قد تختلف الأماكن والمواعيد ولكن النتيجة واحدة، فالاحتجاجات التي انطلقت في تونس خلال ديسمبر/ كانون الأول 2010 لا تزال مستمرة بعد ثماني سنوات من الثورة، ولا تزال أسباب الاحتجاج والغضب قائمة في غياب التنمية والتشغيل.
ورغم أن مؤسسات الرصد الاجتماعي تتحدث في تقاريرها الشهرية عن الاحتجاجات الاجتماعية إلا أن إحياء ذكرى الثورة يزيد سنوياً من تأجيج موجة الغضب داخل المحافظات التونسية التي لم تحصد من محصلة الثماني سنوات سوى غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية لمواطنين طحنهم الغلاء.
ومنذ أسابيع تعيش محافظات تونسية بما في ذلك العاصمة تونس، على وقع الاحتجاجات المعيشية المطالبة بوقف نزيف الأسعار ودرء تداعيات السياسة الإصلاحية التي تعتمدها الحكومة بدفع من صندوق النقد الدولي عبر الزيادة في الضرائب وتحرير القطاعات المحمية وزيادة أسعار المحروقات والكهرباء.
وبعد 8 سنوات من ثورتهم، يكتوي التونسيون منذ بداية تطبيق اتفاق إصلاحات أبرمته الحكومة مع صندوق النقد الدولي في مايو/أيار 2016، بنار الأسعار وغلاء المعيشة في غياب الوجه الثاني من فوائد الإصلاح التي وعدت بها الحكومة، ومنها تحسين نسب النمو وبعث المشاريع المحدثة لفرص العمل.
كشف مؤشر الاحتجاجات الاجتماعية الشهري الذي يرصده منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن عدد الاحتجاجات المرصودة خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بلغ 746 تحركاً احتجاجياً، 94 بالمائة منها تحركات احتجاجية جماعية.
وتمثلت أبرز المطالب في تحسين البنى التحتية والخدمات الأساسية لمعيشة المواطنين، على غرار توفير وسائل النقل ومياه الشرب والخدمات الصحية والخدمات البريدية، وكذلك التشغيل وضمان استمرارية مواطن الشغل في المصانع المهددة بالإفلاس.
ووفقاً للمؤشر، فإن إقليم الوسط بشرقه وغربه (المحافظات الأضعف تنمية)، يمثل مركز ثقل في التحركات الاحتجاجية (428 تحركا احتجاجيا من مجموع 746)، وفي مقدمتها ولاية القيروان.
وما زالت الحملات المعارضة لقرارات حكومية حدثا متواترا يحرّك الشارع من حين إلى آخر، فيما تؤكد مجمل المؤشرات أن موجة الاحتجاجات لن تتوقف خلال العام الجاري بعد إطلاق نشطاء "هاشتاق باسطا" (كفى)، الذي يعبّر عن عدم قدرة التونسيين على تحمّل أعباء ضريبية ومعيشية جديدة.
ويقول الخبير الاقتصادي والمالي أشرف العيادي إن الاحتجاجات لن تتوقف لأن أسبابها لا تزال قائمة، خاصة في شريط الفقر الغربي، مؤكداً أن اقتصاد تونس عاجز بنسب النمو الحالية عن حل أزمة التشغيل.
وأضاف العيادي أن الاقتصاد المحلي على امتداد الأشهر الـ11 الماضية من العام الماضي لم يتمكن سوى من خلق 30 ألف فرصة عمل في بلد سدس مواطنيه بلا شغل وثلث الحاصلين على المؤهلات الجامعية من المعطلين.
واعتبر الخبير المالي أن الحكومة غير قادرة على تلبية نداء الشارع بسبب تراكم الأزمة وتفاقمها وغياب خطة واضحة لإنعاش الاقتصاد، ما يمهد الطريق إلى احتجاجات أخرى قد تتطوّر إلى انفجار قد لا تستطيع تونس تحمل تبعاته، بحسب العيادي.
ويلتهم التضخم الذي بلغ مستويات قياسية (7.4 بالمائة) أجور التونسيين ويجعل من الرواتب مجرد أرقام تتبخر في أيام قلائل بعد الحصول عليها، فيما تقّر الحكومة بعدم قدرتها في الوضع الحالي على تعديل المرتبات والتزامها بقرار تجميد الأجور الذي التزمت به لصندوق النقد الدولي الذي أمرها بتجميد كتلة الأجور إلى ما بعد 2020.