19 يناير 2024
ماذا يعني الانسحاب الأميركي من سورية؟
أثارت تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن دول المنطقة يجب أن تتحمل تكاليف أكبر في مواجهة "داعش"، ثم تصريحاته عن ضرورة أن تدفع السعودية أربعة مليارات دولار في مقابل بقاء القوات الأميركية في شرق سورية، أثارت تكهنات كثيرة بشأن مشاركة قوات عربية في سورية مكان القوات الأميركية التي أعلن الرئيس ترامب أنها يجب أن تنسحب قبل أن تتعدل تصريحاته؛ إنها ستبقى هناك إلى فترة لا تطول عن ستة أشهر.
وقد أرسل الرئيس الأميركي وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو إلى السعودية، كما تحادث الأخير هاتفياً مع نظيره المصري سامح شكري في الموضوع ذاته. كان رد الرياض أنها مستعدة لإرسال قوات عربية تحت غطاء التحالف الدولي إلى سورية، بل كرّر وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، مرات إن بلاده عرضت إرسال قوات سعودية إلى سورية مرتين خلال فترة الرئيس أوباما والآن تكرر العرض نفسه. وقال "ما زلنا نبحث آلية إرسال هذه القوات إلى سورية بغطاء من التحالف الدولي". أما الوزير المصري فقال ببساطة إن بلاده تدرس الموضوع.
ويعود موضوع تشكيل القوات العربية المشتركة إلى عقود طويلة، حيث بحث الموضوع ضمن إطار جامعة الدول العربية، وبسبب الخلافات السياسية الدائمة فشل تحقيق الموضوع، وكان عصب الفشل هذا ما سميت القوات العربية التي دخلت لبنان في عام 1976، لكنها في أغلبها كانت قوات سورية، هدفت إلى إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، غير أنها بقيت هناك حتى
أُخرجت بمظاهرات شعبية حاشدة عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وخلال العقود الثلاثة من وجودها هناك، تحولت وظيفتها من قوات حفظ سلام ضمن تنفيذ قرار جامعة الدول العربية إلى أشبه بقوات الاحتلال التي أصبحت وظيفتها تحطيم الزعامات التاريخية اللبنانية والفلسطينية في لبنان، فدخلت حرباً مع منظمة التحرير الفلسطينية في البداية، ثم مع حركة أمل وحزب الله قبل أن تتحالف معهما، ثم حرباً مع القوات المسيحية اللبنانية متمثلة بقوات الكتائب ثم تيار الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، فخرجت هذه القوات منهكةً، وفي الوقت نفسه، فاقدة أية شرعية قانونية أو سياسية يمكن أن تضفى عليها، أو يمكن أن تبرّر لجامعة الدول العربية، اتخاذ أي قرار آخر بإرسال قوات عربية إلى أية دولة عربية أخرى، مهما كانت، ومهما كانت الظروف.
ولذلك لم تفكر أي من السعودية أو مصر بالذهاب إلى جامعة الدول العربية للحصول على تفويض بإرسال قوات عربية إلى سورية، لأنها تعرف الانقسام السياسي داخل الجامعة. وفي الوقت نفسه، ثمة الرصيد السياسي لإرسال قوات كهذه بناءً على التجربة اللبنانية السابقة.
تزدحم الأرض السورية اليوم بقوات أجنبية من كل البلدان المجاورة تقريباً، إضافة إلى قوات من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فلدى تركيا وجود عسكري قوي، يتمثل في الشمال السوري بعد عملية ما تسمى درع الفرات والمعركة أخيراً في عفرين التي تمكّنت من خلالها من السيطرة على المدينة، بعد طرد قوات الحماية الكردية المشكلة من قوات حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً شرسة مع الحكومة التركية على الأراضي التركية والعراقية والآن السورية. كما أن العراق والأردن غالباً ما ينفذان عمليات عسكرية عابرة للحدود، بهدف ضمان أمن الحدود التي لم يعد يسيطر على أي منها النظام السوري، أما فرنسا فقد أعلنت أخيراً إرسال قوات عسكرية إلى سورية عبر العراق، حليفة للقوات الأميركية التي تتمركز في شرق سورية، وخصوصاً بعد سيطرة القوات الأميركية على الرقة وطرد "داعش" منها.
أما الولايات المتحدة فلديها وجود عسكري كبير في سورية يزيد عن ألفي جندي في شرق سورية ويسيطرون على المناطق التي كانت يوماً ما تحت سيطرة "داعش". وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي أعقب تصريح الرئيس ترامب عن انسحاب القوات الأميركية من سورية، ثم وضع جدول زمني لذلك لا يتجاوز ستة أشهر، ثم وفي أعقاب الضربة الثلاثية الأميركية البريطانية الفرنسية على منشآت تتبع للنظام السوري، بعد استخدامه السلاح الكيميائي في دوما المحاصرة آنذاك، قرّر الرئيس ترامب إبقاء القوات الأميركية هناك، لكنه أعلن أن الدول الإقليمية ودول الخليج يجب أن تتحمل تكلفة بقاء هذه القوات، إذا كانت ترغب في مقارعة الوجود الإيراني ومنع تمدد نفوذه.
لدى إيران أيضاً وجود عسكري كبير، سواء عبر من تسميهم "المستشارين"، ويقدّرون
بالآلاف، أو عناصر الحرس الثوري الإيراني الذي وُجد قائده قاسم سليماني مرات في معارك مختلفة في الشمال السوري. فضلاً عن ذلك، تعتمد إيران على تجنيد مرتزقة من الشيعة الأفغان والباكستانيين، والذين لجأوا إلى إيران، فتستخدمهم هذه عبر مليشيات تطلق عليها "زينبيون" و"فاطميون"، وهي مليشيات طائفية شيعية، أثبتت نجاعةً في الحرب السورية، لأن تكلفتها على إيران والنظام السوري رخيصة للغاية، فعلى الرغم من مقتل آلاف منهم، إلا أن لا أسر أو عائلات تمثلهم أو تدافع عن حقوقهم، ولا يشكلون بمقتلهم لا ضغطاً على إيران ولا على النظام السوري، إنهم أشبه بالمرتزقة المجانية التي تقاتل من أجل المال فقط وتحفزها عقيدة طائفية تغذّيها الأيديولوجيا الشيعية التي تسيطر عليها المرجعية الإيرانية، ممثلة بالمرشد خامنئي بشكل كامل.
وأخيراً، يحتفظ العراق في سورية بقوات غير نظامية، ممثلة بمليشيات طائفية، تعتبر امتداداً لـ "الحشد الشعبي"، مثل حركة النجباء. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تنفي مسؤوليتها عن مشاركة هذه المليشيات في سورية لدعم نظام بشار الأسد، إلا أنه يجب أن لا يُنسى أن النظام العراقي أخذ موقفاً داعماً للرئيس السوري تحت التأثير الإيراني من جهة، وبناء على اعتبارات طائفية من جهة أخرى، كما أن مليشيات الحشد الشعبي، ممثلة في الحكومة العراقية، وتدعمها وتمولها رسمياً، وبالتالي من الصعب تصديق أن المليشيات العراقية الموجودة في سورية لا تحظى بدعم رسمي، وإنْ لم يكن بشكل علني.
يمكن القول إذاً إن الأراضي السورية توجد فيها قوات أجنبية من كل الجنسيات، ما يجعل إرسال مزيد من القوات سيزيد المشهد تعقيداً على المستويين، السياسي والعسكري، لا سيما أنها لن تأتي ضمن اتفاق سياسي، أو ضمن إطار الأمم المتحدة، وهو ما يعقد وجودها ويجعلها عرضة للاشتباكات العسكرية، ضمن تغير الحدود العسكرية المتغيرة في الحرب السورية، وضمن الانقسام السياسي العميق الذي تشهده سورية اليوم.
وقد أرسل الرئيس الأميركي وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو إلى السعودية، كما تحادث الأخير هاتفياً مع نظيره المصري سامح شكري في الموضوع ذاته. كان رد الرياض أنها مستعدة لإرسال قوات عربية تحت غطاء التحالف الدولي إلى سورية، بل كرّر وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، مرات إن بلاده عرضت إرسال قوات سعودية إلى سورية مرتين خلال فترة الرئيس أوباما والآن تكرر العرض نفسه. وقال "ما زلنا نبحث آلية إرسال هذه القوات إلى سورية بغطاء من التحالف الدولي". أما الوزير المصري فقال ببساطة إن بلاده تدرس الموضوع.
ويعود موضوع تشكيل القوات العربية المشتركة إلى عقود طويلة، حيث بحث الموضوع ضمن إطار جامعة الدول العربية، وبسبب الخلافات السياسية الدائمة فشل تحقيق الموضوع، وكان عصب الفشل هذا ما سميت القوات العربية التي دخلت لبنان في عام 1976، لكنها في أغلبها كانت قوات سورية، هدفت إلى إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، غير أنها بقيت هناك حتى
ولذلك لم تفكر أي من السعودية أو مصر بالذهاب إلى جامعة الدول العربية للحصول على تفويض بإرسال قوات عربية إلى سورية، لأنها تعرف الانقسام السياسي داخل الجامعة. وفي الوقت نفسه، ثمة الرصيد السياسي لإرسال قوات كهذه بناءً على التجربة اللبنانية السابقة.
تزدحم الأرض السورية اليوم بقوات أجنبية من كل البلدان المجاورة تقريباً، إضافة إلى قوات من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فلدى تركيا وجود عسكري قوي، يتمثل في الشمال السوري بعد عملية ما تسمى درع الفرات والمعركة أخيراً في عفرين التي تمكّنت من خلالها من السيطرة على المدينة، بعد طرد قوات الحماية الكردية المشكلة من قوات حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباً شرسة مع الحكومة التركية على الأراضي التركية والعراقية والآن السورية. كما أن العراق والأردن غالباً ما ينفذان عمليات عسكرية عابرة للحدود، بهدف ضمان أمن الحدود التي لم يعد يسيطر على أي منها النظام السوري، أما فرنسا فقد أعلنت أخيراً إرسال قوات عسكرية إلى سورية عبر العراق، حليفة للقوات الأميركية التي تتمركز في شرق سورية، وخصوصاً بعد سيطرة القوات الأميركية على الرقة وطرد "داعش" منها.
أما الولايات المتحدة فلديها وجود عسكري كبير في سورية يزيد عن ألفي جندي في شرق سورية ويسيطرون على المناطق التي كانت يوماً ما تحت سيطرة "داعش". وعلى الرغم من الجدل الكبير الذي أعقب تصريح الرئيس ترامب عن انسحاب القوات الأميركية من سورية، ثم وضع جدول زمني لذلك لا يتجاوز ستة أشهر، ثم وفي أعقاب الضربة الثلاثية الأميركية البريطانية الفرنسية على منشآت تتبع للنظام السوري، بعد استخدامه السلاح الكيميائي في دوما المحاصرة آنذاك، قرّر الرئيس ترامب إبقاء القوات الأميركية هناك، لكنه أعلن أن الدول الإقليمية ودول الخليج يجب أن تتحمل تكلفة بقاء هذه القوات، إذا كانت ترغب في مقارعة الوجود الإيراني ومنع تمدد نفوذه.
لدى إيران أيضاً وجود عسكري كبير، سواء عبر من تسميهم "المستشارين"، ويقدّرون
وأخيراً، يحتفظ العراق في سورية بقوات غير نظامية، ممثلة بمليشيات طائفية، تعتبر امتداداً لـ "الحشد الشعبي"، مثل حركة النجباء. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تنفي مسؤوليتها عن مشاركة هذه المليشيات في سورية لدعم نظام بشار الأسد، إلا أنه يجب أن لا يُنسى أن النظام العراقي أخذ موقفاً داعماً للرئيس السوري تحت التأثير الإيراني من جهة، وبناء على اعتبارات طائفية من جهة أخرى، كما أن مليشيات الحشد الشعبي، ممثلة في الحكومة العراقية، وتدعمها وتمولها رسمياً، وبالتالي من الصعب تصديق أن المليشيات العراقية الموجودة في سورية لا تحظى بدعم رسمي، وإنْ لم يكن بشكل علني.
يمكن القول إذاً إن الأراضي السورية توجد فيها قوات أجنبية من كل الجنسيات، ما يجعل إرسال مزيد من القوات سيزيد المشهد تعقيداً على المستويين، السياسي والعسكري، لا سيما أنها لن تأتي ضمن اتفاق سياسي، أو ضمن إطار الأمم المتحدة، وهو ما يعقد وجودها ويجعلها عرضة للاشتباكات العسكرية، ضمن تغير الحدود العسكرية المتغيرة في الحرب السورية، وضمن الانقسام السياسي العميق الذي تشهده سورية اليوم.