ماذا وراء حماسة السلطة الفلسطينية لإحياء المصالحة؟

05 يوليو 2018
تخشى السلطة ضرب مشروعية تمثيلها للشعب الفلسطيني (Getty)
+ الخط -
للوهلة الأولى بدت دعوة مصر لحركتي "حماس" و"فتح" إلى استئناف الجهود الهادفة إلى تطبيق اتفاق المصالحة الذي وُقّع في القاهرة قبل ثمانية أشهر، كتحرك مستقل أقدمت عليه القاهرة، لا سيما أن هذا التطور جاء في أعقاب تراشق إعلامي وحرب اتهامات غير مسبوقة بين الحركتين. لكن التسريبات تفيد بأن السلطة الفلسطينية هي التي بادرت وعرضت على القاهرة التحرك ودعوة "حماس" لجولة جديدة من اللقاءات بهدف تطبيق ما تم التوافق عليه.

وترجع حماسة قيادة السلطة المفاجئة لتطبيق اتفاق المصالحة بشكل أساسي إلى مخاوفها من التبعات السياسية والاقتصادية للمبادرات الأممية والإسرائيلية والإقليمية التي تندرج تحت عنوان "تحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة". وتدرك السلطة أن القاسم المشترك بين كل هذه المبادرات يتمثل في تجاوزها وعدم تنفيذ مشاريع إعادة الأعمار والبنى التحتية المقترحة من خلال مؤسساتها. وعلى الرغم من أن هذه المبادرات تتجاوز أيضاً حركة "حماس"، ولا ترى فيها شريكاً في تطبيقها، إلا أن قيادة السلطة باتت تخشى أن يمثّل الشروع في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار والتأهيل الاقتصادي من قبل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية وبالتعاون مع إسرائيل، تكريساً للفصل السياسي بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، مما يمس بمشروعية تمثيل قيادتها للشعب الفلسطيني، ما يعيق تحركاتها على الصعيد الدولي.

إلى جانب ذلك، فإن قيادة السلطة تخشى التبعات الاقتصادية لتطبيق مبادرات إعادة تأهيل القطاع، إذ إن الكثير من الأموال التي سيتم تخصيصها لتنفيذ هذه المشاريع سيتم اقتطاعها من المساعدات الدولية والإقليمية التي تُقدّم سنوياً لخزانة السلطة. وكانت قيادة السلطة الفلسطينية ترفض التعاون مع المبادرات الهادفة إلى إعادة تأهيل غزة اقتصادياً خشية تورطها في تحمّل المسؤولية عن سلوك الفصائل والمجموعات الفلسطينية المختلفة العاملة في القطاع، مما سيمكّن إسرائيل من إضفاء شرعية على مواقفها الرافضة للوفاء بمتطلبات تحقيق تسوية للصراع.

لكن السلطة باتت تعي أن الأضرار الناجمة عن السماح بتنفيذ المشاريع الهادفة إلى تحسين الواقع في قطاع غزة من دونها، ربما تكون أكبر من تبعات تحمّلها المسؤولية أمام إسرائيل عن سلوك الفصائل والمجموعات في غزة، لا سيما أن تل أبيب شرعت في خطوات عقابية ضد السلطة بشكل مباشر بمعزل عما يحدث في قطاع غزة، والتي كان آخرها قرار اقتطاع المخصصات التي تدفعها السلطة للأسرى وعوائل الشهداء من عوائد الضرائب التي تجبيها. ونظراً لأن السماح للسلطة الفلسطينية بأي دور في تنفيذ مشاريع إعادة إعمار غزة يتطلّب عودتها لتولي مقاليد حكم القطاع، فإن هذا يفترض محاولة إحراز التوافق مجدداً مع حركة "حماس" من خلال تطبيق اتفاق المصالحة الذي وقّعت عليه الحركتان.


ومما قلّص من قدرة قيادة السلطة على شيطنة مشاريع إعادة إعمار غزة جماهيرياً من خلال محاولة ربطها بمشروع فرض الإملاءات الأميركية تحت العنوان المضلل "صفقة القرن"، حقيقة أن الضفة الغربية، التي تمارس فيها السلطة صلاحياتها، هي الساحة التي تقوم فيها إسرائيل، بدعم من الإدارة الأميركية، بتطبيق بعض ما نسب إلى هذه المشروع-الإملاء، عبر تكثيف مشاريع الاستيطان والتهويد والتمهيد لمخططات الضم. في هذا السياق، تندرج التسريبات غير المؤكدة عن نيّة قيادة السلطة إقناع رئيس الوزراء السابق سلام فياض بتولي رئاسة الحكومة مجدداً بدلاً من رامي الحمدالله. ولا يزال النفي الفلسطيني الرسمي لهذا المشروع خجولاً، ويقتصر على "مصادر ترفض الكشف عن هويتها". لكن، في حال صحّت هذه التسريبات بخصوص إعادة تسمية فياض رئيساً للحكومة، فإن قيادة السلطة تكون عندها في صدد التفكير باستمالة إدارة دونالد ترامب مجدداً، بما أن فياض، الذي يعمل حالياً محاضراً في إحدى الجامعات الأميركية، يحظى بثقة واشنطن، ويصنفه كثيرون في إطار مقرب من القيادي الأمني المطرود من حركة "فتح"، محمد دحلان، المقرب بدوره من محور السعودية ــ الإمارات ــ مصر، غير البعيدين بدورهم من مشروع الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان "صفقة القرن".

ولا تبدو هذه التطورات بعيدة عن الخلاف الجوهري بين تل أبيب وواشنطن بشأن مستقبل الأوضاع في قطاع غزة، إذ إن إدارة ترامب ترى وجوب عودة السلطة لإدارة مقاليد الأمور هناك، في حين أن إسرائيل ربما تكون معنية أكثر ببقاء الوضع القائم، على اعتبار أنه يحقق هدفها المتمثل في تكريس الفصل السياسي بين الضفة والقطاع.
لكن تمهيد الطريق أمام تطبيق اتفاق المصالحة يتوقف أيضاً على مواقف حركة "حماس"، إذ من المرجح أن تعمد الحركة إلى استخلاص العبر والإصرار على تطبيق كامل وفوري ومتوازٍ لكل بنود اتفاق المصالحة. وعلى الرغم من الاعتبارات المصلحية الآنية التي تدفع قيادة السلطة لمحاولة تطبيق اتفاق المصالحة، فإن إنجاز هذا الهدف لن يكون سهلاً، لأن الخلاف مع "حماس" لا يتمحور فقط حول مصير العقوبات الاقتصادية التي فرضها رئيس السلطة محمود عباس على القطاع، بل إن هناك خلافاً كبيراً بين الطرفين حول تطبيق البنود المتعلقة بمستقبل منظمة التحرير وطابع التمثيل في مؤسساتها وتشكيل مجلس وطني جديد وإجراء الانتخابات ومصير سلاح الفصائل في غزة...

وفي حال كان الكلام عن نيّة عباس إعادة فياض إلى مركز رئاسة الحكومة صحيحاً، فإن حركة "حماس" قد تتحفظ على التعاون مع الرجل، بسبب دوره الحاسم كرئيس للوزراء ووزير للمالية سابقاً في تجفيف بيئة المقاومة في الضفة الغربية من خلال انتهاج سياسات اقتصادية واجتماعية، ناهيك عن دوره في تكريس التعاون الأمني مع الاحتلال، ومواقفه من الصراع مع الاحتلال، هو الذي سبق أن قال في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" إن الضفة الغربية هي "مهد التوراة".