تطرح زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو وصفقات الأسلحة الضخمة والتعاون في مجال الطاقة والنفط، العديد من التساؤلات في العواصم الغربية وأسواق المال، خاصة المتعلقة بتداعيات ذلك على مستقبل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، استمرارية البترودولار، أي تسعير النفط بالدولار.
هذه التساؤلات تطرح في هذه "الفترة الرمادية" التي تشهد فيها المنطقة العربية تغيير جذري، ويشهد العالم تحولات رئيسية في التحالفات والمصالح الاقتصادية والمالية، ويتجه نحو بناء نظام عالمي جديد،بديل لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما تبدو استراتيجية موسكو واضحة المعالم من زيارة الملك السعودي، وتدخل في إطار سياسة "المحاور المتعددة" في الشرق الأوسط التي تتبعها موسكو منذ دخولها العسكري في سورية. وتستهدف الإمساك بكل الخيوط واضعاف النفوذ الأميركي، لا تبدو الأهداف التي ستحققها السعودية من الزيارة، واضحة ؟
تعمل روسيا منذ مجيء فلاديمير بوتين للسلطة، على تحقيق استراتيجية سياسية، تستهدف الهيمنة على أسواق الطاقة في العالم والسيطرة على ممراتها المهمة ومحاولة الضغط على منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، واقناعها بالتحول من تسعير النفط بالدولار إلى سلة عملات. وبالتأكيد فإن المنطقة العربية الغنية بالطاقة تدخل في صميم هذه الاستراتيجية.
وحتى الآن تمكنت موسكو من اقناع العديد من الدول الأعضاء في "أوبك"، بالتخلي عن الدولار، وبقي إقناع السعودية أكبر منتج للنفط داخل المنظمة.وبالتالي تصبح السعودية الغنية بالنفط قطعة مهمة في استراتيجية الطاقة الروسية.
يضاف إلى استراتيجية الطاقة ، خطة الرئيس بوتين الخاصة بتأسيس بناء النظام العالمي الجديد وتهميش الدور الأميركي، عبر التحالف مع الصين ومنظومة دول بريكس، التي تضم روسيا والصين الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. ولكن في مقابل وضوح الرؤية الروسية من التقارب مع السعودية، تبدو هنالك ضبابية في الأهداف السعودية من التقارب مع موسكو.
في هذا الصدد، يرى الخبير الروسي ايغورسوبوتين في تعليقات لنشرة "نيزافيسميا غازيتا" الروسية، أن زيارة الملك سلمان تعبر عن عدم ثقة بين الرياض وواشنطن ومخاوف السعودية من النفوذ الإيراني، فيما يرى آخرون أن الرياض تبحث عن دعم أكبر من بوتين في السياسة النفطية، خاصة اتفاقية تمديد إنتاج النفط حتى نهاية العام 2018.
واتفاقية خفض الإنتاج التي تعول عليها السعودية في رفع أسعار النفط إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل، من أهم أركان نجاح طرح 5% من حصة شركة أرامكو السعودية في أسواق المال العالمية. لأن سعر النفط الذي يراوح حول 55 دولاراً غير جاذب للمستثمرين في الشركات النفطية.
لكن على صعيد الأهداف الاقتصادية غير النفطية، خاصة برنامج التحول الوطني "رؤية 2030"، تبدو هنالك الكثير من الأسئلة المحيرة. إذ من غير المعروف حتى الآن كيف ستساعد روسيا الرياض في تنفيذ "رؤية 2030"، الرامية للتحول الاقتصادي من الاعتماد على النفط. فروسيا نفسها دولة تعتمد على الطاقة في اقتصادها ولم تتمكن منذ انهيار الامبراطورية السوفيتية وحتى الآن، التخلص من الاعتماد على مداخيل الطاقة في تمويل الخزانة. كما تفتقر روسيا إلى التقنية ولاتزال تتلمس خطاها في تحديث الاقتصاد.
يضاف إلى ذلك أن الشركات الروسية ليس لديها خبرة بالسوق السعودي، إذ لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 430 مليون دولار، في النصف الأول من العام الجاري، رغم أنه ارتفع بنسبة 30% عن الفترة نفسها من العام الماضي. وذلك حسب ما ذكرت صحيفة كوميرس الروسية.
أما على صعيد الصفقات العسكرية التي وقعتها الرياض مع الشركات الروسية، يتساءل الأكاديمي الروسي غريغوري كوساتش، في لقاء مع صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية، عن حاجة السعودية للسلاح الروسي. ويقول كوساتش" تدور مفاوضات بين الجانبين منذ فترة طويلة حول توريد الأسلحة الروسية إلى السعودية. ومن الواضح أن الجيش السعودي يوجد لديه ما يكفي من الأسلحة الأميركية والبريطانية والفرنسية، وليس من داع لإعادة تسليحه".
ويضيف "علاقة السعودية مع الولايات المتحدة لا تزال حجر الزاوية في السياسة السعودية الخارجية. إذن، لماذا يطلب السعوديون الأسلحة الروسية؟ هم يقولون: "سوف تحصلون على المال". ويقولون أيضاً إن "أهم شيء هو ألا توردوا الأسلحة إلى إيران، ونحن سوف نشتري ما توردونه إلى هناك، وسوف نستخدمه".
يفهم من تعليقات الخبير كوساتش، أن الرياض تعتقد، أنها من خلال صفقات الأسلحة الروسية، تعتقد أنها ستتمكن من اقناع موسكو بالتخلي عن إيران، وهو مايرى مراقبونأنه لن يحدث، لأن سياسة روسيا في المنطقة قائمة على استراتيجية " المحاور المتعدددة"، في اطار نظرية " أن يكسب الجميع" وليس نظرية" الجمع الصفري"، أي مكسب طرف يعني خسارة طرف آخر.
وعلى الرغم من قول بعض المراقبين، أن زيارة الملك سلمان حصلت على الضؤ الأخضر من الرئيس ترامب، إلا أن المؤسسات الأميركية، خاصة وزارة الدفاع لا تبدو راضية عنها.
ومن المتوقع أن تثير صفقات الأسلحة الروسية، شركات الدفاع الأميركية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي في أميركا. ومن غير المستبعد، ان تحدث ردة فعل في الكونغرس بشأن الصفقات الدفاعية الموقعة بين الرياض وواشنطن إبان زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض في مايو/ آيار الماضي.
في هذا الصدد، يرى الخبير الدفاعي البريطاني الدكتور اندرياس كريغ، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن قرار وزارة الدفاع الأميركية بتعليق المناورات العسكرية مع دول الخليج موجه أساساً إلى السعودية. ويعكس تعبيراً عن سخط المؤسسات الأميركية الرسمية من الزيارة واتفاقات شراء الأسلحة الروسية.
ومعروف أن صفقات الأسلحة لا تنتهي بعملية الشراء حيث يتبعها عادة تدريب وعمليات مساندة وهو ما يعني تدريجياً نوعاً من انواع التواجد العسكري الروسي في السعودية. وهو ما لاتريده واشنطن.
على الجانب الروسي، تبدو موسكو في غاية السعادة من الزيارة التي ستحقق لها استراتيجية الهيمنة في المنطقة وتهميش الدور الأميركي. وتعبيراً عن هذه الفرحة، وصفت صحيفة برافدا الروسية، الزيارة، بعنوان "الحلم الروسي الكبير الذي تحقق".
وقالت الصحيفة، إن روسيا تأمل منذ مدة بعيدة دخول صناعة السلاح الروسية إلى السعودية. وأشارت إلى ان المفاوضات الدفاعية بين الجانب السعودي والروسي تناولت صفقات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار. ولكن يلاحظ أنه لم يعلن عنها سوى صفقة تصنيع الكلانكشوف وصواريخ أس 400.
وفي حال تمكن بوتين من كسب الرياض إلى جانبه، فسيكون بذلك قطع شوطاً كبيراً في تنفيذ خطة الهيمنة على الطاقة العالمية عبر السيطرة على المنطقة العربية الغنية بالطاقة بعد تمتين علاقاته مع كل من ايران اللاعب المهم في الطاقة وتركيا التي تعد من أهم الأسواق المستهلكة للغاز الروسي.
ويعد النفط "كعب أخيل"، الذي ضربت منه روسيا مرتين في تاريخها القريب، ولن ينسى بوتين أن إغراق السعودية للأسواق العالمية بالنفط وهبوط أسعاره إلى أقل من 10 دولارات كانت أهم الأسباب التي أدت إلى تفكك الأمبراطورية السوفييتية وسقوطها، كما لن ينسى أن الأموال السعودية والمجاهدين، كانوا أهم الأدوات التي استخدمتها واشنطن في طرد الروس من افغانستان. وبالتالي فإن لدى بوتين، الذي يسعى لاستعادة المجد الروسي، استراتيجية واضحة للتقارب مع الرياض في خدمة اهداف السيطرة على الطاقة.
اقــرأ أيضاً
هذه التساؤلات تطرح في هذه "الفترة الرمادية" التي تشهد فيها المنطقة العربية تغيير جذري، ويشهد العالم تحولات رئيسية في التحالفات والمصالح الاقتصادية والمالية، ويتجه نحو بناء نظام عالمي جديد،بديل لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما تبدو استراتيجية موسكو واضحة المعالم من زيارة الملك السعودي، وتدخل في إطار سياسة "المحاور المتعددة" في الشرق الأوسط التي تتبعها موسكو منذ دخولها العسكري في سورية. وتستهدف الإمساك بكل الخيوط واضعاف النفوذ الأميركي، لا تبدو الأهداف التي ستحققها السعودية من الزيارة، واضحة ؟
تعمل روسيا منذ مجيء فلاديمير بوتين للسلطة، على تحقيق استراتيجية سياسية، تستهدف الهيمنة على أسواق الطاقة في العالم والسيطرة على ممراتها المهمة ومحاولة الضغط على منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، واقناعها بالتحول من تسعير النفط بالدولار إلى سلة عملات. وبالتأكيد فإن المنطقة العربية الغنية بالطاقة تدخل في صميم هذه الاستراتيجية.
وحتى الآن تمكنت موسكو من اقناع العديد من الدول الأعضاء في "أوبك"، بالتخلي عن الدولار، وبقي إقناع السعودية أكبر منتج للنفط داخل المنظمة.وبالتالي تصبح السعودية الغنية بالنفط قطعة مهمة في استراتيجية الطاقة الروسية.
يضاف إلى استراتيجية الطاقة ، خطة الرئيس بوتين الخاصة بتأسيس بناء النظام العالمي الجديد وتهميش الدور الأميركي، عبر التحالف مع الصين ومنظومة دول بريكس، التي تضم روسيا والصين الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. ولكن في مقابل وضوح الرؤية الروسية من التقارب مع السعودية، تبدو هنالك ضبابية في الأهداف السعودية من التقارب مع موسكو.
في هذا الصدد، يرى الخبير الروسي ايغورسوبوتين في تعليقات لنشرة "نيزافيسميا غازيتا" الروسية، أن زيارة الملك سلمان تعبر عن عدم ثقة بين الرياض وواشنطن ومخاوف السعودية من النفوذ الإيراني، فيما يرى آخرون أن الرياض تبحث عن دعم أكبر من بوتين في السياسة النفطية، خاصة اتفاقية تمديد إنتاج النفط حتى نهاية العام 2018.
واتفاقية خفض الإنتاج التي تعول عليها السعودية في رفع أسعار النفط إلى مستوى 60 دولاراً للبرميل، من أهم أركان نجاح طرح 5% من حصة شركة أرامكو السعودية في أسواق المال العالمية. لأن سعر النفط الذي يراوح حول 55 دولاراً غير جاذب للمستثمرين في الشركات النفطية.
لكن على صعيد الأهداف الاقتصادية غير النفطية، خاصة برنامج التحول الوطني "رؤية 2030"، تبدو هنالك الكثير من الأسئلة المحيرة. إذ من غير المعروف حتى الآن كيف ستساعد روسيا الرياض في تنفيذ "رؤية 2030"، الرامية للتحول الاقتصادي من الاعتماد على النفط. فروسيا نفسها دولة تعتمد على الطاقة في اقتصادها ولم تتمكن منذ انهيار الامبراطورية السوفيتية وحتى الآن، التخلص من الاعتماد على مداخيل الطاقة في تمويل الخزانة. كما تفتقر روسيا إلى التقنية ولاتزال تتلمس خطاها في تحديث الاقتصاد.
يضاف إلى ذلك أن الشركات الروسية ليس لديها خبرة بالسوق السعودي، إذ لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 430 مليون دولار، في النصف الأول من العام الجاري، رغم أنه ارتفع بنسبة 30% عن الفترة نفسها من العام الماضي. وذلك حسب ما ذكرت صحيفة كوميرس الروسية.
أما على صعيد الصفقات العسكرية التي وقعتها الرياض مع الشركات الروسية، يتساءل الأكاديمي الروسي غريغوري كوساتش، في لقاء مع صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية، عن حاجة السعودية للسلاح الروسي. ويقول كوساتش" تدور مفاوضات بين الجانبين منذ فترة طويلة حول توريد الأسلحة الروسية إلى السعودية. ومن الواضح أن الجيش السعودي يوجد لديه ما يكفي من الأسلحة الأميركية والبريطانية والفرنسية، وليس من داع لإعادة تسليحه".
ويضيف "علاقة السعودية مع الولايات المتحدة لا تزال حجر الزاوية في السياسة السعودية الخارجية. إذن، لماذا يطلب السعوديون الأسلحة الروسية؟ هم يقولون: "سوف تحصلون على المال". ويقولون أيضاً إن "أهم شيء هو ألا توردوا الأسلحة إلى إيران، ونحن سوف نشتري ما توردونه إلى هناك، وسوف نستخدمه".
يفهم من تعليقات الخبير كوساتش، أن الرياض تعتقد، أنها من خلال صفقات الأسلحة الروسية، تعتقد أنها ستتمكن من اقناع موسكو بالتخلي عن إيران، وهو مايرى مراقبونأنه لن يحدث، لأن سياسة روسيا في المنطقة قائمة على استراتيجية " المحاور المتعدددة"، في اطار نظرية " أن يكسب الجميع" وليس نظرية" الجمع الصفري"، أي مكسب طرف يعني خسارة طرف آخر.
وعلى الرغم من قول بعض المراقبين، أن زيارة الملك سلمان حصلت على الضؤ الأخضر من الرئيس ترامب، إلا أن المؤسسات الأميركية، خاصة وزارة الدفاع لا تبدو راضية عنها.
ومن المتوقع أن تثير صفقات الأسلحة الروسية، شركات الدفاع الأميركية والبنتاغون ومجلس الأمن القومي في أميركا. ومن غير المستبعد، ان تحدث ردة فعل في الكونغرس بشأن الصفقات الدفاعية الموقعة بين الرياض وواشنطن إبان زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض في مايو/ آيار الماضي.
في هذا الصدد، يرى الخبير الدفاعي البريطاني الدكتور اندرياس كريغ، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن قرار وزارة الدفاع الأميركية بتعليق المناورات العسكرية مع دول الخليج موجه أساساً إلى السعودية. ويعكس تعبيراً عن سخط المؤسسات الأميركية الرسمية من الزيارة واتفاقات شراء الأسلحة الروسية.
ومعروف أن صفقات الأسلحة لا تنتهي بعملية الشراء حيث يتبعها عادة تدريب وعمليات مساندة وهو ما يعني تدريجياً نوعاً من انواع التواجد العسكري الروسي في السعودية. وهو ما لاتريده واشنطن.
على الجانب الروسي، تبدو موسكو في غاية السعادة من الزيارة التي ستحقق لها استراتيجية الهيمنة في المنطقة وتهميش الدور الأميركي. وتعبيراً عن هذه الفرحة، وصفت صحيفة برافدا الروسية، الزيارة، بعنوان "الحلم الروسي الكبير الذي تحقق".
وقالت الصحيفة، إن روسيا تأمل منذ مدة بعيدة دخول صناعة السلاح الروسية إلى السعودية. وأشارت إلى ان المفاوضات الدفاعية بين الجانب السعودي والروسي تناولت صفقات أسلحة بقيمة 20 مليار دولار. ولكن يلاحظ أنه لم يعلن عنها سوى صفقة تصنيع الكلانكشوف وصواريخ أس 400.
وفي حال تمكن بوتين من كسب الرياض إلى جانبه، فسيكون بذلك قطع شوطاً كبيراً في تنفيذ خطة الهيمنة على الطاقة العالمية عبر السيطرة على المنطقة العربية الغنية بالطاقة بعد تمتين علاقاته مع كل من ايران اللاعب المهم في الطاقة وتركيا التي تعد من أهم الأسواق المستهلكة للغاز الروسي.
ويعد النفط "كعب أخيل"، الذي ضربت منه روسيا مرتين في تاريخها القريب، ولن ينسى بوتين أن إغراق السعودية للأسواق العالمية بالنفط وهبوط أسعاره إلى أقل من 10 دولارات كانت أهم الأسباب التي أدت إلى تفكك الأمبراطورية السوفييتية وسقوطها، كما لن ينسى أن الأموال السعودية والمجاهدين، كانوا أهم الأدوات التي استخدمتها واشنطن في طرد الروس من افغانستان. وبالتالي فإن لدى بوتين، الذي يسعى لاستعادة المجد الروسي، استراتيجية واضحة للتقارب مع الرياض في خدمة اهداف السيطرة على الطاقة.