مجزرة إسرائيلية في يوم الأرض

31 مارس 2018
تحدى الفلسطينيون تهديدات الاحتلال باستهدافهم (مصطفى حسونة/الأناضول)
+ الخط -
لأن لا تنازل عن حق العودة، ولأن الأرض لهم، خرج الفلسطينيون في يوم الأرض، أمس الجمعة، رافعين علماً واحداً وحاملين أحلام الوحدة وإتمام المصالحة، ليوجّهوا رسائل إلى أكثر من جهة، أولاها إلى الاحتلال الإسرائيلي بفشل كل مساعيه لترويع الفلسطينيين ومنعهم من الخروج في مسيرة "العودة الكبرى"، بعدما استخدم كل الوسائل العسكرية والتحركات الدبلوماسية للضغط، وثانيتها إلى الولايات المتحدة بأن الشعب الفلسطيني لن يقبل بإسقاط أي تسوية عليه تنتقص من حقوقه وأن لا تنازل عن القدس وحق العودة ولا بديل عن فلسطين. والرسالة الأبرز كانت بأن الانقسام الداخلي مهما طال فلا بد أن يسقط أمام التهديدات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

وعمّد الفلسطينيون بدمائهم يوم الأرض، فخرجوا في غزة والضفة الغربية وأراضي الداخل المحتل، ليتحدوا الاحتلال الإسرائيلي الذي واجههم بالنار، فيسقط 15 شهيداً وأكثر من ألف جريح جلّهم في غزة. فالاحتلال كان يتحدث منذ أيام عن رفع الجهوزية العسكرية ويهدد باستهداف أي شخص يتجاوز حدود غزة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونفذ تهديداته باستهداف الفلسطينيين بالرصاص الحي، علماً أنه سخّر سفاراته وممثلياته الدبلوماسية في العالم في الحرب الدعائية ضد مسيرة العودة، إذ أصدر تعليمات إلى السفراء والممثلين الإسرائيليين بأن يتم تصوير المسيرة على أنها "تحرك تنظيمي" أقدمت عليه "حماس" من أجل الخروج من أزماتها، والسعي لشيطنة المسيرة من خلال "الطلب من الطواقم الدبلوماسية الادعاء بأن حماس دفعت مبلغ 10 ملايين دولار من أجل إنجاح المسيرة"، بحسب ما كشفت صحيفة "هآرتس". كما استبق الاحتلال المسيرات بقصف، فجر الجمعة، على بلدة بني سهيلا الحدودية في قطاع غزة، ما أسفر عن استشهاد مزارع، فيما كان رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوط، يصعّد من اللهجة الإسرائيلية بتكرار الإعلان أن الجنود حصلوا على أوامر لإطلاق الرصاص الحي.

غير أن كل محاولات الترهيب لم تنجح في إفشال الحراك الفلسطيني، فكان يوم أمس مختلفاً على الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، إذ تجمّع آلاف الفلسطينيين في خيام نُصبت قبالة الحدود ومواقع الاحتلال إحياء لذكرى يوم الأرض، وكجزء من حراك مسيرة "العودة الكبرى". هذا المشهد قابله الاحتلال بالرصاص الحي على المتظاهرين في مناطق مختلفة شرق القطاع، ما أسفر عن استشهاد 15 فلسطينياً، كما أصيب ما يزيد عن 1400 فلسطيني بجراح، بينهم حالات خطيرة، جراء الاستخدام المفرط للقوة النارية من قبل قوات الاحتلال.

واختلطت دماء الشهداء والجرحى مع الأرض التي كانت قبل أشهر قليلة ممنوعة على الفلسطينيين بفعل قرارات الاحتلال ومنطقته الحدودية العازلة. ورُفع العلم الفلسطيني منفرداً في المناسبة الوطنية التي شاركت فيها كافة الفصائل والقوى والمؤسسات. وحمل الفلسطينيون في يوم "العودة الكبرى" أسماء قراهم ومدنهم مطالبين بالعودة إليها، ورفعوا أحلامهم عالياً على الرغم من العنف الإسرائيلي المتمادي الذي استخدمت فيه قوات الاحتلال كل أنواع الأسلحة لثنيهم عن الاقتراب من الحدود. وكان المشهد وحدوياً إلى أبعد حد، لم تعهده غزة منذ الانقسام الداخلي والخلاف المتفجر بين حركتي "حماس" و"فتح"، وأوصل الحراك الجماهيري الفلسطيني، وفق منظميه، رسائل في كل الاتجاهات، للمحاصرين ومن ثم لمحاولي فرض حلول التسوية على الفلسطينيين. هذا النشاط الفلسطيني المشترك، هو الأول الذي تشهده غزة بهذا العدد الكبير، كما أنه أدخل القطاع، وفق خبراء، إلى ساحة النضال السلمي، إلى جانب ما تقوم به قوى المقاومة من إعداد واستعداد لأي مواجهة.


وعلى الحدود الشرقية والشمالية للقطاع، رفعت القوات الإسرائيلية درجة التأهب والاستنفار في صفوف جنودها، بعد خشيتها من أن يتحول الحراك الجماهيري إلى فعل واسع يتطور إلى اقتحام العشرات للحدود. ولوحظ أنّ طائرات إسرائيلية مسيّرة ألقت قنابل الغاز والصوت على الفلسطينيين، وهذه أول مرة تستخدم فيها تلك الطائرات في صد المواجهات الحدودية.
وشاركت قيادات الصف الأول من كل الفصائل الوطنية والإسلامية بالفعاليات كل في منطقته، ما أعطى دفعاً أكبر للفلسطينيين للبقاء في أماكن التظاهرات. وخلال مشاركته في مسيرة شرق غزة، قال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، إنّ مسيرة العودة أكدت للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن "لا تنازل عن القدس ولا بديل عن فلسطين، ولا بديل عن العودة إلا بالعودة". وشدد على "توحّد الكل الفلسطيني خلف الثوابت الوطنية وحق العودة".

أما قائد حركة "حماس" في غزة، يحيى السنوار، فأكد أنّ الجماهير التي تخرج على الحدود تقف سداً في وجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية. وقال السنوار، خلال مشاركته في مسيرة العودة، شرق مخيم جباليا، إنّ "الجماهير التي تخرج في المسيرة بصدورها العارية، تعلم أن أبناء القسام وكل أبناء فصائل المقاومة سيخرجون من تحت الأرض ليطلقوا على رؤوس الاحتلال النار من نقطة صفر".

من جهته، أكد قائد حركة "فتح" في قطاع غزة، أحمد حلس، خلال مشاركته في مسيرة العودة، شرق غزة، أنّ المسيرة تأكيد على أن "العودة جوهر نضال شعبنا منذ الاستعمار وغزو أرضنا، وأنّ الشعب الفلسطيني يؤكد أنّ كل التحديات لن تثنيه عن تمسكه بحقوقه". أما عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي" محمد الهندي، فقال إن مسيرة العودة والروح التي يتحلى بها الشعب الفلسطيني اليوم تثبت للعالم وللعدو الإسرائيلي "أنَّ شعبنا قادر على مواجهة المؤامرة التي تعصف بالقضية".

مشهد الاعتداء الإسرائيلي على المتظاهرين كان حاضراً أيضاً في الضفة الغربية، حيث أصيب 55 فلسطينياً بجراح وحالات اختناق، خلال مواجهات مع القوات الإسرائيلية، بحسب إحصائية للهلال الأحمر الفلسطيني. واندلعت مواجهات عنيفة عند المدخل الشمالي لمدينة رام الله، وسط الضفة. كذلك أصيب عدد من الشبان خلال مواجهات عنيفة اندلعت في بلدة قصرة، جنوبي مدينة نابلس، إضافة إلى مواجهات في بلدة كفر قليل، جنوبي مدينة نابلس، استهدف خلالها الشبان جنود الاحتلال بالزجاجات الحارقة، بينما اندلعت مواجهات مماثلة في بلدة كفر قدوم، شرقي مدينة قلقيلية. واندلعت مواجهات أيضاً في بلدة المزرعة الغربية، شمال غربي مدينة رام الله، وبلدات نعلين وبلعين ودير نظام، غربي المدينة، إضافة إلى المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ومنطقة باب الزاوية، وسط مدينة الخليل، جنوب الضفة، ومدخلي مدينة أريحا الجنوبي والشمالي، إضافة إلى مواجهات في بلدتي أبوديس والعيزرية، جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة.