10 ابريل 2019
متى يصدُق السيسي؟
"من له حيلة.. فليحتلْ"، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أفرغ ما في جعبته من الحيل التصبيرية التي لم تنجح في تسكين آلام الحياة المعيشية في مصر. وهو، كحاوٍ محترف، يعمل على زغللة الأبصار والأسماع في اللقاءات الجماهيرية معه، فهل ما زالت الحيلة تنطلي على الجموع بفئاتها المختلفة، طلاباً وجمعيات مستثمرين وغيرها من الجماهير التي تتوسّم فيه عجائب الإعجاز السياسي، على الرغم من خروجها نهاية كل لقاء خاوية الوفاض؟
تكرّرت، في عامٍ واحد، لقاءات عديدة، وعد فيها الرئيس الشعب المصري بإزالة المسغبة، فكان كالمنجّم الذي يهمهم بحديثٍ غير ذي صلة بمشكلات الاقتصاد، حين قال: "سنتين كمان، هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي ... ده هيحصل بإرادة المصريين". لم يصرّح السيسي بماهية هذا الأمر العجيب، وفضّل إحاطته بطلاسم القول، "فيا ضاربة الودع، متى تصدقين؟".
هذا الموقف نوع من المقاومة، عرضه الكاتب جميس سكوت في كتابه "المقاومة بالحيلة": يصوّر فيه عملية ترسيخ المجتمع أعضاء الجماعات المهيمنة، وكيف يمكنهم أن يتعلموا أسلوب التصرف بكل تسلّط، وبقدر كبير من الثقة بالنفس، وفيه يقول: "لأنّ الوقوف على حلبة المسرح في مواجهة المحكومين، معناه ممارسة قدر كبير من النفوذ القوي على كلام المسيطر نفسه وعلى سلوكه، ولأنّ لدى المسيطرين مسرحاً جماعياً يتعين عليهم الحفاظ عليه بالشكل الذي يجعله غالباً جزءاً من تعريفهم لذاتهم".
أما كسر هذا الحاجز العتيد بين النجومية والسياسة فيعود الفضل فيه لوزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بقولته: "أفضل ما في الشهرة أنّك إذا كنت تتكلم وأصيب الناس
بالضجر، يعتقدون أنّ هذا خطؤهم". وفي القول دهاءٌ ليس غريباً على شخصية كيسنجر، وما ينم عن الدعوة من تعمد التكرار ومواصلة التحدّث بما يتلاءم مع المصلحة الشخصية، والتي تحفظ للسياسي موقعه وصورته، حتى وإن ضجر مشاهدوه، لأنّهم، في النهاية، لا يلومون إلّا أنفسهم. وليس أوقع على الأفئدة مما ظلّ الشعب المصري يستمع إليه، منذ صعد الجنرال السيسي إلى سدة الحكم من تصريحاتٍ وتبريراتٍ يختلف استخدامها وتطبيقها، حسب ما تقتضيه مصلحة بقائه على كرسي الحكم.
وبأي حالٍ، لن يكون عبد الفتاح السيسي يوسف ليستفتيه أهل مصر في سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ، ذلك أنّ عجاف مصر من صنع يدي الطغمة الحاكمة. ربما عدم الإحساس بالزمن هو الذي شجّع الرئيس لمطالبة المصريين بإمهاله ستة أشهر أخرى، إضافة إلى العامين، حتى ينصلح حال مصر. وعلى الرغم من التبرير المتفائل الذي قاله رجال الحكم إنّ الأشهر الستة هي لحصول مصر على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، وزيادة المرتبات واحتمال استقرار سعر الدولار، والأمل في تدفق الاستثمارات الأجنبية؛ إلّا أنّ تقييد ذلك بمدة محدّدة وقصيرة ليس إلا استجداءً لرجال الأعمال والمستثمرين، المحكومين أيضاً بجُبن رأس المال.
وبالنظر إلى مشاريع ضخمة، مثل صياغة حزمة القوانين الميسرة للاستثمار الأجنبي والمحلي وتفعيلها، وإعادة هيكلة جهاز الدولة الإداري وتعافي السياحة، بالإضافة إلى التوسع في مشروعات الطاقة والبترول والغاز وتخفيف حدة الإحتقانيْن، الشعبي والإقليمي، يظهر تصريح الستة أشهر خطاباً سياسياً غير رشيد، لأنّ مهلة تحسين الأداء تضع الرئيس ومصر في موقف شديد الحرج، أمام المجتمع الدولي الذي ظلّ مراقباً لتفاقم الأوضاع في مصر، بينما فشلت القروض والمساعدات في تحسين الأوضاع الاقتصادية. فإن لم يفِ الرئيس السيسي بوعده، فإنّه سيزيد الأمور سوءاً، ليس في الداخل فحسب، وإنّما مع الدول الشقيقة والصديقة، خصوصاً دول الخليج.
يحضرني هنا أنّ الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عندما ذهب للمشاركة في مهرجان
ملتقى النيلين للشعر العربي في الخرطوم في مايو/ أيار 2011، وقال قصيدته "يا صبر أيوب"، وجد الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه يردّد معه، والحماسة والمشاعر والتفاعل الذي لقيته القصيدة في الخرطوم وجدته في عواصم عربية أخرى، معبّرة عن حال مواطنيها أيّما تعبير.
وأيوب المصري صابرٌ، ومن شدة صبره، تعوّد ألّا يسأل عن مداه، فهو يعلم متى بدأ، ولكنه لا يعلم متى يصل إلى خط النهاية. والنقطة المحورية التي في وسع المواطن أن يتساءل عنها ويتجادل حولها، ولو مع نفسه، هي كيفية التعامل مع الصبر أمراً واقعاً. هذا فيما يبدو هو ما تفعله الحكومة لشعبها، تبتليهم بالقهر والجوع وسلب الأمان، حتى لا يبقى غير ملاذ الصبر.
والمواطن المصري صابرٌ باعتراف الحكومة نفسها، اعتاد على سماع التصريحات الرسمية ذات الاتجاه الواحد، حتى تبدو وكأنّها تشد من أزره، وتحفّزه على تحمل مزيدٍ من الصبر، من دون أن يكون لها صدىً أو إجابات أو وفاء بعهود. ومع هذا الصبر، يبدو أنّه، لسبب ما، فقد السيسي خاصية أن يكون ذا كاريزما، ربما بعد أن استمرأ الوعود الكذوبة التي تمرّ مرّ السحاب بغير هطول، فكُتب عند المصريين كما ينبغي له.
تكرّرت، في عامٍ واحد، لقاءات عديدة، وعد فيها الرئيس الشعب المصري بإزالة المسغبة، فكان كالمنجّم الذي يهمهم بحديثٍ غير ذي صلة بمشكلات الاقتصاد، حين قال: "سنتين كمان، هتلاقوا أمر عجيب حصل في مصر، وهتستغربوا حصل إزاي ... ده هيحصل بإرادة المصريين". لم يصرّح السيسي بماهية هذا الأمر العجيب، وفضّل إحاطته بطلاسم القول، "فيا ضاربة الودع، متى تصدقين؟".
هذا الموقف نوع من المقاومة، عرضه الكاتب جميس سكوت في كتابه "المقاومة بالحيلة": يصوّر فيه عملية ترسيخ المجتمع أعضاء الجماعات المهيمنة، وكيف يمكنهم أن يتعلموا أسلوب التصرف بكل تسلّط، وبقدر كبير من الثقة بالنفس، وفيه يقول: "لأنّ الوقوف على حلبة المسرح في مواجهة المحكومين، معناه ممارسة قدر كبير من النفوذ القوي على كلام المسيطر نفسه وعلى سلوكه، ولأنّ لدى المسيطرين مسرحاً جماعياً يتعين عليهم الحفاظ عليه بالشكل الذي يجعله غالباً جزءاً من تعريفهم لذاتهم".
أما كسر هذا الحاجز العتيد بين النجومية والسياسة فيعود الفضل فيه لوزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، بقولته: "أفضل ما في الشهرة أنّك إذا كنت تتكلم وأصيب الناس
وبأي حالٍ، لن يكون عبد الفتاح السيسي يوسف ليستفتيه أهل مصر في سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ، ذلك أنّ عجاف مصر من صنع يدي الطغمة الحاكمة. ربما عدم الإحساس بالزمن هو الذي شجّع الرئيس لمطالبة المصريين بإمهاله ستة أشهر أخرى، إضافة إلى العامين، حتى ينصلح حال مصر. وعلى الرغم من التبرير المتفائل الذي قاله رجال الحكم إنّ الأشهر الستة هي لحصول مصر على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، وزيادة المرتبات واحتمال استقرار سعر الدولار، والأمل في تدفق الاستثمارات الأجنبية؛ إلّا أنّ تقييد ذلك بمدة محدّدة وقصيرة ليس إلا استجداءً لرجال الأعمال والمستثمرين، المحكومين أيضاً بجُبن رأس المال.
وبالنظر إلى مشاريع ضخمة، مثل صياغة حزمة القوانين الميسرة للاستثمار الأجنبي والمحلي وتفعيلها، وإعادة هيكلة جهاز الدولة الإداري وتعافي السياحة، بالإضافة إلى التوسع في مشروعات الطاقة والبترول والغاز وتخفيف حدة الإحتقانيْن، الشعبي والإقليمي، يظهر تصريح الستة أشهر خطاباً سياسياً غير رشيد، لأنّ مهلة تحسين الأداء تضع الرئيس ومصر في موقف شديد الحرج، أمام المجتمع الدولي الذي ظلّ مراقباً لتفاقم الأوضاع في مصر، بينما فشلت القروض والمساعدات في تحسين الأوضاع الاقتصادية. فإن لم يفِ الرئيس السيسي بوعده، فإنّه سيزيد الأمور سوءاً، ليس في الداخل فحسب، وإنّما مع الدول الشقيقة والصديقة، خصوصاً دول الخليج.
يحضرني هنا أنّ الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عندما ذهب للمشاركة في مهرجان
وأيوب المصري صابرٌ، ومن شدة صبره، تعوّد ألّا يسأل عن مداه، فهو يعلم متى بدأ، ولكنه لا يعلم متى يصل إلى خط النهاية. والنقطة المحورية التي في وسع المواطن أن يتساءل عنها ويتجادل حولها، ولو مع نفسه، هي كيفية التعامل مع الصبر أمراً واقعاً. هذا فيما يبدو هو ما تفعله الحكومة لشعبها، تبتليهم بالقهر والجوع وسلب الأمان، حتى لا يبقى غير ملاذ الصبر.
والمواطن المصري صابرٌ باعتراف الحكومة نفسها، اعتاد على سماع التصريحات الرسمية ذات الاتجاه الواحد، حتى تبدو وكأنّها تشد من أزره، وتحفّزه على تحمل مزيدٍ من الصبر، من دون أن يكون لها صدىً أو إجابات أو وفاء بعهود. ومع هذا الصبر، يبدو أنّه، لسبب ما، فقد السيسي خاصية أن يكون ذا كاريزما، ربما بعد أن استمرأ الوعود الكذوبة التي تمرّ مرّ السحاب بغير هطول، فكُتب عند المصريين كما ينبغي له.