في التاسع من الشهر الجاري، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في غزة، بعدما قصف الاحتلال مبنى مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم باثني عشرَ صاروخًا، مما سوّاه بالأرض. أقيمت هذه المؤسسة عام 1996 بتمويل خاص، وتسعى لنشر الوعي والثقافة، وتقدّم نشاطات وخدمات متنوعة للأفراد والجماعات بالتعاون مع المؤسسات العاملة في المجال ذاته لتحقيق التنمية المستمرة للمجتمع الفلسطيني في كافة مجالات العلم والثقافة، ومن أهم برامجها برنامج توثيق التاريخ الفلسطيني، كما تهدف المؤسسة إلى العمل على المُساهمة في نهضة المجتمع الفلسطيني ومساندته.
ما يعطي لمؤسسة المسحال قيمتها هو احتواؤها على مسرحٍ من أصل اثنين فقط في قطاع غزة، والذي افتتح عام 2004، ما جعل المؤسسة وجهة لجميع الفنانين في غزة لعرض أعمالهم فيها، من أدب وفن تشكيلي ومسرح، وكون المؤسسة خاصة فالتعامل معها أسهل ومتاح للجميع، أفرادًا كانوا أو مؤسسات.
ردود الفعل الناقمة والمتوحدة من الكل الفلسطيني في الوطن والشتات، أظهرت قيمة المكان الوجدانية والثقافية لديهم، فهم يعتبرون المكان جزءًا من حياتهم، جزءًا من ذاكرتهم التي لطالما أرادوا الرجوع إليها، أو إلى المكان نفسه.
اختلف تفاعل الفنانين مع الحادثة، وكل منهم عبر عنه بطريقته. تقول الشاعرة سُمية وادي: "لا أنسى الدعوة التي وصلتني للمشاركة بأمسية مطر النايات بعد أسبوع من زواجي في قاعة سعيد المسحال، وكنت أول الحاضرين، لأن هذا المكان له هيبةٌ وجمال لا يمكن تجاوزهما. هذه القاعة واحدة من اثنتين أو ثلاث يجد الشعراء متنفّساً لهم فيها في غزة، معنى ذلك أن نصف ذاكرة الشعر واللقاءات الأدبية قد نسفت بدمار هذا المبنى، وغيّب معها الكثير من اللوحات الفنية التي مزجت الموسيقى بالشعر والصورة والرقص في بعض الأحيان".
أما هند جودة، مديرة تحرير مجلة 28 الثقافية في غزة، التي شاركت في أكثر من فعالية في المسرح، فقالت: "حين نتحدث عن مؤسسة سعيد المسحال فإننا نتحدث عن مسرح ومنصة عرض وشاشة سينما وأروقة شهدت العديد من الورش والمعارض الفنية وحلقات التدريب على مختلف الفنون من تمثيل ودبكة ورسم وعروض لفرق موسيقية محلية بدأت بحناجر الهواة وانتهت بهم محترفين، لقد كانت مؤسسة المسحال إحدى طرق غزة الواضحة والمسموعة والأكثر شعبية ونشاطاً وأناقة لعرض فنونها وإبداع مبدعيها، هذا المكان كان بالنسبة لي يعني كما يعني لكل زملائي وأصدقائي الشعراء قيمة الوقوف على المنصة والقراءة أمام جمهور جاء من أجل الشعر". تضيف جودة: "لا شك في أن غياب المكان سيحدث فجوة ولكن أملنا كبير بإعادة البناء وتجاوز الكارثة التي جعلتنا في حالة صدمة معنوية. ورغم كل ذلك الألم الذي طاولنا جميعاً، إلا أن التوحد خلفه واسترجاعه على هذه الشاكلة في الصور والمنشورات وحتى إقامة العروض المختلفة فوق ركامه إنما تدلل على أن صناعة الفن والثقافة والجمال والإعلان عنها جميعاً هي من أولويات أبناء غزة وليست مجرد ترف أو أمر ثانوي".
مجد أبو عامر، كاتب شاب من قطاع غزة يقطن مؤقتًا حاليًا في مصر. كان مجد من أوائل المتفاعلين مع خبر الحادثة وعندما تواصلنا معه لسؤاله عن الاعتداء وأثره، كتب: "كُنّا نقول أوّل ما غادرنا غزّة، إنّه ليس لنا فيها سوى العائلة، ثم بدأت العائلة رحلة شتاتها، وصار كلٌ منّا في منفاه، فصار عزاؤنا الأمكنة. وكنّا نقول إنّه ليس لنا فيها غير الذكريات، وحين يسألنا أجنبي: هل توجد سينما في غزّة؟ مسرح؟ حفلات موسيقية؟ نصمتُ، ثمّ نلتقطُ الإجابة: أنّ هناك مسرحاً اسمه سعيد المسحال، وفيه نشاهد السينما خلال أيام مهرجان السجادة الحمراء، الذي يُعقد كلّ سنة على مدار ثلاثة أيام، ولم نكن نكترث لرجل الأمن الذي يطالب ببقاء الأنوارِ يقظة. وفي مسرح المسحال كنّا نحظى بمسرحية في العام، أو أكثر، وهناك كُنّا نلقي الشعر، ونطردُ صوت (الزنّانات)، ونقولُ القصائد التي لا تتسعُ لها الشوارع. وهناك كنّا نغني مع "وتر باند"، "وخطأ مطبعي"، وفرقة دواوين، تلك الفرقة الموسيقية الّتي تتشحُ بالكوفية، وتُغني الدلعونة والميجنا. وهناك كانت الدبكاتُ تهزّ خشب المسرح، وهناك كان يعقد مركز غزّة للثقافة والفنون حفلات التوقيع لنا".
تنبع أهمية مسرح سعيد المسحال من أنه أتاح المجال للمجتمع الفلسطيني للتعرف إلى المسرح بشكله الحقيقي، وهو ما سمح أيضًا بعملية إعادة تشكيل للوعي حيال المسرح ودوره في قضية أو شأن، وخصوصًا القضية الفلسطينية ومكوناتها. يتحدث الممثل والمخرج محمد حسين قاسم عن المسحال، فيقول إن هذا المكان كان يشكل متنفسًا للجمهور في قطاع غزة، وإنه بعد معرفة الناس بشأن المسرح صاروا يسألون عن توقيت المسرحيات وصاروا يشترون التذاكر ليضمنوا لأنفسهم مقاعد عند صدور المسرحية، رغم الوضع المالي الصعب الذي يتعرضون له. وأوضح قاسم أنه، ولغياب المسرح في قطاع غزة، كان الناس في البداية يفهمون المسرح خطأ، ولكن، بعد العديد من العروض المسرحية، أدرك الجمهور أهمية المسرح وقيمته.
اقــرأ أيضاً
يفتقر قطاع غزة إلى العديد من الأشياء، ولكن البنى التحتية الثقافية هي من أكثر الأشياء حاجة إلى البناء، ومن أكثر الأشياء التي يفتقدها الغزّيون، فلا سينما "حقيقية" موجودة، ولا حفلات موسيقية عامة ولا معارض كتب دولية، ولهذا كان التفاعل الكبير مع قصف المسحال. أن يدمر الاحتلال صرحًا مثل المسحال، فهذا يعني أنه قد أصاب ذاكرة الكل الغزيّ بضربة واحدة.
ما يعطي لمؤسسة المسحال قيمتها هو احتواؤها على مسرحٍ من أصل اثنين فقط في قطاع غزة، والذي افتتح عام 2004، ما جعل المؤسسة وجهة لجميع الفنانين في غزة لعرض أعمالهم فيها، من أدب وفن تشكيلي ومسرح، وكون المؤسسة خاصة فالتعامل معها أسهل ومتاح للجميع، أفرادًا كانوا أو مؤسسات.
ردود الفعل الناقمة والمتوحدة من الكل الفلسطيني في الوطن والشتات، أظهرت قيمة المكان الوجدانية والثقافية لديهم، فهم يعتبرون المكان جزءًا من حياتهم، جزءًا من ذاكرتهم التي لطالما أرادوا الرجوع إليها، أو إلى المكان نفسه.
اختلف تفاعل الفنانين مع الحادثة، وكل منهم عبر عنه بطريقته. تقول الشاعرة سُمية وادي: "لا أنسى الدعوة التي وصلتني للمشاركة بأمسية مطر النايات بعد أسبوع من زواجي في قاعة سعيد المسحال، وكنت أول الحاضرين، لأن هذا المكان له هيبةٌ وجمال لا يمكن تجاوزهما. هذه القاعة واحدة من اثنتين أو ثلاث يجد الشعراء متنفّساً لهم فيها في غزة، معنى ذلك أن نصف ذاكرة الشعر واللقاءات الأدبية قد نسفت بدمار هذا المبنى، وغيّب معها الكثير من اللوحات الفنية التي مزجت الموسيقى بالشعر والصورة والرقص في بعض الأحيان".
أما هند جودة، مديرة تحرير مجلة 28 الثقافية في غزة، التي شاركت في أكثر من فعالية في المسرح، فقالت: "حين نتحدث عن مؤسسة سعيد المسحال فإننا نتحدث عن مسرح ومنصة عرض وشاشة سينما وأروقة شهدت العديد من الورش والمعارض الفنية وحلقات التدريب على مختلف الفنون من تمثيل ودبكة ورسم وعروض لفرق موسيقية محلية بدأت بحناجر الهواة وانتهت بهم محترفين، لقد كانت مؤسسة المسحال إحدى طرق غزة الواضحة والمسموعة والأكثر شعبية ونشاطاً وأناقة لعرض فنونها وإبداع مبدعيها، هذا المكان كان بالنسبة لي يعني كما يعني لكل زملائي وأصدقائي الشعراء قيمة الوقوف على المنصة والقراءة أمام جمهور جاء من أجل الشعر". تضيف جودة: "لا شك في أن غياب المكان سيحدث فجوة ولكن أملنا كبير بإعادة البناء وتجاوز الكارثة التي جعلتنا في حالة صدمة معنوية. ورغم كل ذلك الألم الذي طاولنا جميعاً، إلا أن التوحد خلفه واسترجاعه على هذه الشاكلة في الصور والمنشورات وحتى إقامة العروض المختلفة فوق ركامه إنما تدلل على أن صناعة الفن والثقافة والجمال والإعلان عنها جميعاً هي من أولويات أبناء غزة وليست مجرد ترف أو أمر ثانوي".
مجد أبو عامر، كاتب شاب من قطاع غزة يقطن مؤقتًا حاليًا في مصر. كان مجد من أوائل المتفاعلين مع خبر الحادثة وعندما تواصلنا معه لسؤاله عن الاعتداء وأثره، كتب: "كُنّا نقول أوّل ما غادرنا غزّة، إنّه ليس لنا فيها سوى العائلة، ثم بدأت العائلة رحلة شتاتها، وصار كلٌ منّا في منفاه، فصار عزاؤنا الأمكنة. وكنّا نقول إنّه ليس لنا فيها غير الذكريات، وحين يسألنا أجنبي: هل توجد سينما في غزّة؟ مسرح؟ حفلات موسيقية؟ نصمتُ، ثمّ نلتقطُ الإجابة: أنّ هناك مسرحاً اسمه سعيد المسحال، وفيه نشاهد السينما خلال أيام مهرجان السجادة الحمراء، الذي يُعقد كلّ سنة على مدار ثلاثة أيام، ولم نكن نكترث لرجل الأمن الذي يطالب ببقاء الأنوارِ يقظة. وفي مسرح المسحال كنّا نحظى بمسرحية في العام، أو أكثر، وهناك كُنّا نلقي الشعر، ونطردُ صوت (الزنّانات)، ونقولُ القصائد التي لا تتسعُ لها الشوارع. وهناك كنّا نغني مع "وتر باند"، "وخطأ مطبعي"، وفرقة دواوين، تلك الفرقة الموسيقية الّتي تتشحُ بالكوفية، وتُغني الدلعونة والميجنا. وهناك كانت الدبكاتُ تهزّ خشب المسرح، وهناك كان يعقد مركز غزّة للثقافة والفنون حفلات التوقيع لنا".
تنبع أهمية مسرح سعيد المسحال من أنه أتاح المجال للمجتمع الفلسطيني للتعرف إلى المسرح بشكله الحقيقي، وهو ما سمح أيضًا بعملية إعادة تشكيل للوعي حيال المسرح ودوره في قضية أو شأن، وخصوصًا القضية الفلسطينية ومكوناتها. يتحدث الممثل والمخرج محمد حسين قاسم عن المسحال، فيقول إن هذا المكان كان يشكل متنفسًا للجمهور في قطاع غزة، وإنه بعد معرفة الناس بشأن المسرح صاروا يسألون عن توقيت المسرحيات وصاروا يشترون التذاكر ليضمنوا لأنفسهم مقاعد عند صدور المسرحية، رغم الوضع المالي الصعب الذي يتعرضون له. وأوضح قاسم أنه، ولغياب المسرح في قطاع غزة، كان الناس في البداية يفهمون المسرح خطأ، ولكن، بعد العديد من العروض المسرحية، أدرك الجمهور أهمية المسرح وقيمته.
يفتقر قطاع غزة إلى العديد من الأشياء، ولكن البنى التحتية الثقافية هي من أكثر الأشياء حاجة إلى البناء، ومن أكثر الأشياء التي يفتقدها الغزّيون، فلا سينما "حقيقية" موجودة، ولا حفلات موسيقية عامة ولا معارض كتب دولية، ولهذا كان التفاعل الكبير مع قصف المسحال. أن يدمر الاحتلال صرحًا مثل المسحال، فهذا يعني أنه قد أصاب ذاكرة الكل الغزيّ بضربة واحدة.