21 فبراير 2018
ماذا بقي من الربيع المغربي
حلت الذكرى السادسة لانطلاق حركة 20 فبراير، النسخة المغربية للربيع العربي، الأسبوع الماضي، ولا بأس من تذكّرها اليوم، وإعادة التفكير فيها بدون نوستالجيا، ولا أساطير، ولا شيطنة، ولا نظرية مؤامرة. وهنا أنقل الشعارات التي حملها الشباب قبل ست سنوات في ساحات الحراك من أرشيف الصور، وليس من الذاكرة، وذلك لتقريب القارئ من طبيعة المطالب التي رفعت في المغرب سنة 2011، وجعلت لهذا التاريخ ما قبله وما بعده: "كرامة حرية عدالة اجتماعية"، "مغرب الجماهير يطالب بالتغيير"، "ليسقط الفصل 19" (كان يعطي سلطات دينية للملك فوق دستورية، وكان يستعمل لخنق باقي فصول الدستور الأخرى)، "لا للجمع بين الثروة والسلطة"، "الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد"، "الشعب يريد مغرباً جديداً"، "نحن شعب لا يقهر.. يموت أو ينتصر"، "people want change"، "نريد قضاء الحريات وليس قضاء التعليمات"، "إذا الشعب يوماً أراد الحياة"، "كفى من الظلم والحگرة"، "من أجل ملكية برلمانية". أما شعار dégage فقد كتب فوق جبين أكثر من مسؤول في الدولة، وفي محيط القصر "نريد دستوراً جديداً وانتخابات نزيهة".
هذا هو دفتر مطالب الشارع، كما أعلن نفسه في شعارات ولافتات وفيديوهات كانت تنزل إلى الشارع كل يوم أحد، سنة كاملة تقريباً، إلى أن انطفأت الشمعة بما تحقق وما لم يتحقق من مطالب. لكن، لا بد من إعادة التذكير بدلالات هذه الحركة وموقعها في مسار البناء الديمقراطي المغربي الموجود اليوم في مفترق طرق:
أولاً: لم يسبق للمغرب أن عرف نزولاً قوياً ومكثفاً للمواطنين في 54 مدينة، في الأركان الأربعة للمملكة، وفي يوم واحد، وبشعاراتٍ واحدةٍ، وبدون تأطير تقليدي من حزب أو نقابة أو جماعة دينية.
ثانياً: لم يشهد المغرب، طوال تاريخه، تظاهراتٍ قوية لها مطالب سياسية بحتة. التظاهرات والانتفاضات التي عرفها المغرب (1965،1981، 1984، 1990) كانت لأسباب اجتماعية أولاً، وسياسية ثانياً، وجلها انطلق في أعقاب الإضرابات العمالية، وبعد قراراتٍ للزيادة في الأسعار. ولهذا، فإن حركة 20 فبراير كانت بمثابة نقلة نوعية في مسار الاحتجاج السياسي. قبل 20 فبراير، لم تطالب حركة جماهيرية في الشارع بملكية برلمانية تسود ولا تحكم، فقد كان هذا مطلب النخب في الوثائق الحزبية وأدبيات اليسار.
ثالثاً: كانت حركة 20 فبراير حركة الشباب المتعلم وحركة الطبقات الوسطى في المدن. ولهذا، جاءت مطالبها سياسية، وطابعها مدنياً، لم نر في تحركاتها وانتفاضتها أي أعمال شغب، أو أحداث تخريب. حتى بعدما استعملت قوات الأمن العصا الغليظة في قمع بعض التظاهرات، ظلت الحركة سلمية، بل هناك شباب كانوا يوزّعون الورد على رجال الأمن، عنواناً على التمسك بسلاح السلمية واحترام النظام العام وحماية الممتلكات العامة، حيث لم ير المتظاهرون أي تناقض بين احترام مؤسسات الدولة والمطالبة بإصلاح النظام.
رابعاً: حراك 20 فبراير في المغرب لم يكن وراءه وقود إيديولوجي، ولا تأطير حزبي، فلأول مرة تحرّك شباب من مختلف الألوان الفكرية والسياسية والإيديولوجية، فكنت ترى العلماني والإسلامي والسلفي والليبرالي واليساري والشيوعي، والذي بلا قبعة إيديولوجية.. الجميع في تظاهرة واحدة، وخلف شعارات ومطالب "ديمقراطية ليبرالية". ولهذا دلالات كبيرة للأحزاب والقوى الديمقراطية بشأن أولويات النضال السياسي اليوم.
خامساً: فتحت حركة 20 فبراير الباب لإصلاحات كبيرة في نظام الحكم وفي ثقافة المجتمع. لكن، بما أنها عفوية وغير منظمة، فإنها سلمت المشعل عملياً للأحزاب السياسية، لكي تقطف ثمار الحراك الشبابي، وتنقل مطالبه من الشارع إلى المؤسسات والسياسات العمومية، لكن ما حدث أن بعض الأحزاب ركبت فوق ظهر الحراك، وفي مقدمتها "العدالة والتنمية" الذي دخل إلى الحكومة، ثم ترك مطالب هذا الحراك عند باب رئاسة الحكومة، وبدأ يدبّر دفة الشأن العام بالثقافة القديمة، فانقلبت أولويات المرحلة من قيادة التحول الديمقراطي إلى طلب ود الملكية والتطبيع مع القصر، مع إقرار إصلاحات اجتماعية محدودة، والتخلي عن شعار محاربة الفساد والاستبداد. وفي النهاية، وجدت المملكة نفسها في خانة الأنظمة الهجينة، لا هي ديمقراطية ولا هي سلطوية، لكنها خليط من الاثنين.
هذا هو دفتر مطالب الشارع، كما أعلن نفسه في شعارات ولافتات وفيديوهات كانت تنزل إلى الشارع كل يوم أحد، سنة كاملة تقريباً، إلى أن انطفأت الشمعة بما تحقق وما لم يتحقق من مطالب. لكن، لا بد من إعادة التذكير بدلالات هذه الحركة وموقعها في مسار البناء الديمقراطي المغربي الموجود اليوم في مفترق طرق:
أولاً: لم يسبق للمغرب أن عرف نزولاً قوياً ومكثفاً للمواطنين في 54 مدينة، في الأركان الأربعة للمملكة، وفي يوم واحد، وبشعاراتٍ واحدةٍ، وبدون تأطير تقليدي من حزب أو نقابة أو جماعة دينية.
ثانياً: لم يشهد المغرب، طوال تاريخه، تظاهراتٍ قوية لها مطالب سياسية بحتة. التظاهرات والانتفاضات التي عرفها المغرب (1965،1981، 1984، 1990) كانت لأسباب اجتماعية أولاً، وسياسية ثانياً، وجلها انطلق في أعقاب الإضرابات العمالية، وبعد قراراتٍ للزيادة في الأسعار. ولهذا، فإن حركة 20 فبراير كانت بمثابة نقلة نوعية في مسار الاحتجاج السياسي. قبل 20 فبراير، لم تطالب حركة جماهيرية في الشارع بملكية برلمانية تسود ولا تحكم، فقد كان هذا مطلب النخب في الوثائق الحزبية وأدبيات اليسار.
ثالثاً: كانت حركة 20 فبراير حركة الشباب المتعلم وحركة الطبقات الوسطى في المدن. ولهذا، جاءت مطالبها سياسية، وطابعها مدنياً، لم نر في تحركاتها وانتفاضتها أي أعمال شغب، أو أحداث تخريب. حتى بعدما استعملت قوات الأمن العصا الغليظة في قمع بعض التظاهرات، ظلت الحركة سلمية، بل هناك شباب كانوا يوزّعون الورد على رجال الأمن، عنواناً على التمسك بسلاح السلمية واحترام النظام العام وحماية الممتلكات العامة، حيث لم ير المتظاهرون أي تناقض بين احترام مؤسسات الدولة والمطالبة بإصلاح النظام.
رابعاً: حراك 20 فبراير في المغرب لم يكن وراءه وقود إيديولوجي، ولا تأطير حزبي، فلأول مرة تحرّك شباب من مختلف الألوان الفكرية والسياسية والإيديولوجية، فكنت ترى العلماني والإسلامي والسلفي والليبرالي واليساري والشيوعي، والذي بلا قبعة إيديولوجية.. الجميع في تظاهرة واحدة، وخلف شعارات ومطالب "ديمقراطية ليبرالية". ولهذا دلالات كبيرة للأحزاب والقوى الديمقراطية بشأن أولويات النضال السياسي اليوم.
خامساً: فتحت حركة 20 فبراير الباب لإصلاحات كبيرة في نظام الحكم وفي ثقافة المجتمع. لكن، بما أنها عفوية وغير منظمة، فإنها سلمت المشعل عملياً للأحزاب السياسية، لكي تقطف ثمار الحراك الشبابي، وتنقل مطالبه من الشارع إلى المؤسسات والسياسات العمومية، لكن ما حدث أن بعض الأحزاب ركبت فوق ظهر الحراك، وفي مقدمتها "العدالة والتنمية" الذي دخل إلى الحكومة، ثم ترك مطالب هذا الحراك عند باب رئاسة الحكومة، وبدأ يدبّر دفة الشأن العام بالثقافة القديمة، فانقلبت أولويات المرحلة من قيادة التحول الديمقراطي إلى طلب ود الملكية والتطبيع مع القصر، مع إقرار إصلاحات اجتماعية محدودة، والتخلي عن شعار محاربة الفساد والاستبداد. وفي النهاية، وجدت المملكة نفسها في خانة الأنظمة الهجينة، لا هي ديمقراطية ولا هي سلطوية، لكنها خليط من الاثنين.