه يبحث عن تثبيت قدمه على رأس المؤسسة العسكرية التي قد تكون نقطة اختلاف بين الأطراف السياسية. ويحاول طرفا النزاع في ليبيا تحسين شروط التفاوض عن طريق تحقيقهم تفوّقاً عسكرياً، وهي حقيقة أصبح يدركها كل الفاعلين السياسيين في ليبيا والخارج، فقد أكّد ليون في وقت سابق أن "لا حلّ عسكري في هذا البلد، حيث الفصائل الكثيرة المنتشرة فيه قويّة بما يكفي للدخول في الحرب، لكنها أضعف من أن تتمكن من الانتصار فيها".
اقرأ أيضاً: ليون: مقترحات أخيرة لإنهاء الأزمة في ليبيا
وقد جعل طول الصراع والعمليات العسكرية غير الحاسمة غالبية الأطراف الليبية والدولية تقتنع أنّ الصراع لن يحسمه أيّ طرف لصالحه بصفة قطعية، نظراً لانقسام الشعب الليبي بين مؤيد لقوات "فجر ليبيا" المنبثقة عن "المؤتمر الوطني العام"، وعملية "الكرامة" التي يقودها حفتر.
وفي نفس الإطار، فإنّ توسع تنظيم "داعش" في عدد من المدن الليبية أصبح يشكّل عائقاً كبيراً أمام حلّ الأزمة في ليبيا، وإعادة الاستقرار في هذا البلد، بعد أربع سنوات من سقوط نظام معمر القذافي.
فبعد تحوّل مدينة درنة إلى معقل لعدد من التنظيمات المتشددة التي تحمل نفس الخط الفكري لـ"داعش"، سقطت مدينة سرت التي تتضمن ميناء وقاعدة "القرضابية" الجويّة التي تعد أكبر قاعدة عسكرية ليبية موجودة في سرت بعد انسحاب قوّات "فجر ليبيا"، وأصبح للتنظيم مجال حيوي يتحرك فيه لينقل عمليّاته إلى مدينة مصراتة، إضافة لاستهدافه مقار للسفارات والبعثات الدبلوماسية في العاصمة طرابلس في وقت سابق.
وكانت حكومة الإنقاذ المنبثقة عن "المؤتمر الوطني العام"، قد دعت فيه "ضباط وضباط الصف والجنود التابعين لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، ولوزارة الداخلية وكافة الأجهزة الأمنية وثوار السابع عشر من فبراير من جميع المدن إلى النفير العاجل"، لمواجهة "داعش" في ليبيا.
في المقابل طالبت الحكومة المؤقتة المدعومة من مجلس النواب المنعقد في طبرق المجتمع الدولي بالتدخل لمنع سيطرة "داعش" على المدن الليبية والمنشآت النفطية، فيما تواصل التشكيلات المسلّحة التابعة لقوات حفتر عمليّاتها في بنغازي ضدّ مجلس "شورى ثوّار بنغازي"، وسط اتهامات بأنّها تغافلت عن بقية المدن التي يسيطر عليها "داعش".
ويبقى ملف "الإرهاب"، وتنامي المخاطر التي يمثّلها "داعش" في ليبيا وتداعياته على دول الجوار، وبلدان المتوّسط، من أهم الملفات التي يمكن أن تسرّع في إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، وتشهد مدينة الصخيرات بالمغرب، غداً الإثنين جولة جديدة للحوار الليبي.
اقرأ أيضاً: متحاورو ليبيا في الجزائر يدعون للإسراع في حكومة الوحدة