تدحرجت أسعار النفط الاثنين نحو الهبوط الحاد على خلفية الحرب النفطية بين السعودية وروسيا، وفشل اتفاق "أوبك +"، وانتشار فيروس كورونا، وهو ما أضعف الطلب العالمي على الخام الأسود.
وحسب الأرقام خسرت أسعار النفط ما يصل إلى ثلث قيمتها الاثنين في أكبر خسائرها اليومية منذ حرب الخليج عام 1991، بعد أن أشارت السعودية إلى أنها سترفع الإنتاج لزيادة الحصة السوقية، كما ستخفض الأسعار، فيما يتسبب تفشي فيروس كورونا بالفعل في حدوث فائض في الإمدادات النفطية في السوق.
وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 22% عند 37.05 دولار للبرميل بعد أن نزلت في وقت سابق 31% إلى 31.02 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى منذ 12 فبراير/ شباط 2016. وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي أكثر من 24% إلى 33.20 دولار للبرميل بعد أن هوى في البداية 33% إلى 27.34 دولار، وهو أيضا أدنى مستوى منذ 12 فبراير/ شباط 2016. وكان أكبر تراجع يسجله الخام القياسي الأميركي على الإطلاق في عام 1991 عندما انخفض بمقدار الثلث أيضا.
ما يحدث اليوم من زلزال وتهاوٍ في أسواق النفط، الذي خسرت فيه الأسعار حتى يوم أمس 30% من قيمتها لا يقل عن زلزال عام 1982. ومن المتوقع أن تكون له تداعيات اقتصادية وسياسية في كل دول العالم.
وربما تكون التداعيات هذه المرة على الاقتصاديات العالمية والنفوذ الجيوسياسي أكبر من تلك التي حدثت في دورات الانهيارات السابقة في الثمانينيات وعامي 2015 و2016، لأنها تتصاحب مع تداعيات تفشي فيروس كورونا.
وحتى الآن تضررت أسواق الأسهم العالمية وسندات الخزانة الأميركية من انهيارات أسعار النفط الأثنين، وقد تمتد التأثيرات قريباً إلى أسواق الائتمان والصرف والمصارف الاستثمارية، وربما تمس الاستقرار السياسي في بعض الدول النفطية.
في هذا الصدد يرى خبير الطاقة بشركة " أكسي كورب" الأميركية، ستيفنز إنز، في تعليقات لصحيفة " فاينانشيال تايمز"، أن "المخاطر الحقيقية للحرب النفطية الحالية ربما ستمتد إلى أبعد من قضية انهيار الأسعار وتصل المخاطر إلى أسواق الائتمان، وهذا ما يقلق أسواق المال".
وحسب تقرير لوكالة "ستاندرد آند بورز" الشهر الماضي تبلغ قيمة الديون السيادية العالمية نحو 53 ترليون دولار. وفي حال توقف بعض هذه الدول عن خدمة هذه الديون فستحدث موجة من الانهيارات في أسواق المال العالمية.
على صعيد تداعيات الانهيار الجاري في الأسعار على الصناعة النفطية، يتوقع، إنز، حدوث إفلاسات في صناعة النفط، خاصة النفط الصخري والنفوط المكلفة، في حال تواصل تدهور الأسعار.
لكن المخاطر التي يتحدث عنها إنز لن تقف على الإفلاسات المتوقعة في صناعة النفط الصخري والمياه العميقة والنفط المكلف وإنما ستطاول الدول النفطية التي تعاني من أزمات مالية، وستطاول كذلك بنوك الاستثمار العالمية التي كانت تستفيد من توظيف فوائض النفط العربية.
كما أن سندات الخزانة الأميركية ربما ستكون من الخاسرين بسبب حاجة العديد من الدول النفطية لتسييل جزء من حيازتها بها حتى تتمكن من تلبية احتياجات الإنفاق.
وقلصت بنوك كبرى توقعاتها لنمو الطلب النفطي. وتوقع بنك مورغان ستانلي أن يسجل نمو الطلب في الصين صفرا في 2020، كما توقع مصرف غولدمان ساكس انكماشا قدره 150 ألف برميل يوميا في الطلب العالمي.
وخفض المصرف الأميركي أيضا توقعاته لخام برنت إلى 30 دولارا في الربعين الثاني والثالث من عام 2020، لكن محللون آخرون لا يستبعدون هبوط الأسعار إلى 20 دولاراً.
وعادة ما تؤثر أسعار النفط ومشتقاته وتجارته التي يفوق حجمها 1.71 تريليون دولار، على مؤشرات أسواق المال، بسبب حجم الشركات الطاقة الكبرى وشركات الوقود والمصافي.
ويلاحظ أن هنالك هروباً كبيراً من أسهم شركات الطاقة في البورصات العالمية والعربية، إذ خسر سهم أرامكو السعودي أكثر من 5 ريالات في تعاملات الأحد. كما سجلت أسهم شركات الطاقة في كل من أوروبا وأميركا تراجعاً كبيراً.
وتشكل أسهم شركات الطاقة وزناً كبيراً في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، وكانت قد خسرت نحو 7.4% من قيمتها خلال الشهر الماضي، حسب تقرير لـ"وول ستريت جورنال"، بسبب تداعيات كورونا.
في هذا الصدد، لاحظت شركة "رايستاد" النرويجية لأبحاث الطاقة، في دراسة حديثة عن تداعيات تراجع أسعار النفط في عام 2018، إن أسهم الطاقة العالمية خسرت نحو ترليون دولار من قيمتها السوقية، خلال فترة الـ40 يوماً التي هبطت فيها أسعار النفط من 86 دولاراً إلى 60 دولاراً بالنسبة لخام برنت في العام 2018.
ومن المتوقع أن تكون صناعة النفط والغاز الصخري الأميركي أولى الضحايا من هذه الحرب وربما تكون لها تداعيات على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في روسيا وفي العديد من الدول النفطية، في حال استمرارها لفترة طويلة.
وكانت مدينة هيوستن قد تحولت من الانتعاش والازدهار إلى مدن أشباح في أقل من عامين، حيث هجرها السكان وأغلقت المتاجر والمطاعم خلال انهيار أسعار النفط الأخيرة في عامي 2015 و2016.
وتشير دراسة أكاديمية أميركية إلى أن الخسائر التي تتكبدها الاقتصادات الغربية من تدهور أسعار النفط تتساوى مع المنافع إن لم تتفوق عليها، ولكن نادراً ما يتم إلقاء الضوء على خسائر الدول الغربية من تراجع أسعار النفط وإنما يقتصر الحساب على المكاسب.
وفي أسواق أخرى، انخفض الدولار بشدة أمام الين وهوت أسواق الأسهم الآسيوية كثيرا وارتفع سعر الذهب إلى أعلى مستوى منذ عام 2013 عقب انهيار أسعار النفط مع لجوء المستثمرين إلى ملاذات آمنة.