ما زالت مادة الرياضيات تمثّل هاجساً لدى كثيرين في كلّ أنحاء العالم، وهو ما يدفع متخصصين في المجال إلى ابتكار طرق حديثة لجعلها قريبة من التلاميذ
تلاميذ كثر في غزة يواجهون صعوبات مع مادة الرياضيات، وهو ما يظهر جلياً من خلال نتائج المراحل الدراسية النهائية على مستوى القطاع، على الرغم من محاولات عدّة لمعالجة الأمر إنّما بالطرق التقليدية. لكنّ المدرّسة مادلين أبو جياب وجدت الحلّ بحسب ما يبدو على الرغم من تخصّصها في اللغة الإنكليزية.
في عام 2014، تخرّجت مادلين أبو جياب التي تبلغ من العمر اليوم 26 عاماً، من جامعة الأزهر في غزة، وراحت تعمل في غير مجالها، فتدرّس الرياضيات بأسلوب حديث، مرتكزة على برنامج الرياضيات السريعة. وهي كانت قد تعلّمت ذلك من والدها ربحي أبو جياب، المهندس في مجال الإلكترونيات والبرمجيات إلى جانب أبحاثه في علوم الرياضيات. تخبر مادلين أنّ والدها كان "يعمد إلى خلق جوّ تعليمي تنافسي بيننا، إخوتي الخمسة وأنا، منذ صغرنا، من خلال تعليمنا أساليب الحلول الرياضيات السريعة. وكنت أنافس خصوصاً شقيقي إبراهيم الذي يتابع دراسته في كلية الطب، وهو اليوم في عامه السابع".
وعندما كانت مادلين في عامها الدراسي الثاني، شاركت في مسابقة نظمتها مؤسسة "التعاون" التي تُعنى بشؤون الشباب في غزة، وقد فتحت أبوابها أمام الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً لتقديم أفكار إبداعية من شأنها حلّ مشكلة في المجتمع، على أن تكون فريدة. فقدّمت بدعم وتشجيع من والدها مشروعاً لتدريس الرياضيات السريعة من دون عداد أو آلة حاسبة، وقد حازت جائزة الفكرة الريادية الإبداعية حينها. ثمّ حصلت وهي في عامها الدراسي الثالث، على شراكة مع الجامعة الإسلامية في غزة، فراحت تحاضر في قسم التعليم المستمرّ وتقدّم الرياضيات السريعة لفئات عمرية مختلفة.
ما هو برنامج الرياضيات السريعة؟ تجيب مادلين أنّه يهدف إلى "تعليم التلاميذ إجراء عمليات حسابية مختلفة، بطريقة ذهنية من دون استخدام أيّ أدوات مساعدة من قبيل الأوراق والأقلام أو الآلات الحاسبة أو العدادات أو حواسيب مختلفة". وتوضح مادلين أنّ الذهن هو "الآلة الحاسبة الطبيعية"، وأنّ برنامجها يسعى بصورة مبسّطة ومشوّقة إلى تنمية مهارات التلاميذ أو سواهم من الفئات.
وتكمل مادلين أنّ "والدي أعدّ المنهج الذي أعتمدُه في برنامج الرياضيات السريعة، والذي كسر التقليد الذي تعلمناه في المدارس"، مشيرة إلى أنّه يستهدف الأطفال ابتداءً من سنّ التاسعة وحتى الخامسة عشرة، إذ إنّ هذه الفئة تدرك المهارات غير الملموسة وتتعلمها وتستوعب المهارات الإبداعية". وقد تمكّنت مادلين على مدى ستة أعوام، عبر مخيمات صيفية وشتوية ومبادرات مجتمعية تعليمية ودورات في مدارس حكومية وأخرى تابعة لوكالة إغاثة وتشغل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، من تدريس أكثر من ألفَين و300 طفل من كلّ محافظات قطاع غزة. وتؤكّد أنّها استطاعت من خلال برنامجها "القضاء على الخوف الذي يشعر به التلميذ إزاء مادة الرياضيات. وقد تمكّنت من تعليم تلاميذي مهارات حلّ المسائل الحسابية عبر ألغاز مستخدمة الخشب والورق"، لافتة إلى أنّ "ثمّة تلاميذ ثانوية عامة يتّجهون إلى التخصصات الأدبية بدلاً من العلمية، لمجرّد تركيز القسم العلمي على مادة الرياضيات. الهروب من الرياضيات كبير، لكنّني تمكّنت من خلال البرنامج الذي أعتمده من تعزيز قدرات تلاميذي في ما يخصّ اختيار تخصّصاتهم من دون الخوف من مواد بحدّ ذاتها".
بيسان شقورة تبلغ من العمر 15 عاماً، وهي تلميذة في الصف العاشر وإحدى تلميذات مادلين أبو جياب. تلقّت قبل عامَين تعليماً في إطار برنامج الرياضيات السريعة على ثلاثة مستويات، أهّلها للحصول على المركز الأولى على في قطاع غزة في مسابقة مادة الرياضيات على مستوى المدارس الإعدادية التابعة لوكالة "أونروا". كذلك هي تتنافس هذا العام على "جائزة ناهض وسهام الريّس" الخاصة بالمتفوقين بالرياضيات في غزة. من جهته، كان طه جابر البالغ من العمر 12 عاماً، وهو في الصف الثاني إعدادي، يشعر بالخوف من مادة الرياضيات ويخشى عدم التمكّن من حلّ مسائلها أمام زملائه التلاميذ. لكنّه استطاع في خلال عام ونيّف، من خلال برنامج الرياضيات السريعة التي تقدّمه مادلين، الاعتماد على بدائل في حلّ المسائل، متغلباً على خوفه، مع العلم أنّه حصل على تقدير امتياز في المادة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مادلين شاركت قبل نحو عام في برنامج "إيراسموس بلس" التابع للاتحاد الأوروبي، وزارت ثلاث جامعات في كلّ من إيطاليا وسلوفينيا وألمانيا. كذلك تلقّت تدريبات حول كيفية تطبيق التكنولوجيا في التعليم، مضيفة أنّها تسعى في المرحلة المقبلة إلى "ابتكار تطبيق يعلّم كلّ تلاميذ الوطن العربي طرق برنامج الرياضيات السريعة من خلال فيديوهات تعليمية".