كما شهد اللقاء حضوراً شعبياً كبيراً ومتنوعاً عبّر عن ثقته في النصر والحرية والديمقراطية والكرامة، وهو يردد، من حين لآخر، شعارات خالدة من بينها: "يسقط يسقط حكم العسكر"، "يسقط يسقط حكم السيسي" و"ثوار أحرار/ حنكمّل المشوار"، وشعارات باللغة الفرنسية.
وكان المحرك الرئيس لهذا اللقاء، الذي يأتي لاحتفال بمرور ثماني سنوات على ثورة 25 يناير، التركيز على وحدة المعارَضة، بكل أطيافها ومكوناتها، من أجل إسقاط الديكتاتورية، التي غدرت بأول نظام منتخب بشكل ديمقراطي في مصر الحديثة، وإعادة الديمقراطية إلى مصر.
وأكد الفقي في البداية، أنه "يجب ألا نستهين بأي جهد نبذله من أجل إعادة المسار الديموقراطي إلى مصر". واستشهد الفقي بـ"برنامج تلفزيوني لم يدم أكثر من ستين دقيقة، صار فيه هذا الديكتاتور المستبدّ كالعصفور المبلَّل، لأنه سارق وطن وسارق دولة، وسارق شرعية ومقدرات بلد، وليست له شرعية". وتساءل: "من كان يتصور أن برنامجاً مدته ستون دقيقة يفعل هذا؟". وأضاف: "منذ ثماني سنوات، جاءت الثورة المصرية كجزء من الربيع العربي، هذا الربيع الذي بدأ فصلاً مهمّاً في حياة المنطقة العربية". ورأى الفقي أن في "الشعب يريد إسقاط النظام" الجزء الأول أي "الشعب يريد" أهم من الجزء الثاني، لذلك كان أول انقضاض من القوى الأخرى، سواء من قوى الاستبداد المحلي أو الإقليمي أو قوى الاستغلال العالمي، "محاولة خطف الإرادة الشعبية".
وعرض الفقي وضعاً قاتماً لمصر بعد انقلاب السيسي، وقدم مثالاً عن انهيار عائدات السياحة، بشكل أسوأ مما كانت عليه سواء أثناء حكم المخلوع حسني مبارك أو عهد الرئيس المغدور به محمد مرسي.
وأكد أن "الاستبداد يُراد له أن يُوطَّنَ من جديد في المنطقة. وإن نتائج الصراع بين الإرادتين محسومة في نظري لكنها تحتاج إلى فكر واعٍ يقود الشعوب ورأي عالمي يُجبر الاستبداد على التوقف".
وأردف قائلاً: "نحن في الشعب يريد نحتاج إلى مراجعة ونقد ذاتي واقعي لتعديل المسار، وعلاج الأخطاء، نحتاج إلى تقوية البنيان وإلى التوحد لنتصدى لقوى الاستبداد". ووجّه نداءً إلى المصريين الذين يعيشون في أوروبا: "القيم الأوروبية هي الحرية والديمقراطية، حقوق الإنسان، قضيتكم قضية عادلة، تستطيعون أن تعبّروا عنها، وأن توصلوا أصواتكم، واعرضوا قضيتكم".
واعترف الفقي بـ"وجود تراجع في قوى الثورة وتشتُّتٍ أحياناً، وعدم وضوح الرؤيا أحياناً، وعدم وُجود مظلة جامعة، واحترام ميثاق الشرف، هناك تخوين وصوتٌ لا بد أن ينخفض، لا بد أن ينخفض، ولا تسمحوا لأحد يُعلي صوت الفرقة، أبداً، أن يكون له صوتٌ بينكم". وشدد على أن "الثورة بابٌ مفتوح ومستعد لاسترجاع من يريد أن يعود إلى صفوف الشعب، أهلاً به وسهلاً، لا بد أن نفتح هذه الأبواب، باب الثورة مفتوح لمن يريد أن يعود إلى مربَّع الثورة، ومربع الشعوب"، والمطلوب هو "إحياء فكرة يناير، البحث عن إطار يجمع شمل الكيانات وتنسيق الجهود، وعقد مؤتمر لذلك في أقرب وقت".
وعاد لتأكيد تضافر الجهود، إذ "يجب ألا يتصور أحد أن جهد خمس سنوات، من عمر الائتلاف قد ضاعت، أبداً، إنه جهدٌ متراكم لا يضيع، ويجب ألا نيأسَ، أبداً. فأنت صاحب قضية، وهذه القضية قضية قِيَم، عدالة وحرية وتنمية لشعبك وبلدك".
ثم تناول الكلمة سليمان، فأعلن تضامنه مع الصامدين في معتقلات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومع الرئيس الصامد، ومع كل المصريين الذين ضحّوا بحريتهم، بدمائهم وأهاليهم، والذين لا يزالون يرسلون رسائل مؤكدة وملحّة، بأنه "لا بد لثورة يناير أن تنتصر".
وأضاف: "بلدنا لا بد أن يعيش، ولما قامت ثورة يناير انطلقت شرارتها في كل المنطقة العربية، وهو ما يؤكد رغبة جامحة لدى كل الشعوب العربية في أن التغيير أصبح واقعاً". وأكد ضرورة "أن تبقى روح يناير بيننا، ولا تنتهي، صمود متبادل داخل معتقلات السيسي، وفي المنفى وفي الخارج، وخارج المعتقلات من أجل عودة يناير. عودة يناير، حتماً ستنتصر، رغم حرص الكثيرين على محو ثورة 25 يناير، ومن بينها شهادة مبارك الأخيرة، التي تزعم أن ما حدث كان عبارة عن تآمر من حماس وغزة على مصر. السيسي يريد أن يمحوها من الذاكرة". وشدد على "دور الأحياء، بصمودهم وحركتهم، في التأكيد على تواريخ رئيسية، ونحفرها بحروف من دم، لا يستطيع أحد أن يغيرها: ثورة 25 يناير، لن تموت، و3 يوليو كان انقلاباً دموياً غاشماً ضد الشعب، وأن الجيش المصري تورّط بجنرالات فاسدين، تسبّبوا في أن يقتل الجيشُ شعبَه".
وشدد المتدخل ذاته على ضرورة الاستفادة من الأخطاء التي ارتُكِبَت بعد الثورة، وهو ما يستلزم استعادة الوعي بروح يناير. وروح يناير "لازم ترجع إلى كل مصري". و"إن صمود المعتقلين وصمودكم حتى تحقق الثورة أهدافها، هو الطريق إلى النجاح. والوصول إلى الحُلم الذي نحلم به".
بدوره، شدد قنديل على أن الربيع العربي "ماثل بيننا الآن، وبهذه المناسبة أقف إجلالاً واحتراماً لثورة الشعب السوداني". وهذه الثورة في السودان تؤكد أن الربيع العربي لا يَصحّ أن نتحدث عنه باستخدام فعل كان، فهو ماثلٌ ويحيا بيننا، ويتحرك على الأرض، ونراه يتقدم". وأضاف: "كنت أهيئ نفسي للتعامل مع ذكرى الثورة، وكنت أشعر بالأسى، وأنا أتلفت يميناً ويساراً فأجد حالة من الرثاء، ومعظم من تحدَّث عن الثورة في السنة الماضية كان أقرب إلى المرثيات واللطميات، في جوّ كربلائي، أما هذا العام، ونحن نتابع احتفال المسلمين والعرب بثورة 25 يناير، نستطيع أن نقول إنها كانت ليلة عيد لثورة 25 يناير ولم تكن ذكرى". وهذا يعني، حسبه، أن "الربيع العربي عاد منتعشاً في بؤرة الحلم العربي، وفي الوجدان العربي، ولم يتحول بعدُ إلى مجرد ذكرى أو شيء نبكي عليه". واعتبر قنديل أن "الربيع العربي موجود، الآن، في السودان، وفي مصر، الداخل والخارج. والذين يميلون للقول بأن ثورة يناير مهزومةٌ، وأن الثورة انتهت وأن ثماني سنوات تمكَّنَ فيها الاستبداد، وأننا في النهاية، ليس صحيحاً على الإطلاق".
وتابع: "نستطيع القول إن ثورة يناير هزمت في حالة واحدة فقط، حين نجد الرئيس مرسي و60 ألف معتقل خارج السجن وفي مناصب داخل حكومة السيسي. في هذه الحالة فقط يمكن القول إن ثورة يناير هُزِمَت".
وأعاد التأكيد أن ثورة يناير باقية ومنتصرة. و"إن ما نحتاج إليه في العام الثامن للربيع العربي هو أن نتفق على رواية واحدة، وتاريخ واحد لما طرأ في ذلك العام"، و"لا نريد أن نترك هذه المرحلة نهباً للمنتَصرين الأوغاد الذين يكتبون تاريخاً مزيَّفاً. لا نريد أن نهزم هذه الثورة، في الذاكرة وفي الوجدان"، وتحدث عن الاحتفالية التي امتدت منذ يوم الخميس، حتى اليوم، في الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، فرأى أنها تعبر عن "وجود إيمان حقيقي لدى المواطن العربي والمصري بأن هذه الثورة تستحق منا ألا نعتبرها ذكرى، وألا نعتبر الربيعَ العربي ذكرى".
وفيما أشار قنديل إلى وجود إجماع كبير، في مصر والعالم العربي، على أن ثورة الربيع العربي هي الحل الوحيد لاستعادة الحرية والديمقراطية، تساءل: "كيف نترجم ذلك إلى واقع ملموس وإلى حركة تاريخية تسير إلى الأمام؟".
وأكد قنديل سعادته لمَلمَح أساسي، في احتفالات ثورة يناير لهذه السنة، وهو "انخفاض معدلات التخوين ومعدلات احتكار الصواب والحقيقة، بين الأطراف السياسية المُشاركة في ثورة 25 يناير.."، وهذا يعني "أننا بصدد إدراك جديد بأننا لا نملك، الآن، رفاهية الاشتباك حول أمور قُتلت بحثاً وقُتلتْ عراكاً، وثبت الدليل القاطع أنها لا تقدّم وإنما تؤخرنا".
وشدد قنديل على "ضرورة السموّ فوق الخلافات الصغيرة والتفصيلات الصغيرة، من أجل تعزيز اللحمة الوطنية، مجدَّداً"، لأن "ثماني سنوات أثبتت أنه لا أحد يستطيع بمفرده، ولا أحد يستطيع البقاء لمجرد البقاء على قيد الحياة، إذا مارس إقصاءً يشاركُ فيه هذه السلطةَ في حرب إبادة تشنّها على الجميع، سواء الذين يتمسكون بشرعية الرئيس مرسي، أو الذين يعارضون هذه السلطة وهذا الانقلاب، لأسباب أخرى".
وختم قنديل مداخلته بأنه "لم يَعُد الكلام عن الاصطفاف الوطني رفاهيةً، ولم يعد كلام مؤتمرات، وإنه بات ضرورة حياة، باتَ عنصراً لازِماً لكي يبقى هذا الشعب المصري على قيد الحياة".