في تغول جديد لنظام بشار الأسد على حقوق السوريين، حرم المئات من دخول وطنهم، ليتحولوا إلى عالقين على الحدود السورية اللبنانية، بعدما اتخذ قرارا بإرغام كل فرد بلغ الـ18 عاما ويرغب بالدخول إلى بلده، بتصريف 100 دولار على أساس سعر الصرف الرسمي، الذي يحدده مصرف سورية المركزي، وهو غالبا يبلغ نصف سعر الصرف في السوق السوداء.
ورأى المحامي والناشط الحقوقي عارف الشعال، المقيم في دمشق، أن "مدير إدارة الهجرة والجوازات وجّه لكمة شديدة للدستور بتأكيده عدم السماح للمواطنين السوريين بدخول بلدهم إذا لم يصرّفوا 100 دولار على الحدود".
واعتبر، بحسب ما كتب على صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك"، أن "الأدهى أنه ألقى باللائمة على السلطات اللبنانية لعدم استقبال المواطنين السوريين الذين طردتهم سلطات بلادهم، فيبقى هؤلاء المساكين مشردين بالعراء"، مضيفا: "بات الحديث عن الدستور كمن يغني بالطاحون".
وكان مدير إدارة الهجرة والجوازات ناجي النمير، التابع للنظام، قد قال في تصريح لإذاعة محلية، يوم الخميس الفائت، إن التعليمات تقضي بإعادة من لا يملك الـ100 دولار من حيث أتى، إلا أن الجانب اللبناني لا يقبل رجوع السوريين، وبالتالي فإن السوري الذي لا يملك المبلغ المطلوب يكون أمام خيار واحد هو الاتصال بأحد ذويه أو أصدقائه ليحضر له الـ100 دولار، فيقوم بتصريفها ومن ثم الدخول إلى بلده بشكل طبيعي.
وبين أن السوري الذي لا يسمح له بالدخول ريثما يجد الـ100 دولار، اسمه عالق، أي يبقى على الحدود يمارس حياته كالمعتاد، معتبرا أن العالق سيكلف الدولة مبالغ كبيرة كثمن طعام وشراب، فنظريا من لا يملك المبلغ المطلوب لن يملك ما يكفي ثمن طعام وشراب وهو ينتظر بلا عمل على الحدود، وبالتأكيد لن تتركه دولته يموت من الجوع، ما يعني أن كلفة العالقين ربما تكون أكثر من أرباح رسوم الـ100 دولار.
كما اعتبر الناشط المدني ورئيس "حركة البناء الوطني" (منظمة عمل مدني)، أنس جودة، عبر ما كتبه على صفحته في موقع "فيسبوك" بعنوان "دستور كمان وكمان... المقابلة المتداولة للسيد اللواء مدير إدارة الهجرة والجوازات، تتضمن اعترافا واضحا بخرق الدستور، وتحديدا المادة 38، التي تنص فقرتها الأولى: 1- لا يجوز إبعاد المواطن عن الوطن، أو منعه من العودة إليه".
بدوره، قال الناشط محمد الشامي (اسم مستعار لأسباب أمنية)، في حديث مع "العربي الجديد": "المشكلة الأساسية أن النظام لا يعترف بانهيار سعر صرف الليرة السورية، ويعتبر السعر المتداول في السوق سعرا وهميا ناتجا عن المضاربة من قبل المتآمرين على سورية، وتعتبر أن السعر الرسمي الموضوع من قبل مصرف سورية المركزي هو السعر الحقيقي، بالرغم من أن أسعار البضائع في السوق جميعها مرتبطة بسعر صرف العملة في السوق السوداء".
وفاقم تدهور سعر صرف الليرة الأوضاع المعيشية للسوريين الذين يعانون من أزمات عديدة وتراجع دخولهم في الوقت الذي ارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات. وتبلغ تكاليف المعيشة لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص ما يزيد عن 450 ألف ليرة، بحسب مراكز بحثية من العاصمة السورية.
ورأى الشامي أن "النظام يقتات اليوم على ما يجنيه من الفقراء والمغتربين واللاجئين، وذلك لتأمين جزء مهم من نفقاته الجارية، مستفيدا من الفرق ما بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء"، لافتا إلى أن "النظام يطالب السوريين بدفع رسوم استخراج أو تجديد جواز سفر لمن لم ينه خدمته العسكرية بعد، تقدر بـ300 دولار أميركي، ويطلب ممن يريد دفع بدل الخدمة العسكرية 8 آلاف دولار، ولا يسمح بالتعامل بالدولار ولا حتى تسليم الحوالات المالية بعملات أجنبية، في حين يخسر المواطن أكثر من نصف القيمة الحقيقية للمبلغ الذي يحوله من خارج البلاد عبر المكاتب الرسمية".
واعتبر أن "النظام همه الوحيد الحصول على المال، حتى بالسفارات يفرض على السوريين رغم سوء أوضاعهم الاقتصادية رسوما باهظة مقابل أي ورقة رسمية، فتجديد جواز السفر 400 دولار، ويرفض أن ينجز المواطن وكالة عامة لأي شخص، بل يطلب منه أن يقدم وكالة خاصة بكل أمر على حدة، ومقابل كل وكالة يتقاضى 100 دولار".
وحول مسألة خرق الدستور، رأى الناشط أن "النظام لم يحترم أو يطبق يوما الدستور الذي وضعه وأقره بنفسه، فدستور عام 2012 ينص على أن (الحرية حق مقدس) وهو ينتهك جميع الحريات، و(لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها)، في حين تمنع الأجهزة الأمنية عشرات آلاف المواطنين من مغادرة البلاد والتنقل.
كما ينص على أنه (لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة)، ولا يجرؤ أحد على التعبير بحرية، حيث يعرض نفسه للفصل من عمله بشكل تعسفي أو للاعتقال".
يشار إلى أن عدد اللاجئين السوريين منذ عام 2011 إلى نهاية عام 2019 بلغ نحو 6.6 ملايين لاجئ، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، في حين تقدر وزارة السياحة السوريين المغتربين بنحو 20 مليون سوري.