في خلال فترة الحجر التي فُرضت في الجزائر على خلفية أزمة كورونا، اغتنم عشرات الشباب الوضع القائم. وعوضاً عن التعامل مع الأمر بسلبيّة فرضتها "العزلة الإجبارية"، بادرت مجموعات من الشباب في مدن جزائرية عدّة إلى إضافة "لمسة إيجابية" في المحيط، في إطار جمعيات وغير ذلك. وكان للمؤسسات التعليمية حصّتها الكبرى، إذ عمد الشباب إلى تنظيف المدارس وطلاء جدرانها وتزيين الأقسام بالرسومات، بالإضافة إلى غرس الأشجار والأزهار، فتكون بذلك في أبهى حلّة عند الدخول المدرسي المرتقب في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
يقول عبد الله بوحرّاتي من منطقة قصر الماء في ولاية ميلة شرقي البلاد لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة من انتهز الفرصة لتوظيف موهبة لديه. موهبتي مثلاً هي الرسم، وكانت مؤطّرة في السابق ما بين لوحات ومشاركات في معارض. لكنّني في خلال فترة الحجر، صرت أرسم على جدران المدارس وأخطّ كتابات وأشعارا تحفيزية للتعلّم ومواصلة مسار العلم والمعرفة بهدف النجاح". أمّا مسعود بوليفة، وهو رسام في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، فيرى أنّ توجيه الاهتمام نحو المدارس "خطوة كبيرة". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه اختار "تزيين الطاولات ورسم ما يدخل البهجة إلى قلوب التلاميذ، خصوصاً في المدارس الابتدائية"، علماً أنّه كان سبّاقاً في ذلك.
لكنّ المبادرات الشبابية لم تقتصر على المؤسسات التعليمية، بل شمل بعضها تنظيف الغابات وغرس الأشجار في مناطق جبلية عدّة وتحويلها إلى مساحات للراحة. ويقول رئيس جميعة "أوكسيجين" خالد فضيل لـ"العربي الجديد" إنّ "روح الشباب تنشط في منطقة درقينة بولاية بجاية في جبال جرجة وسط البلاد، فقد عمدت الجميعة في خلال الفترة الأخيرة إلى إنجاز أكثر من 25 نشاطاً من قبيل تزيين الأحياء والشوارع في المنطقة وغرس الأشجار ورفع النفايات التي تجمّعت وسط الأزمة الصحية في البلاد". يُذكر أنّ جمعية "أوكسيجين" تبحث عن إحياء الروح في كلّ مكان، خصوصا من خلال التواصل مع الطبيعة. وقد تأسست في عام 2016 وتمكّنت من إنجاز أكثر من 200 نشاط في مناطق جزائرية عدّة، بالإضافة إلى عشرات التدريبات الخاصة بالشباب والناشطين من أجل تعزيز قدراتهم في الميدان.
يضيف فضيل أنّ "الجمعية أسّست نوادي بيئة في المدارس في مختلف المراحل، الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لتحفيز التلاميذ على سلوكيات تحمي البيئة. كذلك لا بدّ من الاهتمام بالمحيط في ظل هذا الوباء العالمي الذي دفع إلى إعادة النظر في شؤون عدّة، منها الاهتمام بالأشجار وكل ما له علاقة بالطبيعة التي تنعش النفس وتعيد الروح إلى المدن التي التهمها الإسمنت".
وفي سياق متصل، نظّم شباب جزائريون آخرون حملات توعية حول "المواطنة البيئية"، خصوصاً في الظروف الحالية التي تسبب فيها فيروس كورونا" الجديد. وقد أعدّت جمعية "حماية البيئة" في ولاية المدية الواقعة إلى جنوب الجزائر العاصمة، حملات في هذا الإطار في مختلف المدن والقرى.
من جهة أخرى، أطلقت جمعيات مسابقات للأطفال في مجال الرسم، بمناسبة اليوم العالمي للطفل في الأوّل من شهر يونيو/ حزيران الجاري، وقد عمدت إلى تهنئة المشاركين وتشجيعهم من خلال هدايا رمزية ونشر رسوماتهم في معارض خاصة بفترة الحجر وتحفيزهم على الاهتمام بالصحة وحماية البيئة.
وتشير سامية بركان، وهي عضو في جمعية "معاً نحمي أطفالنا" في منطقة دالي إبراهيم بالعاصمة، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى "دعوة عامة أرسلناها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تدريب الأطفال على تخصيص يوم في الأسبوع لتعميم المواهب في الهواء الطلق". وتقول إنّ "الحجر المنزلي لفترة طويلة خلّف آثاراً سلبية على صحة الأطفال، بسبب العزلة أوّلاً وعدم فهم الوضع الصحي القائم ثانياً"، مشددة على "ضرورة دعم مبادرات مماثلة من أجل سلامة الصحة الجسدية والنفسية لجيل المستقبل".