بين مبانٍ شيّدها العثمانيون قبل ما يزيد عن 100عام، يلهو أطفال فلسطينيون في محطة كانت يوماً ما جزءاً من سكة حديد الحجاز، ويحاول السكان ترميم المكان لتحويله إلى متنزه للعائلات، حفاظاً على تراث يهدده الاستيطان الإسرائيلي.
فإلى الشمال من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، شيد العثمانيون "المسعودية"، وهي محطة لقطار الحجاز، الذي كان مخصصاً للحجيج، ويصل بين دمشق والمدينة المنورة مروراً بفلسطين.
بدأ العمل في هذه السكة عام 1900، خلال عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1876 – 1909)، وجرى افتتاحها بعد 8 أعوام، واستمر تشغيلها إلى أن دُمِّر هذا الخط الحديدي عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918).
محطة "المسعودية" قال عنها نائب رئيس مجلس بلدي برقة شمالي نابلس جهاد شريدة: "إنها أرض تبلغ مساحتها نحو 26 دونماً (الدونم الواحد يساوي ألف متر مربع)، تبرع بها السكان لصالح سكة الحجاز، في زمن الدولة العثمانية، وهي ملك للدولة الفلسطينية الآن بعد أن كانت ملكاً خاصاً".
وتعود تسمية المكان بـ"المسعودية" إلى عائلة مسعود، وهي عائلة فلسطينية من برقة، كانت تمتلك جزءاً من أرض المحطة، ولا تزال تمتلك أراضي بجوار المتنزه.
وبينما يتفقد بعض المباني الحجرية بين أشجار معمرة، تابع شريدة القصة قائلاً: "نسعى منذ عدة سنوات إلى تحويل هذا الموقع إلى متنزه للعائلات، إلا أن الإجراءات الإسرائيلية تحول دون ذلك، لا سيما وأن الموقع مقسم إلى جزئين، أحدهما في المناطق ب، والآخر في المناطق ج، بحسب اتفاقية أوسلو الثانية".
و"أوسلو الثانية" اتفاقية موقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عام 1995، قسمت أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، هي "أ" و"ب" و "ج". تمثل المناطق "أ" 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، فيما تعادل المناطق "ب" 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، أما المناطق "ج"، والتي تمثل 61% من مساحة الضفة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على إقامة أية مشروعات فيها.
في ظل هذا الوضع، وبحسب رئيس بلدية برقة، فقد "بدأت البلدية عام 2013 في ترميم الموقع بوضع مقاعد خاصة بين الأشجار وبناء وحدة صحية، وترميم أحد المباني، لكنهم فوجئوا بالجيش الإسرائيلي يهدم الوحدة الصحية بحجة أنها تقع على أراض "ج"، كما منع ترميم مبانٍ أخرى بالحجة ذاتها".
هذه الحجج الإسرائيلية، اعتبرها شريدة "ادعاءات"، ويرد عليها بالقول: "هذه أرض فلسطينية، وعليها مبان تاريخية تعود إلى العهد العثماني، ونسعى إلى الحفاظ عليها". ويتخوف المسؤول المحلي الفلسطيني من "السيطرة الإسرائيلية على الموقع، وتحويله إلى متنزه خاص بالمستوطنين".
وعادة ما تغلق إسرائيل موقع "المسعودية" في الأعياد اليهودية، وتفتحه أمام مئات المستوطنين اليهود، الذين يشكو فلسطينيون من انتهاكاتهم للمكان، فقد اقتحم مراراً، مستوطنون متنزه "المسعودية"، على الطريق بين مدينتي جنين ونابلس، وقاموا بأعمال تخريب، بينها إزالة أعلام فلسطينية، ورفع أخرى إسرائيلية.
مخاوف شريدة يترجمها بقوله: "ذات يوم حضر إلى الموقع ضباط ومهندسون يهود، وبدأوا في أعمال قياس ومسح للموقع.. نخشى أن يسيطروا عليه ويزورا تاريخه". ودعا الحكومة التركية إلى "مدّ يد العون لبلدة برقة، للعمل على إعادة ترميم موقع المسعودية، والمساعدة في تثبيت هذا التاريخ التركي الفلسطيني على أرض فلسطين".
وفي "المسعودية" أربعة مبانٍ، منها مبنى في المنطقة المصنفة "ب" رُمم وحُول إلى مقهى لخدمة المتنزهين، بالإضافة إلى جسر حجري قريب من المتنزه كان ممراً لقطار الحجاز. وعلى "المسعودية"، التي لم يتبق منها كمحطة سوى مبان وطريق زراعي محل خط السكة الحديدية، يتردد فلسطينيون، ينشدون الهدوء والطبيعة في موقع يحمل جزءاً مهماً من تاريخ بلدهم ويفتح أبوابه أمامهم بالمجان.
أحد هؤلاء، ويدعى أحمد بليطات (42 عاماً)، رأى أن ما يميز هذا الموقع هو وجوده في منطقة زراعية جميلة بعيدة نسبياً عن الضوضاء، والحياة اليومية، ما يأخذك إلى الطبيعة وسحرها". ويضيف بليطات: "دوماً أزور الموقع، وأستمتع بهذا المكان مع أصدقائي".
في جانب آخر من المتنزه، يجلس أحمد صلاح (63 عاماً) في سعادة أرجعها إلى أن "الموقع يحمل إلى المستقبل عبق الماضي.. هو مكان تاريخي ومتنزه وفسحة للعائلة.. هذا تاريخ وثقافة نحافظ عليها".
وعادة ما يكثر زوار "المسعودية"، وخاصة من العائلات الفلسطينية، في الإجازات والأعياد، لاسيما مع تخصيص منطقة ألعاب للأطفال، فضلاً عن إنشاء بلدية برقة، أسفل الأشجار المعمرة، مقاعد من الأسمنت المسلح لجلوس العائلات عليها.