ما أشبه اليوم بالبارحة

10 يناير 2018

مظاهرة في باريس داعمة للاحتجاجات الإيرانية (6/1/2018/Getty)

+ الخط -
بداية، من الضروري والعاجل تشكيل "غرفة تشاور وتبادل خبرات" سورية/ إيرانية مشتركة، لتمد الشارع الإيراني بمعلومات تفصيلية بشأن ما واجهه الشعب السوري من خطط معادية، منذ بداية ثورته، لأهمية ذلك في مساعدة مواطني إيران على تحاشي ما واجهناه نحن من تهديدات، واقترفناه من أخطاء، وفي الحؤول دون تحويل صمودهم ومقاومتهم السلمية/ المدنية إلى حرب مديدة، وفوضى عامة، يخطط لها الملالي، ستكلف الشعب المنتفض الكثير من الدماء والدموع. كما فعل بشار البارحة في سورية، يوجه المرشد خامنئي والرئيس روحاني اليوم تهما ثقيلة إلى متظاهرين جياع وعاطلين عن العمل، معدمين ويائسين، من المحال أن يكون لهم علاقة بها، قلبها المرشد في خطاب ألقاه يوم 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، بطريقته الارتجالية/ العشوائية، ومن دون أي دليل إلى "مؤامرة"، على الضد مما يقوله المنطق والواقع، وهو أن الأفراد والجماعات والأحزاب المنظمة قد يتآمرون، ولكن لا يتآمر شعب تعداده عشرات الملايين، لا يعرف أفراده بعضهم، ولا يعيشون معا، وليس بينهم علاقات يومية أو تواصل منظم، سلوكهم عفوي ووعيهم السياسي يومي عابر، أو محدود وضامر. ناهيك عن أنهم يفتقرون إلى تنظيم وقيادة.
وكيف يمكن لشعبٍ وضع خطة سرية بصورة منهجية وتنفيذها، تحقيقا لهدفٍ يقاربونه تدرجيا وبصورة منظمة، مرحلة بعد أخرى وخطوة بعد خطوة، وصولا إلى هدفٍ سياسيٍّ تجمع مكوناته المبعثرة عليه وتريد تحقيقه؟ كيف يمكن لشعب سورية أو إيران أن يكونا متآمرين، ومع من وضد من، وبأية وسائل وخطط ومقاصد ومراحل؟ وهل يمكن لشعبٍ مجوّع، خرج
 على الناس شاهرا شكواه، مخالفا قول سيدنا علي، رضي الله عنه، الذي طالب الفقير بالخروج على الناس، شاهراً سيفه، أن يكون متآمرا، إذا كان من أوصله إلى قاع الجوع نظام يدّعي كذبا اقتداءه بالإمام، لكنه يطلق النار على أبنائه وبناته، ويقتلهم، لأنهم يطالبون بحقهم في الخبز والعدالة؟ ألا يخجل خامنئي من اتهام مواطنين فقراء يفتقرون إلى أبسط مقومات العيش بالتآمر على نظامه الذي بدّد أموالهم، وهو يتآمر على شعوب المنطقة، ويدفع بها إلى حروبٍ طائفية ومذهبية، مثلما فعل في سورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين، وطرح دوما على إيران معادلةً يستحيل أن تنجح في تحقيقها هي: إما إخضاع شعوب المنطقة وإركاعها أو تدميرها وإبادتها، باسم دين بريء من المرشد وروحاني ونظامهما: مدعي الجهاد ضد الاستكبار والصهاينة، لكنه يدمر العالم الإسلامي، ويقضي على حاضنة أمن وتعايش وإخاء أقامها الإسلام بين مكوناته قرونا، جعلت الاقتتال بين المسلمين حراما، لكن الملالي ما إن استولوا على السلطة في إيران، حتى طووا زمن الأمن والإخاء، وافتتحوا زمن التقتيل والتذبيح في طول المنطقة العربية/ الإسلامية وعرضها.
هل يكون شعب إيران متآمرا إن ذكّر حكامه بحقه في ماله الذي يبدّدونه على مليشيات حسن نصر الله وبشار والحوثي ونوري المالكي، بينما يستمرون في تجاهل بؤسه، حتى بعد بلوغ أحواله أدنى درك يمكن أن تصل إليه أحوال بشر، حيث يعانون من الإفقار والتجويع، ويعيش أولادهم في بطالةٍ تحرمهم أبسط حقوقهم باعتبارهم بشرا، وفي مقدمتها حقهم في العمل والأمل؟
يجوّع روحاني الإيرانيين حتى اليأس باسم الإصلاح، ويقتلهم خامنئي باسم إحباط "مؤامرتهم" على إيران. تُرى، متى سيستجيب نظام الملالي لهم، إن كان يجوعهم حتى الموت، إن هم 
خضعوا، ويقتلهم إن هم احتجوا على تجويعهم؟ وأي نظام هو هذا الذي تتكامل لديه أسباب قتل شعبه، سكت أو نطق؟ ومن هو المتآمر في هذه الحال: الضحية أم من يجوعه ثم يقتله؟ وما علاقة الاستكبار والصهيونية بسرقة أموال الناس من المصارف، وبإغلاق المصانع، وأخذ أثمان منازل لا تبنى، ورفع أسعار المواد الغذائية، وتزايد التضخم، وانخفاض قيمة التومان، وتدهور شروط الحياة، والبطالة وخراب الزراعة وكساد التجارة... إلخ؟ هل يحكم الاستكبار والصهاينة إيران أم يحكمها أعداؤهم المزعومون الذين يجلسون في كراسي السلطة هناك؟ وإذا كانت سياسة الحكومة تفضي إلى نتائج مطابقة للتي كان سينتجها الاستكبار والصهاينة، لو حكما طهران، أي فارق يوجد عندئذ بين حكومة خامنئي/ روحاني وبينهما؟ ومن هو المتآمر في هذه الحال: الشعب الذي يطالب بحقوقه، أم حكامه الذين يديرون أموره كما لو كان خاضعا بالفعل للاستكبار والصهيونية؟
اتهم بشار السوريين الذين طالبوه بالحرية والعدالة والمساواة بالتآمر مع الصهاينة، وتناسى أن أباه سلمهم الجولان في الإذاعة، من دون طلقة واحدة، وحكم مثله تحت ظلهم غير الشريف شعب سورية المسالم نصف قرن بالنار والحديد والتجويع، السلاح الذي استخدمه، ثم أضاف بشار إليه سلاح ازدراء الشعب واحتقاره والاستهانة بكرامته، ولسان حال هذين المجرمين يقول: "جوّع شعبك يتبعك"، أسوة بـ "جوع كلبك يتبعك"؟
قال قائد الحرس الثوري الإيراني: "الفتنة انتهت". هذه أول "خلصت" ينطق بها النظام، أسوة بالنظام الأسدي الذي كلف بثينة شعبان أن تقول "خلصت"، بعد شهر ونصف من انتفاضة الشعب السوري على الظلم والفساد. وها نحن اليوم في مطلع عامنا الثامن، من دون أن تتمكّن روسيا وإيران والأسدية من ليّ ذراعنا، أو يصدق أحد النظام عندما يقول "خلصت". حين تتملك الشعب روح الحرية، ويثور على الطغاة والفاسدين، سواء كانوا بعمائم أم حليقي الذقون، فإنها لا تخلص إلا بالخلاص منهم. هذه خبرة سورية، وهي ستكون خبرة إيران التي لن يمر وقت طويل، قبل أن تقنع جعفري وزمرته أن روح الحرية لن تتلاشى، ما دام هناك طاغية أو فاسد أو منافق في السلطة، عسكريا كان أو مدنيا.
في الثورات: تكون البداية خروج الشعب على الطغاة، والنهاية خروج الطغاة من الوجود.. سيد جعفري: هذه هي البداية، الثورة مستمرة بظلمكم.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.