ماذا لو لم توجد داعش؟

10 نوفمبر 2014
التنمية الاقتصادية في مفهوم داعش... دمار(وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -
تقطعت السبل بفيزيائي وكيميائي واقتصادي في جزيرة نائية، وصادف أن وجدوا علبة مغلقة على الشاطئ فقال الفيزيائي نسحقها بصخرة لنفتحها، وقال الكيميائي علينا أن نوقد ناراً لكي نسخنها لمرة على الأقل، أما الاقتصادي فقال لنفترض بأن العلبة قد فتحت. هكذا حالنا كاقتصاديين، غالباً ما نبدأ حديثنا بوضع الافتراضات والانطلاق منها إلى رحابة السيناريوهات الافتراضية. ولكن ما مناسبة هذا التقديم؟
تعيش المنطقة راهناً مصبوغاً بالدم والكوارث بفعل البشر الغارقين في بحار التخلف (عكس التنمية). سوء في التعليم ورداءة في الغذاء وانعدام في بنى تحتية مناسبة في ظل حروب تطحن الحجر والبشر. حروب سوّت شوامخ البناء أرضاً وجعلت أعزة القوم أذلة. في الوقت الذي طفا على سطح تخلفنا وجفوتنا التنموية تنظيم "داعش" وليزيد الطين بلة، تداعت الأمم لمحاربته وحصاره (وليس القضاء عليه).
تقول التقارير بأن تكلفة حرب داعش ما يقرب من 22 مليار دولار في السنة الواحدة، وهو بلا شك مبلغ مهول. وتقدر بعض الجهات بأن التكاليف اليومية قد تصل إلى 320 مليون دولار.
وعلى الضفة الثانية، 3.5 ملايين طالب خارج المؤسسات التعليمية في سورية وخسارة ثلاثة عقود من التنمية (العودة إلى عام 1980) وفي كل يوم يخسر الاقتصاد السوري مايزيد على 110 ملايين دولار من ناتجه المحلي الإجمالي، عداكم عن انهيار النظام الصحي والخراب الاجتماعي. تسع محافظات سويت معظم بُناها التحتية بالأرض و6 ملايين سوري هجروا من ديارهم وقطاعات اقتصادية على رأسها مدن صناعية قد نهبت أو دمرت. هذا في سورية وحدها، التي دمرتها حرب النظام على شعبه، وأرقام العراق تنبئ عن خسائر فادحة جداً بسبب داعش وتهجير لمئات الألوف من قراهم ومدنهم.
لنفترض، وهنا مناط التقديم، لنفترض بأن الدول المتحالفة قد تحولت بإنفاقها من الحرب على داعش إلى الحرب على التخلف ورعت عمليات إعادة الإعمار. لا شك في أن 22 ملياراً سنوياً تعني الشيء الكثير، ما بالكم بأنه من المتوقع أن تستمر هذه الحرب مايزيد عن عشرة سنين أي 220 مليار دولار.
التقارير تقول بأن تكلفة إعادة إعمار سورية في المتوسط تبلغ 200 مليار دولار. وبطبيعة الحال أن الإعمار لن يتم في سنة أو سنتين بل يحتاج إلى 15 سنة وفق أكثر السيناريوهات رومانسية. إذن، لو لم تكن داعش، وبافتراض أنه تم استخدام نفقات هذه الحرب في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب في سورية لكفتنا ويزيد، دون الحاجة إلى موارد أخرى.
و"يفترض" الخبير الاقتصادي سمير سعيفان، بأنه لو أنفق جزء من هذه الأرقام على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في البلدان التي تنمو بها داعش ومجتمعاتها، لتم القضاء على جذور الفكر والثقافة المنتجين لداعش وأمثالها.
وعودة من عالم الافتراضات إلى عالم الواقع لنتساءل: من صاحب المصلحة في هذا الإنفاق على هذه الحرب؟ أليست الدول نفسها التي تحتاج إلى تمويل نمو اقتصادها الراكد وصناعتها الحربية التي تئنّ؛ وهل فعلاً هذه الدول ستكون جادة في إنفاق هذه المخصصات على تنمية المجتمعات المتضررة من وجود داعش؟ والسؤال الأخطر: من الذي أوجد داعش وألزم "الحلفاء" تمويل الحرب عليها؟. هل سمعتم بمصطلح الإدارة بالأزمات، إنه عين الجواب.