يتعلّم الفلسطيني وهو طفل في الرابعة، أن يواصل بثّ الرسائل إلى بريده العمودي الوحيد، على أمل الاستجابة. فلطالما خذله سعاة البريد الأُفقيّون، من عرب وغيرهم، فما عاد يجرؤ على بعث مزيد من رسائله إلى أولئك وهؤلاء.
أتأمل الحال والمآل، ويشفّني ما لا ينكتب.
ذلك أن جميع الرسائل، باختلاف ألوانها وأنواعها ومقاصدها وجهاتها، لا تصل، ولن.
ولن ينفعنا غير لحمنا العاري، نحن وأشباهُنا في المحيط.
الكلمات أعلاه، حرصتُ على ألا أنبس بواحدة منها، لشيخ فلسطيني من مهجّري سورية الذبيحة، ألقت به أقدارُهُ إلى أرض الغروب الإسبانية.
وجدته في زاوية من جبل كولسيرولا، عارياً من ورقة التوت، والوقت رمضان، ويُرسل ثم يبكي ويُرسل.
اختبأت خلف شجرة في الغابة، وأنصَتُّ حتى اغرورق الأفق بالدموع.
فكّرت أن أنتظره ريثما يفرغ ويهدأ، ثم رأيت من اللباقة الانسحاب، دون إثارة نأمة تخدش خلاء هذه الخلوة المقدسة.
"دعْه يُفرّغ فيرتاح، ولو مؤقتاً، حتى تأتي شجون جديدة، فيتجدد إرسالُ الرسائل".
وهل ثمة من طريق آخر؟