ما كان للصمت الغربي أن يستمر طويلاً إزاء الهجمات الجوية على مواقع عدة في العاصمة الليبية طرابلس، بعدما أعلنت كل من الأمم المتحدة وإيطاليا وفرنسا وحلف شمال الأطلسي عدم مسؤوليتهم عن قصف هذه المواقع.
ولم يكن تأكيد مسؤولين أميركيين، الأول من أمس، وقوف الامارات ومصر وراء هذه الهجمات، بالمفاجئ. حتى قبل انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 في مصر، ووصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة، احتضنت الإمارات رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، محمود جبريل، طوال تأسيسه الحزب، وحتى بعدما فشل في الوصول أو الحصول على مناصب حساسة في الدولة، كتولّيه حقيبة رئاسة الوزراء، أو تولّي المقربين منه ملفات الاستخبارات ومصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة، وقيادة الأجهزة الأمنية ذات الطابع الاستخباراتي.
وأفادت معلومات بأن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، شكّل غرفة عمليات خاصة في ليبيا يترأسها القيادي المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان يساعده فيها محمد اسماعيل، أحد أبرز المستشارين الأمنيين لسيف الإسلام القذافي، وذلك لتولي إدارة الدور الاماراتي في ليبيا.
وسُرّبت معلومات عن مساهمة الإمارات في تمويل تظاهرات "جمعة إنقاذ بنغازي" في سبتمبر/أيلول 2012 ضد كتائب الثوار، عن طريق رجل الأعمال الليبي، صاحب قناة "ليبيا أولاً"، حسونة طاطانكي، والتي انتهت بتفكيك كتائب الثوار التي كانت تحفظ أمن بنغازي، وظهور موجة من الاغتيالات طالت عسكريين ومدنيين وإعلاميين عُرف عنهم انتماؤهم الى ثورة فبراير/شباط 2011.
واستطاعت الإمارات عن طريق حزب جبريل وغيره من حلفائها، استجلاب الذين عُرفت عنهم مواقف إقصائية ضد تيار الإسلام السياسي، كسفير ليبيا في الإمارات، عارف النايض، والملحق العسكري في السفارة الليبية سالم جحا. وجاء الدور المصري في ليبيا متأخراً عن الإماراتي، تحديداً بعد انقلاب عام 2013، وتشكيل حلف ساهم بشكل كبير في تمويل حركتي اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، اللتين وصفتا بالانقلابيتين.
لذلك، لم يكن تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" ليضيف شيئاً كثيراً لدى قطاعات واسعة من الليبيين تلمّست الدور الإماراتي ــ المصري في ليبيا منذ وقت طويل، بقدر ما كان لتأكيد الانخراط الاماراتي ــ المصري بشكل رسمي في ضرب مواقع تابعة لثوار ليبيين في الشرق والغرب.
إلا أن محللين ليبيين يستبعدون أن يكون توجيه ضربات جوية مشتركة بين مصر والإمارات في ليبيا من دون علم الإدارة الأميركية، مشيرين إلى طريقة شهيرة في الولايات المتحدة، هي إنكار الرئيس الأميركي لما تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي من عمليات.
ويؤكد هؤلاء أن أي عمل عسكري في مناطق نفوذ الولايات المتحدة لا يمكن أن يكون من دون تنسيق استخباراتي أميركي، وأن ما قاله المسؤولون الأميركيون لـ"نيويورك تايمز" من أن الإدارة الأميركية لم يكن لها دور في العملية أو علم على الأقل جاء خشية توجيه ضربات للمصالح الأميركية.
في أقل من أسبوع في أواخر شهر أغسطس/آب الجاري، قصفت طائرة حربية مواقع عسكرية عدة تابعة لما يعرف بفجر ليبيا في العاصمة الليبية طرابلس. وقال مصدر عسكري في قوات "فجر ليبيا": إن القذائف التي تم جمعها من مكان القصف تفيد بأن القذائف نوع (ام كا 82) وهي قذيفة موجهة بالليزر أميركية الصنع يجري استخدامها من طائرات "اف 16"، "أف 15"، و"أف 18". وبالنسبة إلى طائرات "اف 18" و"اف 15" فليست موجودة إلا لدى الجيش الأميركي. أما "اف 16" فتمتلكها مصر والسعودية والإمارات.
وأضاف المصدر أن التقديرات تشير إلى أنه قد تم توريد هذه الطائرة من الإمارات مفككة في حاويات في شحن جوي ربما تم إنزالها في مطار الزنتان أو غدامس، وتجميعها داخل ليبيا.
كمذلك يشير محللون عسكريون إلى أن الضربات كانت دقيقة، وأصابت مخازن الذخيرة الخاصة بالأسلحة الثقيلة واستهدفت مقار غرفة التحكم والسيطرة لقوات "فجر ليبيا"، وهذا يتطلب عملاً استخباراتياً متطوراً، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن القوة التدميرية للغارة محدودة، وهو ما يرجح لديهم أن الضربات كانت من طائرات ليبية قديمة تمت صيانتها وتطويرها في دولة بيلاروسيا، لكن من دون علم السفارة الليبية هناك، إذ إن الملحق العسكري في السفارة الليبية لديها، من مدينة مصراتة.
في المقابل، أشارت مصادر عسكرية إلى أن طائرات إماراتية موجودة في مصر هي التي نفذت هذه الغارات.