"دع كلاب الحرب تنطلق"، هكذا كتب جمهور ليستر على "التيفو" التشجيعي قبل انطلاق القمة أمام إشبيلية، في ربط رائع بين الأدب وكرة القدم، باستعارة واحدة من أشهر مقولات شكسبير على لسان أحد أبطاله، مارك أنطونيو يقول ليوليوس قيصر عبر الرواية الشهيرة، لنحرق الأخضر واليابس وندع الكلاب تنطلق نحو الحرب، والكلاب هنا لا تعني الحيوانات بل الجنود الأشداء الذين يجيدون فعل أي شيء من أجل النصر.
هكذا حاول الإنكليز الشد من أزر لاعبيهم، والربط بين شكسبير الأصلي وشكسبير التقليد مدربهم الجديد، بعد إقالة كلاوديو رانييري، ليفعلها حامل لقب البرمييرليغ ويتخطى عقبة فارس الأندلس عبر قمة استحوذت على اهتمام الجميع في يوم حافل بدوري الأبطال.
العودة إلى الأصول
لم يأت كريج شكسبير بأي جديد، هو فقط أعاد البوصلة إلى موقعها الرئيسي، واستعاد البدايات التي أتقنها كلاوديو رانييري طوال الموسم الماضي، من خلال الرهان على رسم 4-4-2 الضيق، وتقليل الفراغات قدر المستطاع في وبين الخطوط، مع عودة ثنائي الهجوم إلى العمق في الحالة الدفاعية، للتحول إلى طريقة 4-6-0 بعدم تواجد أي لاعب من ليستر في نصف ملعب الخصم، وتقارب الخطوط إلى أقصى درجة ممكنة من دون الكرة، كل هذا لإغلاق مركز اللعب تماماً أمام المنافس، وإجباره على اللعب وفق التقاليد الإنكليزية.
استخدم المدرب من أجل ذلك الياباني أوكازاكي في قلب الهجوم بجوار فاردي، لأنه ليس بمهاجم صريح من الأساس، بل لاعب متحرك في الثلث الأخير فقط، ليعود باستمرار إلى المنتصف ويتحول إلى لاعب وسط ثالث أمام ثنائي المحور، بينما يبقى جيمي بالقرب من منطقة جزاء إشبيلية، للضغط المتواصل على حامل الكرة، وحرمان الأندلسيين من الميزة التي يتفننون في إتقانها، ألا وهي البناء المنظم للهجمة من الخلف إلى الأمام، بالاعتماد على قلبي الدفاع ونزونزي بينهما، لكن وجود فاردي عبر قناة الاتصال، عامل قلل كثيراً من الخروج السلس بالكرة تجاه الدائرة.
وبمجرد الحصول على الكرة، تبدأ المهمة الثانية لأصحاب الأرض في لعب الكرات الطولية، ونقل الهجمة سريعاً إلى منطقة إشبيلية، ومن ثم محاولة قطع التمريرة الثانية التي تلي ألعاب الهواء، وإيصالها سريعاً إلى ألبرايتون أو محرز، الثنائي الذي يجيد الاحتفاظ بخط سير الهجمة، واقتناص المخالفات في مناطق خطيرة من الملعب بالتعاون مع فاردي، دون نسيان أهمية نديدي في الارتكاز، اللاعب الشاب الجديد الذي أضاف قوة حقيقية في المنتصف، وعوض جزء ولو بسيط من رحيل كانتي، بسبب اندفاعه البدني ومجهوده في قطع الكرات وحماية زميله درينكوتر أمام رباعي الدفاع.
خطايا سامباولي
صنع جورجي سامباولي حالة تكتيكية مختلفة هذا الموسم في أوروبا، المدرب صاحب الكاريزما الواضحة والمؤمن بقدراته حتى النهاية، والرجل الذي خلق شكلاً أفضل لإشبيلية سواء في الدوري أو عصبة الأبطال، برهانه على خطط لعب جريئة، ومرونته في الجمع بين أكثر من طريقة في المباراة الواحدة، بالإضافة إلى تغييراته التي قلبت أكثر من مباراة سابقة، لذلك وضع إشبيلية نفسه كفارس الرهان الثالث في الليغا، وكان قريباً بشدة من الصعود إلى ربع نهائي الشامبيونزليغ، لولا بعض الأخطاء الفردية وحالة سوء الحظ، وخطايا سامباولي أيضاً في مباراة الإياب.
من الصعب وضع كل اللوم على المدرب، كل شيء يتم حسمه بأدق التفاصيل في مثل هذه المواجهات، وبالعودة إلى مباراة الذهاب فإن إشبيلية أضاع فرصاً مؤكدة وسجل ليستر من نصف فرصة، كذلك في مباراة الإياب التي شهدت ضياع ضربة جزاء من نزونزي، بالإضافة إلى طرد نصري في توقيت حرج، مع الهدف الأول للفريق الإنكليزي من كرة ثابتة وتخبط داخل المنطقة، وبالتالي فإن أهداف ليستر في الذهاب والإياب جاءت عكس سير اللعب، إلا أن لقاء العودة يندرج تحت مسمى، كان في الإمكان أفضل مما كان.
بدأ جورجي المباراة بتشكيل خاطئ تماماً، إراحة فرانكو فاسكيز وعدم البدء بالثنائي ماريانو ولينغليت في قلب الدفاع، أمور أثرت بالسلب على طريقة لعب الإسبان، فاللاعب الإيطالي قوي في التحرك بين الخطوط، بينما الثنائي الآخر ممتاز في عملية الخروج بالكرة من الخلف يميناً ويساراً، وبالتالي بدأت المشاكل الهجومية بطريقة التمركز أثناء الدفاع، كما يقول أستاذه بييلسا دائما، "عندما لا تسجل، ركز أولاً على خط دفاعك، بكل تأكيد ستجد مشكلة في البناء من الخلف".
الإجابة
يكمن سر قوة إشبيلية مع سامباولي في كون هذا الفريق تخطى مرحلة رد الفعل ليبدأ الفعل من الأساس، وتحول تدريجياً من الإجابة على مجريات المباراة، ليصبح جزءاً رئيسياً من السؤال المكتوب، بمعنى أنه يبادر دائماً ويجبر الخصم على اللعب وفق قوانينه الخاصة، لكن في مباراة الأبطال، لعب إشبيلية كما يريد ليستر وليس العكس، بالاعتماد على الكرات الطولية، ولعب العرضيات في كل وقت، واللجوء إلى الصراعات البدنية العنيفة بالقرب من منطقة الجزاء.
وضع سامباولي لاعبه ميركادو في قلب الدفاع لأنه فكر أولاً في حماية مرماه من الكرات الثابتة، ليضحي بماريانو الرائع هجومياً في أول 45 دقيقة، وتمركز إيبورا بجوار نزونزي للسيطرة على الكرة الثانية بعد الهواء، ليفقد الفريق لاعباً مميزاً بقيمة فرانكو فاسكيز في وبين الخطوط، من أجل تحرير نصري أكثر، وزيادة الفعالية الهجومية خلف المهاجم بن يدر ثم يوفيتيتش، وبالتالي لعب ميركادو أول شوط فقط، بينما ظهر إيبورا بشكل ضعيف حتى نهاية المباراة.
كثرت العرضيات بين لاعبي إشبيلية، ودخل الفريق في صراع بدني محسوم لصالح الفريق الإنكليزي البارع في هذا الجانب، ليسجل مورغان أول هدف من كرة ثابتة، ويضيف ألبرايتون الهدف الثاني من تسديدة بعد كرة طائشة داخل منطقة الجزاء، إنها قواعد اللعبة المتعارف عليها في إنكلترا، التي تتسم بالفوضى وعدم النظام في كل شيء، هذا ما سعى شكسبير إلى إيجاده، لكن كل شيء اكتمل بعد وقوع إشبيلية في الفخ، والموافقة على اللعب بهذا الأسلوب.
الثنائي الجزائري
تحسن إشبيلية بعض الشيء بعد دخول كوريا، لأنه ساهم في إعادة الاتصال المفقود بين نصري ونزنزي في العمق، وجعل فريقه يعود إلى أبجديات اللعب التموضعي، بسحب الخصم إلى اتجاه معين خلف خطوط ضغطه بالتمريرات المتبادلة، ومن ثم قلب اللعب كاملاً إلى الاتجاه الآخر بحثاً عن اللاعب الحر البعيد عن الرقابة، في أغلب الأوقات كان هذا اللاعب هو إسكوديرو أو ماريانو، بسبب وجود غابة من السيقان داخل منطقة الجزاء تحيط بيوفيتيتش ورفاقه.
رغم كل أخطاء إشبيلية وانخفاض مستوى نجومه، إلا أن الفريق كان قريباً بشدة من العودة خلال ضربة جزاء نزونزي، لكن مع تصدي شمايكل لها انتهى كل شيء تقريباً خصوصاً مع طرد نصري. ويُحسب لفريق ليستر هدوؤه وبسالته دفاعياً، من خلال عودة الجناحين لمساندة الظهيرين، وقيام رياض محرز بدور محوري في التحول المفاجئ من الدفاع إلى الهجوم، مستخدماً سرعته ومهارته في الاحتفاظ بالكرة، لذلك جاءت معظم هجمات ليستر المضادة عن طريق اللاعب الجزائري، الذي عرف كيف يخفف الضغط على فريقه، ويضعه باستمرار في المكان الصحيح داخل الملعب.
سليماني هو الآخر قدم نصف ساعة مثالية، لأنه لعب تحت المهاجم الصريح وليس في الأمام، وكأنه نصف لاعب وسط ونصف رأس حربة، على مقربة من الارتكاز وليس بعيداً عن فاردي، ليكون بمثابة همزة الوصل بين الهجوم وبقية خطوط الفريق في خطة ليستر، بالإضافة إلى ميزته في الكرات الرأسية أثناء الضربات الحرة والركنيات لإشبيلية، وبالتالي لعب الثنائي الجزائري مباراة كبيرة وضعت ليستر على حافة المجد الأوروبي، بعد الصعود التاريخي إلى ربع النهائي، والتواجد وسط العظماء الثمانية في القارة العجوز.